
الخط الأحمر الجديد
أنجز الوفد الأمني الفلسطيني في الأيام الفائتة، سلسلة لقاءات مثمرة في بيروت، في إطار التحضير لخطوة طال انتظارها: بسط سلطة الدولة اللبنانية على المخيمات الفلسطينية، بدءاً بالمخيمات الأربعة في بيروت. هذه الخطوة ليست أمنية فحسب، بل سياسية وسيادية بامتياز، وتُعبّر عن تحوّل نوعي في المشهدين الفلسطيني واللبناني، مدعومة بإرادة واضحة من السلطة الوطنية الفلسطينية التي جدّدت التزامها الكامل بكل ما وعدت به، قبل وخلال وبعد زيارة الرئيس محمود عباس إلى لبنان.
ومع ذلك، لم يكن الطريق ممهداً، إذ واجهت الخطة عراقيل من داخل بعض الأوساط الفلسطينية التي سعت إلى التشويش على التوجّه الرسمي. لكن المفاجئ أن العرقلة الأبرز جاءت من داخل الدولة اللبنانية نفسها، وتحديداً من رئيس مجلس النواب، الذي اختار خطاب التهويل، محذراً من خطر الفتنة والحرب الأهلية إذا مضت الدولة في تنفيذ قرارها. هذا الموقف يطرح علامات استفهام جدية حول قدرة الدولة على ممارسة سيادتها، ومدى قبولها بأن تُقيَّد إرادتها بتهديدات داخلية تُستخدم كخطوط حمر غير معلنة.
في المقابل، يبرز القرار الفلسطيني الرسمي بوصفه عامل دفع نادر في هذا السياق، إذ تبدي السلطة الوطنية حماسة صريحة لإزالة ورقة المخيمات من يد الممانعة، بما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الشراكة مع الدولة اللبنانية. غير أن التردد الرسمي في بيروت لا يعكس هذا الزخم، بل يكشف هشاشة القرار اللبناني، وتردده أمام حسابات داخلية وتحالفات تستفيد من إبقاء المخيمات خارج سلطة الدولة.
وقد ظهرت محاولات منظمة من جانب قوى الممانعة الفلسطينية، بدعم مباشر من حلفائها اللبنانيين، لتحريض الشارع الفلسطيني ضد الرئيس عباس، وتشويه صورة السلطة الوطنية، بهدف إجهاض أي خطوة من شأنها إنهاء حالة الفلتان.
في هذا الجو، جاءت مواقف واضحة من قوى سيادية لبنانية، أبرزها ما أعلنه رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، الذي حدّد منتصف حزيران كمهلة للبدء بتنفيذ خطة بسط السلطة، محذراً من أن أي تلكؤ سيشكّل ضربة قاسية لمكانة الدولة وهيبتها.
الكرة اليوم في ملعب الدولة اللبنانية، التي أمامها فرصة تاريخية لاتخاذ قرار سيادي يعيد لها دورها الطبيعي. فإما أن تمضي في تطبيق القانون وتكسر الخط الأحمر الجديد الذي تحاول قوى الأمر الواقع فرضه حول المخيمات، تماماً كما فُرض سابقاً لحماية “فتح الإسلام” في مخيم نهر البارد، وإما أن تتنازل مجدداً، وتؤكد عجزها عن فرض سيادتها حيثما توجد تهديدات السلاح.
الاختبار مصيري، والوقت يداهم. فهل تختار الدولة أن تكون فعلياً، أم تستمر في التعايش مع واقع يُقصيها عن القرار والسيادة؟
الأيام المقبلة ستكشف الإجابة.