خاص – الحزب التائه بين ثلاثيتين

خاص – الحزب التائه بين ثلاثيتين

الكاتب: نبيل موسى | المصدر: Beirut24
9 حزيران 2025

بينما كان “أبو العبد” يقوم بجولته المعتادة في الحي، سمع شجارًا عنيفًا بين شبان ثم ما لبس ان تحول الى عراك تتخلله أصوات استغاثة. ولما اقترب من المكان رأى صديقه “ابو صطيف” يتشاجر مع مجموعة من الشباب الزعران الذين يأتون دوريًا الى الحي ويفتعلون المشاكل مع السكان. فرح “أبو العبد” لرؤيته “أبو صطيف” أحد طرفي المشادة لعلمه ان الأخير لا يخرج من المنزل قبل ان يضع مسدسه على خصره. ثم راح “ابو العبد” يكلم نفسه قائلًا: اليوم يومكم أيها الزعران، فقد جاءك الموت يا تارك الصلاة.

ما هي إلا دقائق حتى انقلب المشهد رأسًا على عقب. فقد رمى الشبان الزعران “ابو صطيف” أرضًا وراحوا يضربونه في كل مكان تطاله ايديهم وأرجلهم حتى علا صراخ الأخير طلبًا للنجدة. في الأثناء كان “ابو العبد” يشاهد المعركة من بعيد غير مصدق ما يحصل لصديقه، منتظرًا ان يستل صديقه مسدسه ويقلب المشهد رأسًا على عقب. لم يتقدم “ابو العبد” خطوة واحدة الى الأمام، بل انه اكتفى بالوعظ والكلام المنمّق المعسول محاولًا رد الأذى عن صديقه وإقناع المهاجمين بالتوقف عن ضربه.

انتهت “المعركة” بعد أن تعب الشبّان من ضرب “أبو صطيف”، فوصلت سيارة الإسعاف الى المكان ونقلته الى أقرب مستشفى. أسرع “ابو العبد” للحاق بصديقه، ليس للاطمئنان عليه بعدما امتلأ جسده بالكدمات وراح الدم ينزف من وجهه، بل لسؤاله سؤالًا وحيدًا ظل يحيّره طوال الوقت: لماذا لم تستخدم مسدسك يا صديقي العزيز، فكنت تحاشيت ما آلت اليه أمورك؟ عض “ابو صطيف” شفته متعجبًا من سؤال صديقه، وزمجر بما تبقى له من قوة قائلًا: كلا يا صديقي. لا يمكنك استخدام المسدس كيفما كان، فأنا أحمله لأستخدمه عند الضرورة فقط.

هز “ابو العبد” رأسه غير مقتنع بجواب صديقه وابتسم ابتسامة ساخرة وقال: وهل من ضرورة أكثر مما أنت فيه يا صديقي العزيز؟

الغارات الإسرائيلية الأخيرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وما رافقها وأعقبها من تهديدات لـ”حزب الله”، أعادتنا بالذاكرة بمدلولاتها الى تلك الطرفة السوداء:

“ابو العبد” يشبه دولتنا “المحايدة” العاجزة عن التدخل مع “حزب الله” من جهة ومع اسرائيل طبعًا من جهة ثانية، وهي لذلك تكتفي بإطلاق المواقف والتصريحات المنددة بالاعتداءات، وتواجَه من المجتمع الدولي كلما طالبته بالتدخل بجواب وحيد: انزعوا سلاح الحزب.

الشبان الزعران الغرباء عن الحي يمثلون العدو الإسرائيلي المتفلت من كل عقال والذي يسمح لنفسه بالاعتداء على من يشاء ساعة يشاء، غير عابئ بالمواثيق والقوانين الدولية ولا بالمرجعيات التي ترعى تطبيق هذه القوانين. هذا العدو الأرعن، المدعوم أميركيًا حتى النخاع، ينفذ اعتداءاته كلها تحت ذريعة واحدة استمدت شرعيتها من عملية “طوفان الأقصى” وهي حماية أرضه وشعبه من الاعتداءات الإرهابية.

أما “أبو صطيف” الذي يشكل الحلقة الأضعف في هذه القصة فيمثله “حزب الله” الذي خرج مسحوقًا من “حرب الإسناد” بعدما وقع وثيقة استسلام كامل مع اسرائيل، فيما ما زال يكابر ويرفع سقف مواقفه داخليًا، متكئًا على بقايا سلاح تركته له اسرائيل ويرفض تسليمه الى الدولة اللبنانية.

إلا ان اللافت في الأمر هو مفهومه غير المفهوم لجدوى هذا السلاح. فالجيش الإسرائيلي يحتل شريطًا من الأراضي اللبنانية في الجنوب، ويواصل انتهاكاته البرية البحرية والجوية للبنان بشكل يومي بالتزامن مع مواصلته ملاحقة مسؤولي الحزب وعناصره وقتلهم على مدار الساعة من دون ان يقوم الحزب بأي رد فعل، اللهم الا اطلاق التصريحات التي تندد بالعدوان الاسرائيلي وتطالب الدولة اللبنانية بردعه، من دون أن ينسى التأكيد على التمسك بسلاحه لضرورات المقاومة.

عن أية مقاومة ما زال “حزب الله” يتحدث، إلا مقاومته المستمرة لقيام دولة فعلية في لبنان؟

في المحصلة، اذا اراد حزب الله ان يكون صادقًا مع نفسه وبيئته وشركائه في الوطن فما عليه الا ان يقوم بأحد أمرين: تسليم سلاحه للدولة اللبنانية وبالتالي تحميلها مسؤولية تحرير الأراضي المحتلة ووقف الاعتداءات الاسرائيلية، أو المبادرة فورًا الى الرد على الاعتداءات الاسرائيلية بما يملك من امكانات، ضاربا عرض الحائط باتفاق وقف الأعمال الحربية الذي لم تحترمه اسرائيل، فيتساوى الطرفان عندها بعدم اخترامه وتعود الأمور الى المربع الأول، مع ما يحمله هذا الخيار من محاذير كارثية على الحزب والبلاد.

أما اذا لم يختر الحزب أحد الطريقين، وواصل عرقلة العهد والحكومة بمواقفه المانعة لوصول المساعدات الخاصة بإعادة الإعمار، يكون بذلك قد استبدل “ثلاثيته الذهبية” جيش وشعب ومقاومة بثلاثية سلبية جديدة أشد فتكًا من الأولى، حتى بات ينطبق عليه أحد الأمثلة الشعبية السفيهة ولكن المعبّرة جدًا: فالحزب لا يريد أن يحارب، ولا يريد أن يسالم، ولا يريد أن يزيح من درب دولة ارتضت لنفسها أن تدفع ثمن أخطاء، لا بل خطايا، ارتكبها الحزب عن سابق تصوّر وتصميم.