
خاص- نتنياهو يصطاد الأعداء.. والحلفاء
التطورات العسكرية المتسارعة في لبنان والمنطقة باتت تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك بأن اسرائيل اتخذت قرار الحرب ضد “محور الممانعة” منذ نحو عقدين، أو ربما تحديدًا بعد حرب تموز 2006. وبالتزامن مع الاستعدادات العسكرية والاستخباراتية لهذه الحرب الشاملة التي اتخذ المستوى السياسي الاسرائيلي قرار خوضها وأبقى توقيتها سريًا، انطلقت نقاشات سياسية واعلامية واسعة في تل أبيب وعواصم أخرى حول نقطة جوهرية كان يمكن أن تغيّر مسار الحرب برمتها: هل تبدأ اسرائيل الحرب بضرب رأس المحور، أي إيران، فتسقط أذرعها تلقائيًا، أو تلجأ الى الخيار المعاكس، أي انها تقطع الأذرع الواحدة تلو الأخرى فتحيدها من المعركة لتركز في النهاية على ضرب الرأس تمهيدًا لإنهاء الحرب المرتقبة؟
مسار التطورات أثبت أيضًا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لجأ الى اعتماد الخيار الثاني، وكان محقًا في خياره لأن اسرائيل كانت ستتكبّد أثمانًا باهظة ربما لن تكون قادرة على تحمّلها بفعل كمية الصواريخ التي كانت ستتلقاها من كل اتجاه لو كانت قد بدأت الحرب على ايران فيما أذرعها في عز قوّتها.
إلا ان أكثر السياسيين والمحللين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين تفاؤلًا لم يكن ليصدق قبل السابع من تشرين الأول 2023 بأن ما حدث كان يمكن أن يحدث. انطلق هذا السيناريو “الخيالي” في حينه عندما أغرى الصياد المحترف نتنياهو الذئب الفلسطيني حركة “حماس” بطريدة دسمة في غزة، فكانت عملية “طوفان الأقصى” التي أوقعت الحركة في شباك اسرائيل وتسببت بإنهائها. وفي هذا السياق، أثبتت العمليات العسكرية وما رافقها من اغتيالات منذ ذلك التاريخ ان هذا التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي الذي تملكه اسرائيل، لا يمكن إلا ان يكون قادرًا على اكتشاف عملية “طوفان الأقصى” منذ لحظة الإعداد لها، وليس بعد ساعات على تنفيذها كما أظهرته الأحداث في حينه.
بعد الإيقاع بـ”حماس” مباشرة، أوقع الصياد نتنياهو “حزب الله” في الفخ نفسه عند اعلان أمينه العام الراحل السيد حسن نصرالله في الثامن من تشرين الدخول في الحرب إسنادًا لغزة، فما كان من الحزب الذي اراد دعم “حماس” إلا أن سقط معها ورافقها الى هزيمة غير مسبوقة في تاريخ صراعه مع اسرائيل.
في الفخ نفسه وقع الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي أصر على بقائه في محور الممانعة بالرغم من العروض والاغراءات التي قدمت له لإنقاذ نظامه والبقاء في الحكم اذا استغل الظرف وغيّر تحالفاته في الوقت المناسب. لم يلتقط الأسد الفرصة فدفع الثمن بعدما نسجت إسرائيل اتفاقات سياسية إقليمية ودولية أدت لإسقاطه.
“الحشد الشعبي” في العراق حيّد نفسه، أو ربما تم تحييده بتفاهمات سياسية، في الوقت المناسب، فغادر ساحة المعركة بأقل الأضرار.
إلا ان الأمر نفسه لم ينطبق على الحوثيين في اليمن الذين أصروا على “إزعاج” إسرائيل ببعض الصواريخ التي يطلقونها باتجاهها، فجرّهم الصياد نتنياهو الى الفخ باقترافهم خطأ تهديد التجارة العالمية في البحر الأحمر، وحصل بالتالي على تفويض دولي مرفق بالدعم المطلوب لضربهم، وهو ما حصل بالفعل حتى تم تحييدهم الى حد كبير.
وبعدما وصلت الأمور الى ما وصلت اليه، وبعدما نجحت اسرائيل بنسبة عالية جدا في تحييد أذرع ايران في المحور، قررت الانتقال الى الرأس وضربه في معقله، بحجة الدفاع عن النفس نظرًا للخطر الذي يشكله البرنامج النووي الايراني اضافة الى البرنامج الصاروخي على امنها القومي. ولتحقيق هذا الهدف كان على نتنياهو الانتقال من سياسة “اصطياد الأعداء” الى “اصطياد الحلفاء”، وهو ما حصل بالفعل. فقد أوقع الصياد نتنياهو حليفه الأول وصديقه الرئيس الاميركي دونالد ترامب في الفخ بعدما اتفق معه على إعطاء ايران مهلة ستين يومًا للتوصل مع واشنطن الى اتفاق بشأن برنامجها النووي، وهو ما لم يتم تحقيقه. وفي اليوم الحادي والستين كانت المقاتلات الاسرائيلية تقصف أهدافًا في ايران، فما كان من الإدارة الأميركية الا ان أذعنت للأمر، بحجة ان ما حصل كان نتيجة اتفاق مسبق بين واشنطن وتل أبيب.
الا ان اللافت ان الطرفين المتحاربين، اسرائيل وايران، ما زالا يصرّان على الكذب والمراوغة حتى في اختيار اسمي العمليتين العسكريتين: فتل أبيب أطلقت على العملية اسم “الأسد الصاعد”، علمًا ان الأسد لا يغدر بأصدقائه كما فعلت اسرائيل مع حلفائها في اميركا واوروبا، كما أنه حيوان أرضي لا يتسلق الأشجار ولا يصعد بالتالي الى اي مكان. كما أن طهران اختارت للعملية اسم “الوعد الصادق 3″، علمًا انها لم تكن صادقة بما يكفي مع حلفائها في الوعدين الأول والثاني.
إنها الحرب، وفي الحرب كل شيء مباح، بما في ذلك الكذب.