
هل “تُستنسخ” التجربة الهندية – الباكستانية بين إسرائيل وإيران!؟
لم تُظهر الحركة الدولية أي مؤشر لقبول طهران بطروحات ترامب، ولم يظهر انّ هناك قوة دولية أخرى يمكن أن تنال ثقة الأطراف المتحاربة لصوغ أي اتفاق. فيما تل أبيب تراهن على احياء “الحلف الدولي” لحمايتها
أمّا وقد بلغت الحرب ما بلغته من حدّة في ظل استخدام طهران وتل أبيب أقصى ما تمتلكه ترسانتهما العسكرية معطوفاً على ما يوفّره الذكاء الاصطناعي، فإنّ الأيام المقبلة تنبئ بمزيد من “الإنجازات” كل على ساحته الداخلية. وبمعزل عمّن يعتقد أنّ ما حصل كان عملاً مؤجّلاً لعقود دفعت ثمنه شعوب عدة من غزة إلى لبنان وسوريا وصولاً إلى اليمن، فقد تعددت السيناريوهات التي تحاكي الأيام المقبلة قبل ان تنضج أي مبادرة تفضي إلى تجميد العمليات العسكرية. وعليه، هل تتكرّر التجربة الهندية ـ الباكستانية؟
لم يكن في الحسبان أن تتطور العمليات العسكرية بهذه الطريقة الدراماتيكية في المواجهة المباشرة الأولى من نوعها بين تل ابيب وطهران، وخصوصاً في الشكل الذي اتخذته في الساعات الأولى لعملية “الأسد الصاعد” والردّ الإيراني بعملية “الوعد الصادق 3″، ذلك انّ كل المؤشرات كانت توحي بعملية محدودة كتلك التي سبقتها في تشرين الاول الماضي، وفقدان الردّ الإيراني المتوقع والذي طال انتظاره، بعدما عدّ الردّ الأول على ما سبقها في نيسان العام الماضي محدوداً جداً، من دون تجاهل ما شهدته الفترة الفاصلة بينهما من عمليات بقيت محصورة بالساحة اللبنانية، ولا سيما منها تلك التي انتهت إلى اغتيال الأمينين العامين لحزب الله السيد حسن نصرالله وخليفته السيد هاشم صفي الدين وما سبقها من عمليات طاولت رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية ورئيس الأركان في “حزب الله” فؤاد شكر، بفارق ساعات قليلة فصلت بين العمليتين في اليوم الأخير من آب الماضي في طهران والأول من تموز في الضاحية الجنوبية من بيروت، مضافة إلى عمليتي “البيجر” و”الووكي توكي” واستهداف قيادة “قوة الرضوان” وما خلّفته جميعها من خسائر في الأرواح على مستوى القيادات العليا من الصف الاول ونظرائهم في الصف الثاني بطريقة دراماتيكية.
في اعتقاد مراجع ديبلوماسية وسياسية مطلعة، أنّه وفي ضوء ما شهدته طهران ومدن إسرائيلية متعددة باتت تحت مرمى الصواريخ الإيرانية، لم يعد هناك أي منطق يقود إلى الربط بين مختلف هذه الأحداث. ذلك انّ تطورات الأيام القليلة الماضية رسمت خطاً بيانياً جديداً أخرجتها من أحداث الماضي، بعدما تجاوزت المواجهة المباشرة بين القوتين الإقليميتين، بما حملته من مفاجآت في الشكل والمضمون بعد التوقيت ما كان متوقعاً من سيناريوهات. وهو ما أدّى تلقائياً إلى صعوبة تقديم أي تصور لما يمكن أن تحمله الساعات المقبلة، والتي تحولت محطات قصيرة المدى وشكّلت مناسبة لانتظار مزيد من المفاجآت الكبرى بين لحظة وأخرى. وهي وإن كان واضحاً انّها قدّمت كل الخيارات العسكرية المتاحة على أي شكل من أشكال الديبلوماسية، وسقوط مسلسل الخطوط الحمر التي كان يعتقد البعض انّها محترمة، في ظل العناية الدولية بمجموعة الأزمات الكبرى، اعتقاداً منهم انّ الأجواء الدولية لا تحتمل مزيداً من الحروب إلى ما هو قائم في أوكرانيا والشرق الأوسط، والسعي المعلن للرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستخدام ما لديه من خيارات واسعة للتوجّه إلى الخيارات السياسية أياً كانت الكلفة المترتبة على أطراف النزاع، اياً كانت قدراتهم وبمختلف هوياتهم.
ولكن ما ظهر جلياً لدى عدد من المراقبين، انّه ومهما بلغت القوة الأميركية التي حاول ترامب تسخيرها في سعيه إلى نيل جائزة نوبل للسلام، انّ هناك قوى إقليمية قادرة على استدراج القوى الدولية إلى مستنقعها بطريقة يصعب الفصل إن كانت طوعية أو انّها انخرطت فيها طوعاً وعن سابق تصور وتصميم، ونتاج عملية توزيع أدوار لم تكن تنضح بما يكفي من الشفافية بين ما هو معلن من شروط ومواقف وما هو مضمّر منها.
وعند هذه التفاصيل تقول المراجع نفسها، إنّ الوقت ليس مهيئاً للانتقال من مدار الحروب الكبرى إلى مدارات السلام الإقليمية والدولية، وإنّ هناك قوى خفية تصرّ على قيادة مزيد من المغامرات العسكرية من دون التأكّد من قدرتها على لجمها والتحكّم بها ساعة تريد. وهي نظرية أدّت بتأكيد أحد الديبلوماسيين الغربيين الكبار، إلى صعوبة استنساخ التجربة الهندية – الباكستانية مرّة أخرى وفي وقت قياسي. ذلك انّ معظم العروض التي تقدمت بها شخصيات دولية لم تلامس بعد ما يمكن ان يشكّل مساحة للتفاهم على بعض الخطوات، بطريقة تضمن نزول الجميع من سقوفهم العالية في توقيت واحد.
ولذلك، يضيف الديبلوماسي العتيق انّ اعتقاد البعض بتحقيق ما يؤدي إلى ولادة رابح وخاسر في الوقت الحالي ما زال بعيد المنال. فعلى رغم من الخسائر الكبرى التي لحقت بإيران على مستوى قادتها العسكريين وخبرائها النوويين وبمنشآتها النووية والنفطية إلى ما هنالك من أعمدة الاقتصاد الإيراني لن تقدم على أي خطوة “انتحارية” اعتقاداً منها انّه قد تشكّل في النهاية وجهاً جديداً للحصار والعقوبات المفروضة عليها منذ عقود من الزمن، وأنّ ما هدم يمكن إعادة بنائه بالقدرات الداخلية.
وفي المقابل، لا يبدو انّ إسرائيل قد فوجئت بما لحق بها من أضرار كبيرة أسقطت هيبتها في القدرة على مواجهة الخطر الإيراني وحيدة، متى بات يهدّدها ويصيبها مباشرة. ذلك أنّها وهي التي كانت تعرف مسبقاً ما تنوي القيام به وإلى أي درجة يمكن أن توجع النظام الإيراني، الّا تكون تتوقع ما حصل على اراضيها في حدّه الأدنى. ولكن الفارق انّها كانت تراهن وما زالت على انّها لن تبقى وحيدة في المواجهة، وهي تسعى بما أوتيت من قوة إلى استدراج القوى الدولية الموالية لها للانخراط إلى جانبها. وقد بدأت البوادر من خلال مواقف بريطانية متقدمة في دعمها لإسرائيل، وأخرى تترجمها حركة الأساطيل الأميركية في اتجاه المناطق المحيطة بمسرح العمليات العسكرية الواسع، معطوفة على مواقف أخرى قد تظهر في الساعات القليلة المقبلة لإحياء “الحلف الدولي” الذي حال في التجارب السابقة – على محدوديتها قياساً على ما نشهده اليوم – دون وصول ما نسبته 98% من الصواريخ الإيرانية إلى مدنها ومنشآتها الحيوية، وهو امر لن يطول للتثبت منه.
ويبدو واضحاً لمراقبي التطورات صعوبة استنساخ التجربة الباكستانية ـ الهندية التي تعهّد بها ترامب في الساعات الماضية. ذلك انّ كل المواقف الدولية توحي بصعوبة المهمّة، فإيران حتى اللحظة لم تبرئ واشنطن من أي اعتداء تعرّضت له، ولم تقبل ان يكون العرض الذي قدمه ترامب على حياد في ما هو مطروح، وإن توجهت الأنظار إلى قوى أخرى كروسيا أو فرنسا والصين وربما المملكة العربية السعودية، فهي جميعاً على لائحة الامتحان الصعب حتى كتابة هذه السطور.