خاص- “النار تتكلم بالفارسية والعبرية”: هل بدأ الشرق الأوسط يتغيّر من جذوره؟

خاص- “النار تتكلم بالفارسية والعبرية”: هل بدأ الشرق الأوسط يتغيّر من جذوره؟

الكاتب: أسعد نمّور | المصدر: Beirut24
16 حزيران 2025

الشرق الأوسط يشتعل من جديد، لكن هذه المرة النار تتكلم بلغتين: الفارسية والعبرية. للمرة الأولى منذ عقود، خرج الصراع الإيراني – الإسرائيلي من الخفاء إلى الضوء، من الحرب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة. فجر ١٣ حزيران ٢٠٢٥، بدأت إسرائيل عملية عسكرية جوية تحت اسم “الأسد الصاعد”، استهدفت منشآت نووية وعسكرية داخل إيران. الرد جاء خلال ساعات: صواريخ باليستية ومسيرات إيرانية دكّت العمق الإسرائيلي من الشمال إلى الجنوب.

ما نشهده ليس مجرد اشتباك عابر، بل محطة مفصلية تُعيد خلط أوراق الشرق الأوسط، وتطرح السؤال الكبير: هل بدأنا نعيش إرهاصات حرب إقليمية شاملة؟

من الظل إلى المواجهة… كيف اندلعت الشرارة؟

بدأ كل شيء عند الساعة الثانية فجر ١٣ حزيران، حين شنّت إسرائيل موجة من الغارات الجوية المركّزة استهدفت منشآت نووية في نطنز وفوردو، إضافة إلى مواقع للحرس الثوري ومخازن للصواريخ والمسيرات غرب طهران وفي أصفهان. الغارات أسفرت عن مقتل أكثر من ٢٥٠ شخصًا، بينهم اعدادٌ لا يستهان بها من القادة البارزين في فيلق القدس، وتدمير واسع في البنية التحتية الدفاعية الإيرانية.

لكن المفاجأة جاءت من سرعة الرد الإيراني. ففي أقل من ٢٤ ساعة، أطلقت طهران أكثر من ١٥٠ صاروخًا باليستيًا، و١٠٠ طائرة مسيرة هجومية، استهدفت قواعد عسكرية ومنشآت مدنية في تل أبيب، حيفا، بئر السبع، النقب، ومحيط القدس. وللمرة الأولى، تعترف إسرائيل بسقوط ٢٤ قتيلاً وما يقارب ٥٠٠ جريح، إضافة إلى أضرار مادية كبيرة.

ما الذي يريده الطرفان؟

إسرائيل ترى أن هذه المواجهة جاءت بعد سنوات من التردد الدولي في التعامل مع “الخطر النووي الإيراني”. الحكومة في تل أبيب تعتبر أن طهران باتت على عتبة السلاح النووي، وأنه لا مجال بعد الآن للدبلوماسية. الضربة العسكرية، وفق رؤيتها، تستهدف إعادة بناء “قواعد اللعبة” وكبح النفوذ الإيراني الممتد من بيروت إلى صنعاء.

أما إيران، فتعتبر أن ما جرى هو “عدوان مبيّت” خططت له إسرائيل منذ أشهر، بدعم أو تواطؤ دولي. وتُقدّم الرواية الإيرانية ما حدث بوصفه هجومًا على السيادة الوطنية وعلى مشروعها الدفاعي والعلمي، لا مجرد رد على تهديد. في هذا السياق، تعتبر القيادة الإيرانية الردّ الصاروخي ضروريًا لإثبات أن طهران لن تكون هدفًا سهلًا، وأن تكلفة ضربها لن تكون بلا ثمن.

ميزان القوى… ذكاء عسكري أم صلابة استراتيجية؟

من حيث التكنولوجيا، تميل الكفّة بوضوح لصالح إسرائيل: سلاحها الجوي مزوّد بطائرات F‑35 وF‑15 المتطورة، وتملك شبكة دفاع صاروخي متكاملة تشمل القبة الحديدية، حيتس، مقلاع داوود، ومنظومة “ثاد” الأميركية. كما تسيطر على الفضاء الإلكتروني في المنطقة ولديها تفوّق استخباراتي غير مسبوق.

لكن إيران لا تلعب اللعبة ذاتها. استراتيجيتها تعتمد على الردع غير المتكافئ: صواريخ بعيدة المدى، مسيّرات هجومية منخفضة الكلفة، وأهم من ذلك، شبكة واسعة من الحلفاء الإقليميين القادرين على إشعال أكثر من جبهة في وقت واحد، من لبنان (حزب الله) إلى العراق (الحشد الشعبي) واليمن (الحوثيين).

بهذا المعنى، تتقابل قوتان: واحدة متقدمة تقنيًا، وأخرى مرنة، تتحرك على مسرح واسع وتعتمد على الإنهاك والتشتيت.

هل تتوسّع الحرب؟ وما السيناريوهات الممكنة؟

المشهد الحالي مفتوح على ثلاثة مسارات رئيسية:

١- المواجهة المحدودة

وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا في الوقت الراهن. يبقى التصعيد تحت سقف معيّن، بضربات متبادلة مدروسة، يتخللها تدخل غير مباشر من قنوات دبلوماسية لاحتواء التصعيد دون إعلان وقف نار رسمي. هذا السيناريو يحافظ على ماء وجه الطرفين ويمنع تفجّر المنطقة.

٢- الانزلاق إلى حرب إقليمية

إذا قررت إيران إشراك حلفائها، خصوصًا حزب الله، فإن الجبهة اللبنانية ستشتعل. الرد الإسرائيلي سيكون عنيفًا، ما يفتح المجال أمام اتساع الحرب لتشمل سوريا، العراق، اليمن وربما الخليج. في هذه الحالة، الولايات المتحدة قد تتدخل مباشرة، خاصة إذا استُهدفت قواعدها أو مصالحها في الخليج.

3. تسوية كبرى

وهو السيناريو الأبعد، لكنه مطروح على المدى الطويل. إذا وصلت التكلفة إلى مستويات لا يمكن احتمالها، قد تُفرض تسوية برعاية دولية، تشمل الملف النووي الإيراني، وضمانات أمنية لإسرائيل، وربما إعادة ترتيب للتوازنات في الإقليم. لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية لا تبدو متوفرة حاليًا.

الأثر الاقتصادي العالمي… مضيق هرمز في دائرة الخطر

الأسواق العالمية تفاعلت بسرعة مع الضربة الإسرائيلية والرد الإيراني. قفز سعر برميل النفط إلى ١٠٢ دولار، وسط مخاوف من إغلاق مضيق هرمز أو استهداف ناقلات النفط. أكثر من ٣٠% من تجارة النفط العالمية تمرّ عبر هذا المضيق، ما يجعل أي تصعيد فيه كارثيًا على الأسواق.

كما ارتفعت أسعار الذهب والغاز، وسجّلت البورصات تراجعًا ملحوظًا في آسيا وأوروبا. وفي حال استمرار التصعيد، يُتوقع أن تتأثر سلاسل الإمداد العالمية، وأن ترتفع تكاليف الطاقة والغذاء، خصوصًا في الأسواق الناشئة.

من يكتب تاريخ المنطقة؟

هذا ليس مجرد نزاع تقليدي. ما يجري هو صراع على من يُعيد ترتيب الخريطة الإقليمية، ومن يفرض قواعد الردع الجديدة. إيران تسعى لتثبيت حضورها كقوة إقليمية تُحسب حسابها، وإسرائيل تريد ألا يُهدَّد تفوقها أو أمنها الاستراتيجي.

في هذه اللعبة، ليس بالضرورة أن يربح من يضرب أكثر، بل من ينجو آخرًا بأقل الخسائر.

ختامًا… ليس من يربح الحرب بل من ينجو منها

الشرق الأوسط على شفير هاوية جديدة، وربما في لحظة تحوّل جذري. النار التي اشتعلت لن تُطفأ بسرعة، حتى لو هدأت الأسطح. والسؤال الأهم لم يعد: “من سيربح هذه الحرب؟”، بل من سيبقى ليحكي روايتها؟