
استهداف منشآت ناتانز وفوردو وأصفهان… لم يُغيّر المعادلة الإستراتيجية الضربات لم تمس «جوهر النووي» الإيراني
– طهران تمتلك القدرة على صنع نحو 9 رؤوس نووية
في 14 يونيو، أعلنت إسرائيل أنها نفذت ضربة دقيقة استهدفت منشأة تحويل اليورانيوم (UCF) في مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية.
تقع هذه المنشأة في وسط إيران، وقد شكلت لفترة طويلة جزءاً بارزاً من التخطيط العسكري الإسرائيلي ومصدر قلق دائم للغرب في شأن المسار النووي للجمهورية الإسلامية.
وبينما كانت الضربة مثيرة من الناحية السياسية والرمزية، إلا أن تأثيرها الإستراتيجي على قدرات إيران النووية يبدو محدوداً. ففي الواقع، ربما أصابت إسرائيل المنشأة، لكنها لم تمس جوهر البرنامج النووي الإيراني.
وشملت الحملة الإسرائيلية مجمع ناتانز النووي، حيث تم تدمير البنى التحتية السطحية، بينما بقيت سالمة قاعات التخصيب العميقة، حيث تعمل أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً في إيران.
وقد أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، أنه لم تُسجّل أي تغيّرات في مستويات الإشعاع، ما يشير إلى أن الأجزاء الحساسة تحت الأرض لم تتضرر.
وفي الوقت نفسه، قصفت إسرائيل منشأة فوردو للتخصيب، وهي منشأة محصنة تقع على عمق يزيد على 100 متر تحت جبل بالقرب من مدينة قم. ومع ذلك، لم يُسجّل أي ضرر كبير في قدراتها التشغيلية، ومازال برنامج تخصيب اليورانيوم مستمراً من دون انقطاع.
الضربة على أصفهان كانت رمزية أكثر منها إستراتيجية، لأن إيران تعتمد على ذاتها بالكامل في إنتاج اليورانيوم، لا على مصادر خارجية، بل تدير مناجم ومرافق معالجة محلية عدة، بما في ذلك منجما ساغند وغاشين ومصنع إنتاج «الكعكة الصفراء» في أردكان.
وتوفّر هذه المواقع إمداداً مستقراً من «الكعكة الصفراء»، وهي مادة مستقرة وغير مشعة يمكن تخزينها ونقلها بسهولة. وحتى مع توقف منشأة التحويل في أصفهان، تظل طهران قادرة على مواصلة برنامجها من خلال إعادة بناء المنشأة أو تحويل الخام إلى مرافق بديلة، أو تسريع عمليات الإصلاح، وذلك خلال أسابيع قليلة فقط.
تُستخدم منشأة أصفهان لتحويل الكعكة الصفراء (وهي خام اليورانيوم المركز) إلى غاز سادس فلوريد اليورانيوم (UF6)، وهو الشكل الكيماوي المطلوب لتغذية أجهزة الطرد المركزي. ورغم أن هذه الخطوة أساسية في دورة الوقود النووي، فإن أصفهان ليست المسار الوحيد لإيران. المنشأة نفسها عبارة عن مجمع صناعي مكشوف وغير محصن في شكل كبير، وقد كانت عرضة للضربات منذ أعوام.
لكن ما هو أهم مما ضُرب، هو ما لم تُصبه الغارات؟
الأهم من ذلك أن إيران قد تجاوزت بالفعل مرحلة التحويل لكميات هائلة من المواد. وبحسب تقرير سري من الوكالة الذرية تم تداوله في أواخر مايو، فإن إيران تملك الآن 408.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة من نظير اليورانيوم 235.
وقد زاد هذا الرقم في شكل كبير في الأشهر الأخيرة، ويتجاوز الآن الكمية اللازمة لصنع نحو تسعة رؤوس نووية، في حال تم تخصيبها لاحقاً إلى 90 في المئة بمستوى سلاح.
هذا الرقم ليس تقديرياً… فبحسب معايير الوكالة، فإن 20 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة بصيغة UF6 كافية لصنع قنبلة نووية واحدة. ومع احتساب خسارة 20 في المئة أثناء عملية التصنيع، يمثل مخزون إيران الحالي عند 60 في المئة احتياطياً استراتيجياً خطيراً.
إضافة إلى ذلك، تمتلك إيران 606.8 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب حتى 20 في المئة، و3655.4 كيلوغرام مخصباً حتى 5 في المئة. وبلغ إجمالي كمية اليورانيوم بصيغة UF6 الجاهزة لمزيد من التخصيب، بحسب الوكالة الدولية، 7464.0 كيلوغراماً حتى 8 فبراير 2025. ولا توجد أي من هذه المواد في أصفهان، بل هي نتاج عمليات تخصيب وتحويل سابقة، مخزنة وتُدار في منشآت أخرى، خصوصاً في ناتانز وفوردو.
هاتان المنشأتان (المحصنتان تحت الأرض) لاتزالان القلب النابض لقدرات إيران التخصيبية. أجهزة الطرد المركزي في هذه المواقع تواصل رفع مستويات التخصيب.
ووفق التقرير نفسه، أضافت إيران 92.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة بين فبراير ومايو 2025، ما يعني أن أجهزة الطرد لا تزال نشطة، وربما تسرّع إنتاجها. وعلى خلاف أصفهان، لا يمكن تدمير ناتانز وفوردو بسهولة من دون التسبب بتصعيد عسكري كبير أو رد إقليمي مباشر.
من الناحية القانونية، فإن وضع أصفهان معقد. فهي ليست مفاعلاً نووياً، وبالتالي لا يحميها البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، ولا المادة 56 التي تحظر استهداف منشآت توليد الكهرباء النووية إن كانت قد تُعرض المدنيين للخطر. لكن تظل قوانين الحرب الدولية سارية، بما في ذلك مبادئ التمييز والتناسب والضرورة العسكرية، في أي هجوم على منشآت مدنية ذات استخدام مزدوج.
إستراتيجياً، يبدو أن اختيار إسرائيل لضرب أصفهان بدلاً من ناتانز أو فوردو يعكس حرصها على إرسال رسالة من دون إشعال حرب شاملة. فقد حذرت طهران مراراً من أن أي هجوم على منشآتها النووية سيقابل برد عنيف.
وحتى في هذه الحالة فإن التأخير لن يتعدى بضعة أسابيع. لذلك، فإن هذا التأخير يبقى محدوداً مقارنة بحجم اليورانيوم المخصب الموجود فعلياً، وقدرة البنية التحتية النووية على التعافي، واستمرار تشغيل منشآت التخصيب.
نووياً، تمثل أصفهان نقطة انطلاق. لكن الأهم هو أن إيران قد قطعت بالفعل شوطاً طويلاً نحو بلوغ القدرة النووية. فمع مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، وآلاف الكيلوغرامات الأخرى بمستويات أدنى، وسلسلة متينة من أجهزة الطرد المركزي، تحتفظ طهران بكل العناصر الأساسية اللازمة لتطوير سلاح نووي إذا قررت سياسياً المضي في ذلك، وتالياً فإن تدمير منشأة تحويل واحدة لا يمكنه تغيير هذه الحقيقة.
لقد أعادت الضربات الإسرائيلية على ناتانز، فوردو وأصفهان رسم الخريطة التكتيكية، لكنها لم تغيّر المعادلة الإستراتيجية. لم تُدمر المخزونات، ولا يمكنها محو المعرفة التقنية المتراكمة.
مازال الزخم النووي الإيراني قائماً. «قنابل الغد النووية» لم تكن في أصفهان – وإسرائيل لم تتمكن من وقف الخريطة والمعرفة النووية الإيرانية.