ثلاثة سيناريوهات للصراع الإيراني – الإسرائيلي تلوح في الأفق هل تنضم الولايات المتحدة إلى الحرب و… لماذا؟

ثلاثة سيناريوهات للصراع الإيراني – الإسرائيلي تلوح في الأفق هل تنضم الولايات المتحدة إلى الحرب و… لماذا؟

الكاتب: ايليا ج. مغناير | المصدر: الراي الكويتية
17 حزيران 2025
– تحذير إيراني غير مباشر… «لم نستخدم كل إمكاناتنا لخلخلة النظام العالمي»
– طهران «تحفظ» ترسانتها الأكثر تطوراً لحالة توسّع الحرب
– أي تدخل أميركي مباشر قد يشعل صراعاً إقليمياً أوسع يصعب الانسحاب منه

اندلعت الحرب المدمرة بين إسرائيل وإيران، بعدما شنّت تل أبيب غارة جوية مفاجئة يوم الجمعة على بنى تحتية عسكرية إيرانية، مدعيةً أن الهدف منها هو الدفاع الوقائي ضد الطموحات النووية. وردّت طهران بضربة صاروخية عنيفة، مما فتح الباب أمام مواجهة مباشرة بين خصمين تاريخيين في صراع يهدّد بمعاودة تشكيل الشرق الأوسط.

وبدا ان إيران استطاعت تغيير أسلوبها في إدارة الحرب، واستعادت السيطرة الميدانية ونظّمت نفسها لخوض حرب شاملة وأطول مما تبدو. ومع ذلك، فهي مستعدة لإيقاف العمليات فوراً، إذا كانت إسرائيل، مستعدة لفعل مماثل.

لكن هذا الاحتمال مازال مبكراً جداً. إذ إن مثل هذا التراجع قد يُحرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي فشل في تحقيق أهدافه من الحرب في ضربته المفاجئة، وهو الآن ينتظر تدخل الولايات المتحدة في معركة كسر الإرادات… والسؤال المطروح: هل سيتدخل الرئيس دونالد ترامب؟ وهل سيُبقي الحرب تحت السيطرة قبل أن تتصاعد أكثر، أم سيتركها تتفاقم؟ وما هي أهدافه المحتملة؟

تعتقد مصادر إيرانية ـ أن مشاركة الولايات المتحدة في شكل مباشر في الحرب مسألة وقت فقط. فبحسب هذه المصادر، لا يمكن لإسرائيل إنهاء الحرب من دون تحقيق نتائج ملموسة – مثل تدمير البرنامج النووي، وتدمير برنامج الصواريخ، وتغيير النظام في طهران.

لكن مع استعادة إيران لقيادتها وتحكمها واستعدادها للرد العنيف، تحوّلت الأهداف إلى «تأخير البرنامج النووي»، الذي تعتقد إسرائيل أنه قابل للتحقيق. ويتبادل الطرفان الضربات المؤلمة، لكن إيران، التي تبلغ مساحتها 75 ضعف مساحة إسرائيل، قادرة على امتصاص الأضرار بطريقة لا تستطيعها الأخيرة.

وحتى لو لم تصب كل الصواريخ الإيرانية أهدافها بدقة، فإن وصول بضعة منها فقط إلى أهدافها له وقعه النفسي والإستراتيجي الكبير، خصوصاً عندما تكون حيفا وتل أبيب، أهدافاً متكررة.

تُظهر إيران سيطرة تامة على إدارة الصراع من جانبها. فقد بدأت إسرائيل الحرب بأسلوبها المعتاد في ضرب مراكز القيادة والسيطرة والاتصالات والقدرات العسكريةـ وهو ما حدث مع «حزب الله» الذي استغرقت معاودة تنظيم نفسه نحو أسبوعين، بينما احتاجت إيران إلى 12 ساعة فقط لتعيد تموضع نحو مليون مقاتل من الحرس الثوري والباسيج والجيش النظامي والقوات الاحتياطية، إضافة إلى ترميم غرفة العمليات وتعيين قادة لتبدأ بالرد.

وتستخدم إيران مزيجاً من الصواريخ التقليدية والفرط صوتية – القديمة منها والحديثة – من دون اللجوء إلى أكثر ترسانتها تطوراً، والتي تقول المصادر إنها محفوظة لحالة توسع الحرب. وترسل موجات من الصواريخ في أوقات مختلفة من النهار والليل.

هذا القصف المنهجي يُنهك الدفاعات الجوية ويُجبر الإسرائيليين على اللجوء مراراً إلى الملاجئ، ليخرجوا منها ويجدوا منازلهم مدمرة، بلا أفق لانتهاء الحرب.

وأما القيادة العسكرية الإيرانية فهي تزيد من كمية ونوعية الصواريخ المُطلَقة، مقتنعة بأن أي علامة على التراجع أو خفض الوتيرة ستشجع نتنياهو على مهاجمة الاقتصاد والطاقة في إيران في محاولة لشلها وفرض شروطه. ولهذا ترى المصادر الإيرانية أن «الحرب قد تطول لأيام أو لأشهر، ويجب الاستعداد لها على جبهات عدة، لفرض ثمن باهظ على الأعداء».

من وجهة نظر طهران، فإن تدخل الولايات المتحدة بات وشيكاً. فلا يمكن لسلاح الجو الإسرائيلي وحده تدمير وتأخير البرنامج النووي، خصوصاً منشأة «فوردو» المحصنة تحت الأرض. ولا تملك إسرائيل أي فرصة لتحقيق أهدافها المُعلَنة أو غير المُعلَنة. وحتى لو خفّض نتنياهو من سقف طموحاته، سيظل بحاجة إلى دعم أميركي لتحسين شروط التفاوض. نظرياً، قد تساعد المشاركة الأميركية في ضرب الاقتصاد الإيراني وتأخير – ليس إلغاء – البرنامج النووي، ولكن… بأي ثمن؟

«خلخلة النظام العالمي»

في هذا الوقت، دعت قوى دولية مثل روسيا والصين إلى التهدئة، ويساورها القلق من انعكاسات الحرب على أسواق الطاقة والاقتصاد العالمي. أما إيران، فأرسلت تحذيراً غير مباشر، «لم نستخدم كل إمكاناتنا لخلخلة النظام العالمي»، في إشارة إلى أن استمرار الحرب قد يُعطّل سلاسل إمداد الطاقة والتجارة البحرية العالمية.

في الداخل الأميركي، يواجه ترامب ضغوطاً في أكثر من اتجاه. فبينما يضغط المتشددون للتدخل دفاعاً عن إسرائيل ولتقييد نفوذ إيران الإقليمي، تعارض أوساط واسعة من الرأي العام خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط، في حين أن الكونغرس منقسم، وأي تدخل مباشر قد يشعل صراعاً إقليمياً أوسع يصعب الانسحاب منه.

إذا توقفت الحرب الآن أو في الأيام المقبلة، فلن يتمكن أحد من فرض شروط على إيران في مفاوضات السلام. فلن تُعتبر طهران الطرف الخاسر، وسترفض أي تنازل في شأن تخصيب اليورانيوم أو برنامجها الصاروخي. وحتى مع دخول أميركي مباشر، ستستمر في القتال.

ففرض الشروط يُعتبر تهديداً مباشراً لبقاء النظام. لقد وصلت جميع الأطراف إلى طريق مسدود، وما لم يختر دونالد ترامب مواصلة العقوبات ومراقبة البرنامج الإيراني سيكون الخيار الأخير محفوفاً بالمخاطر، إذ قد يدفع طهران نحو الخيار النووي العسكري كرد فعل على العدوان الإسرائيلي.

أما الرئيس الإيراني مسعود بزشكیان، وفي ظل السيطرة للقيادة العسكرية، فقد أعلن «لا يملك أحد الحق في حرماننا من حقنا في تخصيب اليورانيوم».

هذا الكلام يُظهر وحدة الصف بين الرئيس البراغماتي ومرشد الثورة السيد علي خامنئي، ويؤكد أن القيادة السياسية والجيش والحرس الثوري يقودون الحرب معاً دفاعاً عن البلاد.

وتسعى إيران إلى إنهاء الحرب بأسرع ما يمكن، لكن الولايات المتحدة وإسرائيل لا ترغبان في إنهائها الآن من دون مكاسب ملموسة تسمح لهما بفرض شروط على طهران، التي ستزداد صلابة ما لم تقبل واشنطن بحل وسط لا يبدو ضعفاً لاي طرف. وهو مأزق شبه مستحيل وضع فيه نتنياهو كلاً من طهران وواشنطن لتحقيق أهدافه.

لقد تذوقت إسرائيل الآن مرارة الصواريخ الإيرانية التي طالت مؤسساتها وبناها التحتية ومناطقها السكنية، في دمار لم تشهده منذ 1948.

ورغم أن المجتمع الإسرائيلي مازال يدعم حكومته، إلا أن الوقت كفيل بجعله يدرك أن إيران ليست غزة أو لبنان… إنها حرب مختلفة، بكلفة باهظة على الطرفين.

في المستقبل القريب تبدو الحرب أمام ثلاثة سيناريوهات: تصعيد إقليمي واسع بمشاركة أميركية؛ هدنة تفاوضية بلا منتصر واضح؛ أو حرب استنزاف طويلة تُعيد تشكيل موازين القوى… من دون فوز حقيقي لأي طرف.