السلاح والانتخابات يقذفان بقانون “الفجوة المالية” نحو التأجيل:”خصخصة” النقاش بالأزمة… هل يحلّها الاستشاريون؟

السلاح والانتخابات يقذفان بقانون “الفجوة المالية” نحو التأجيل:”خصخصة” النقاش بالأزمة… هل يحلّها الاستشاريون؟

الكاتب: عماد الشدياق | المصدر: نداء الوطن
11 حزيران 2025

لا يبدو أنّ أركان السلطة السياسية والنقدية في البلاد قادرون على اجتراح حلّ للأزمة. وجهات النظر ما زالت متباينة على الرغم من مضيّ 5 سنوات تخللتها عشرات الزيارات لوفد صندوق النقد الدولي إلى لبنان.

مع كل يوم يمرّ يقترب موعد الانتخابات النيابية، وهذا الاستحقاق، في نظر أغلب المراقبين، “عامل معطل” للحلول لأنّ السلطة (البرلمان وحتى الحكومة) سوف تكون ميالة إلى دفع كل الملفات المؤثرة على الناخبين إلى ما بعد الاستحقاق.

ناهيك عن تقدم الملف العسكري – الأمني على نظيره الاقتصادي، بمعدل مرة شهرياً، من خلال استهداف إسرائيلي هنا أو تحذير هناك، يعيد خلط الأوراق فيخطف ملف سلاح “حزب الله” الأضواء الإعلامية في الداخل والخارج… ويعود النقاش في البلاد إلى مربعه الأول: “السلاح أولاً”.

لهذه الأسباب، يبدو أنّ ثمّة توجّهاً بدأ يسلك طريقه في عقول دوائر القرار، يدعو إلى حتمية “خصخصة” النقاش بالأزمة، وذلك من خلال تكليف شركات استشارية تقوم بدراسة ملف الأزمة من وجهة نظر الجهة المُكلِّفة، للدفاع عن حقوقها ومصالحها… وصولاً ربما نحو تحديد المسؤوليات، والاتفاق على نسبة توزيع الخسائر.

سعيد المشجّع

معلومات “نداء الوطن” تفيد، بأنّ الاجتماع الذي جمع حاكم مصرف لبنان الجديد كريم سعيد بوفد من جمعية المصارف، قبل نحو أسبوعين، كان صريحاً جداً. وضع خلاله سعيد “النقاط على الحروف”، إن كان لناحية الاعتراف بديون المصارف لدى “المركزي” أو لناحية الاعتراف بأنّ المرحلة السابقة (مرحلة رياض سلامة) كان يشوبها الكثير من التجاوزات، التي أكد سعيد للحاضرين أنّه لن يسمح بتكرارها.

وبحسب ما رشح عن ذاك الاجتماع، فإنّ سعيد الذي يفضل حتى اللحظة سياسة “الصمت الإعلامي” ويرفض التصريح أو نقل أيّ خبر أو معلومة عن لسانه، نَصَحَ المصارف بتعيين شركة استشارات من أجل التفاوض مع الدولة اللبنانية، وكذلك مصرف لبنان، الذي سيقوم بدوره بتعيين جهة استشارية مماثلة (لم يُكشف عنها حتى الآن).

وبما أنّ الدولة اللبنانية قد أعلنت عن احتمال عودتها إلى تكليف شركة “لازار”. فهذا يعني أنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان سوف تكون على مائدة الاستشاريين الدوليين في الأشهر المقبلة.

استشاري أميركي

وبالفعل، قامت جمعية المصارف بتكليف شركة “Ankura Consulting Group” الأميركية، التي تقدمت باقتراح شامل، رسم إطاراً تفاوضياً للمصارف في وجه: الحكومة، صندوق النقد الدولي، وحاملي سندات “اليوروبوندز” الدوليين.

على موقعها، تعرّف الشركة عن نفسها بأنّها شركة عالمية متخصصة في الاستشارات التجارية. تأسست في العام 2014 على يد روجر كارليل، المدير التنفيذي السابق في شركة FTI Consulting، وشهدت نمواً ملحوظاً منذ إنشائها، حيث توسعت لتضم أكثر من 2000 متخصص حول العالم.

أمّا الخدمات التي تقدمها الشركة فهي: الإفلاس وإعادة هيكلة الشركات ومساعدتها على تجاوز الصعوبات المالية وعمليات إعادة الهيكلة، التقاضي، والمحاسبة الجنائية، تقييم المخاطر الجيوسياسية وتأثيرها على الأعمال.

رسم الأولويات

رؤية الشركة تركزت على ضرورة “إعادة تعريف أولويات القطاع المصرفي”، من خلال النقاط التالية:

1. حماية الودائع الأجنبية لدى مصرف لبنان.

2. استعادة ما يمكن من قيمة سندات “اليوروبوندز”.

3. ضمان موقع تفاوضي متقدم يسمح للمصارف بأن تكون جزءاً فاعلاً في رسم ملامح الحل، لا ضحية صامتة له.

وعن خطر شطب الودائع، تُشدّد الشركة على أنّ المقاربة يجب أن تُبنى على أساس “أولوية حماية حقوق المودعين”، ولو عبر حلول طويلة الأمد ومشروطة بأداء الاقتصاد. ولهذا لا تخفي “أنكورا” أن الدين العام اللبناني المتراكم، والذي قُدّر بما يقارب 102 مليار دولار أواخر 2022، قد انخفض اسمياً بسبب تدهور سعر صرف الليرة، إلاّ أنّه لا يزال يشكّل عبئاً هائلًا.

الشركة التي تؤكد أوساط مصرفية بأنّها مستقلّة بالفعل، أظهرت مخاوفها من خلال “دراسة تمهيدية” نفذتها وعرضتها على المصارف، كشفت من خلالها أنّ العلاقة النقدية المتشابكة بين المصارف والدولة اللبنانية، تتطلب من الأخيرة أن تبادر إلى رسم “حلّ شامل” يستوعب ضمناً المصارف ومصرف لبنان معاً. لأنّ “الحلول المجتزأة”، كما تراها “أنكورا”، لن تحمي النظام المالي والنقدي من مزيد من التآكل، إذ ربما تؤدي تلك الحلول العرجاء إلى اضطرابات اجتماعية تفوق ما شهده لبنان في الأعوام الماضية.

الثقة أولاً

لذلك، تدعو “أنكورا” إلى توحيد موقف المصارف، وتعيين مستشارين قانونيين وماليين كي تتمكن من الدخول في المفاوضات بشكل متكافئ مع حاملي السندات الدوليين، الذين باشروا فعلاً بتعيين مستشاريهم والاستعداد للضغط في سبيل تحصيل أكبر نسبة ممكنة من أموالهم.

وعليه، تضع الشركة هدفاً استراتيجياً وتدعو المصارف إلى التمسّك به، وهو: استعادة ثقة المودعين أولاً، الأسواق ثانياً، ثم الدائنين ثالثاً.

اللافت أنّ الشركة، التي راكمت خبرات من خلال أزمات مرت بها دول نامية عدّة مثل اليونان، قبرص، إندونيسيا، الأرجنتين، تشير صراحة إلى أنّ النموذج التقليدي لصندوق النقد لن يصلح للحالة اللبنانية من دون اعتماد مقاربة “أكثر مرونة”، نتيجة الظروف القاسية التي يفرضها الصندوق بالعادة خصوصاً في حالة إعادة هيكلة المصارف التي يميل خلالها الصندوق إلى شطب رؤوس الأموال كلياً قبل أيّ دعم عام.

ولهذا تدعو الشركة في مقاربتها إلى الأخذ في الاعتبار “الأهمية الجيوسياسية” لموقع لبنان، لا سيّما في ظل محاولات الدول الإقليمية والغربية، دعم استقراره.

كما لا تكتفي خطّة “أنكورا” بالشق المالي، بل تشمل أيضاً مقاربة “استراتيجية اتصالية”، تقترح فيها إطلاق حملة علاقات عامة دولية وإقليمية لبلورة وجهة نظر المصارف، والدفاع عنها أمام الرأي العام، خصوصاً إذا ما أقدمت جهات خارجية (وربما داخلية) على تحميل المصارف المحلية مسؤولية الأزمة وحدها.