
استعدّوا لنعيم قاسم الإيراني
يبدو المشهد الحالي في إيران في خضم هذه الحرب المفتوحة بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية كأنّنا نشاهد الحرب نفسها التي دارت في لبنان ولا تزال. حتى أن عملية اغتيال القادة الايرانيين يوم الجمعة تشبه تماماً اغتيال القادة الكبار في “حزب الله” والذين سبقوا الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله إلى مغادرة هذه الدنيا. كأن هناك تماثلاً أو تكراراً لهذا المشهد الذي يتلاحق اليوم في إيران بعد حدوثه في لبنان.
يقارن البعض بين شخصية نصر الله وبين شخصية المرشد الإيراني علي خامنئي. ويعبّر كل من الرجلين عن عمق إيديولوجي، وتالياً يتمسكان بالأفكار حتى النهاية. هذا ما حصل مع نصرالله حتى اللحظات الأخيرة من حياته، بعدما وصلت الحرب بين “الحزب” وإسرائيل إلى مستويات تشير إلى أن الطريق العودة من هذه الحرب قد سدّت. لكن نصر الله لم يستطع الاستدارة فيتحوّل في سلوكه بما يلاقي هذه التغييرات. وهو أصلاً عندما ذهب إلى حرب الإسناد، ذهب إلى طريق مسدود والتي أثبتت الأيام أنّها فعلاً الطريق التي قادت “حزب الله” إلى الانهيار.
كان نصرالله يشبه خامنئي، وليس العكس. ذهبت بالأمس نسخة صورة خامنئي في لبنان، وبقيت اليوم الصورة الأصلية في طهران. ويظهر من سلوك المرشد الإيراني أنه رجل ثابت في معتقده وثابت على طريقه منذ أن خلف الإمام الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية. وفي كل المراحل التي تلت غياب الخميني، كان خامنئي يدير السلطة في إيران على قاعدة إيديولوجية. فلا يستطيع الانفتاح ليس على الحاضر فحسب وإنّما أيضاً على المستقبل. أتت هذه الأحداث الأخيرة، وخصوصاً بعد كل ما جرى لكل مشروع إيران، سواءً في الداخل أو الخارج، لتظهر ان ما يحاول خامنئي القيام به هو فقط تحسين ظروف استمرار نظام الملالي، وليس من أجل إعادة النظر فيه. وهذا ما حصل معه خلال ملاقاته هذه التغييرات التي أتت تقريباً على المشروع الإيراني الخارجي والذي توّج بانهيار النظام الحليف في سوريا. واليوم حان وقت الحساب مع المشروع نفسه داخل بلاد فارس.
يمثل تقرير فرناز فسيحي في الـ “نيويورك تايمز” حول اليوم الأول من الحرب التي شنتها إسرائيل على ايران، وثيقة ستبقى مستنداً لتتبع تطورات هذه الحرب. وجاء في التقرير: “في رسائل نصية خاصة تمت مشاركتها مع صحيفة نيويورك تايمز، كان بعض المسؤولين يسألون بعضهم البعض بغضب: “أين دفاعنا الجوي؟” و “كيف يمكن لإسرائيل أن تأتي وتهاجم أي شيء تريده، وتقتل كبار قادتنا، ونحن غير قادرين على إيقافه؟”. كما شككوا في الإخفاقات الاستخباراتية والدفاعية الكبيرة التي أدت إلى عدم قدرة إيران على رؤية الهجمات القادمة والأضرار الناجمة عنها”.
يضيف التقرير : “وقال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الذي تم نقله إلى مكان آمن لم يكشف عنه حيث ظل على اتصال مع كبار المسؤولين العسكريين المتبقين في خطاب متلفز إن إسرائيل أعلنت بهجماتها الحرب على إيران. وبينما كان يتحدث متعهداً بالانتقام والعقاب، شنت إيران عدة موجات من الهجمات الصاروخية على تل أبيب والقدس”.
وتابع التقرير: “في وقت سابق من صباح الجمعة، عقد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وهو مجلس مكوّن من 23 شخصاً مسؤولاً عن قرارات الأمن القومي، اجتماعاً طارئاً لمناقشة كيفية استجابة البلاد. في الاجتماع، قال السيد خامنئي إنّه يريد الانتقام لكنّه لا يريد التصرّف على عجل، وفقاً لمسؤولين مطّلعين على المناقشات.
وقال أحد أعضاء الحرس الثوري الذي تمّ إطلاعه على الاجتماع إن المسؤولين فهموا أن السيد خامنئي واجه لحظة محورية في ما يقرب من 40 عاماً في السلطة: كان عليه أن يقرر بين التحرك والمخاطرة بحرب شاملة يمكن أن تنهي حكمه، أو الانسحاب، وهو ما سيتمّ تفسيره محلياً ودولياً على أنه هزيمة”.
وخلص تقرير الصحيفة الأميركية الى إيراد ما قاله علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “لا يواجه خامنئي خيارات جيدة. إذا صعّد، فإنه يخاطر بدعوة هجوم إسرائيلي أكثر تدميراً يمكن أن تنضم إليه الولايات المتحدة. إذا لم يفعل ذلك، فإنه يخاطر بتفريغ نظامه أو فقدان السلطة “.
وفي سياق متصل، تشير معلومات في لبنان وهي تنطلق من مصادر مواكبة عن كثب للأحداث في إيران الى أن النظام الذي أسّس الخميني لم يحن وقت سقوطه بالكامل. لكن، وتبعاً للمقارنة بين ما يحصل في إيران اليوم بعدما حصل ولا يزال في لبنان يلوح احتمال أن خامنئي لا يستطيع أن يبقى على رأس نظام يشبه سفينة التيتانيك التي غرقت في المحيط. وقبل أن تغرق هذه السفينة، وهذا ما حصل في لبنان، غرق القبطان نفسه أي نصرالله.
نحن نتحدث اليوم عن تبديل القيادة في إيران وليس عن تبديل النظام. وهنا ينفتح الأفق على هذا السؤال: هل ستكون إيران على موعد مع مرشد جديد لنسمّيه نعيم قاسم الإيراني على غرار نعيم قاسم اللبناني؟ في نهاية المطاف يقول “حزب الله” أنّه بقى حتى بعد رحيل نصرالله وبإمكان أيضاً النظام الإيراني أن يقول إنه سيبقى حتى لو غاب خامنئي؟