
الأسد الصّاعد إلى الشّمس: نتنياهو يستدعي الشّاه؟
باتت نافذة الدّبلوماسيّة ضيّقة للوصول إلى حلّ بشأن البرنامج النّوويّ الإيرانيّ. تضيق هذه النّافذة أكثر وأكثر مع كلّ غارةٍ تستهدفُ العاصمة الإيرانيّة طهران، ومع كلّ صاروخ يُطلقه الحرس الثّوريّ الإيرانيّ نحوَ العمقِ الإسرائيليّ.
هو “السّلام بالقوّة” الذي دائماً ما يتحدّث عنه الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب. إنّه الضّربُ ثمّ الضّرب حتّى التّوصّل إلى اتّفاق. هذا ما تواجهه إيران اليوم. لم يتغيّر الموقف الأميركيّ قبل الضّربات عمّا بعدها. واضحاً كانَ موقف الولايات المُتّحدة منذ بدءِ المفاوضات مع إيران: “لا يُمكن أن تحصل إيران على السّلاح النّوويّ”. وهذا هو الموقف الذي يُكرّره الرّئيس ترامب حاليّاً.
سابقاً ولاحقاً: لا تخصيب
يعني موقف الولايات المُتّحدة أنّ إيران لا يُمكنها أن تُخصِّبَ اليورانيوم على أراضيها، مهما كانت نسبة التخصيب مُنخفضة، ومهما كان عدد أجهزة الطّرد المركزيّ محدوداً. يكفي اجتماع هذين العاملَيْن على أرض إيران حتّى تستطيع العودة إلى مستوى 60% وما فوق متى شاءَت. ولذلكَ تُريد واشنطن لإيران أن يكونَ برنامجها النّوويّ أسوةً ببرامج دُول الجوار، أي يكون التخصيب خارج الأراضي الإيرانية.
هذا ما لا تُريدُ إيران التّخلّي عنه. تمسّكت طوال فترة الشّهرَيْن من المفاوضات بما سمّته “حقّها بتخصيب اليورانيوم على أراضيها”. كانَ سماح ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو بضربِ منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم أحد أوجه سياسة ترامب تحت عنوان “السّلام بالقوّة”. وقد يُشاركُ ترامب في تدمير منشأة فوردو التي تقع تحت 80 إلى 100 متر في عُمقِ الجبال تحت العنوان نفسه.
تُريد الولايات المُتّحدة أن تُخرجَ مسألة تخصيب اليورانيوم في إيران من أيّ مُفاوضات سياسيّة، إن حصلت، مرّةً وإلى الأبد. ضربُ برنامج تخصيب اليورانيوم، من وجهة النّظر الأميركيّة، سيمنع إيران من المُطالبة به، وسيُحقّق الهدف المنشود لترامب منذ لحظة انتخابه رئيساً للولايات المُتّحدة الأميركيّة. ولذلكَ لا يُمكن نفي أيّ إمكان لدخول الولايات المُتّحدة الحرب الدّائرة لضرب منشأة فوردو والقضاء على الجزء الأهمّ من برنامج التّخصيب الإيرانيّ.
لكن هل يُشاطِرُ نتنياهو ترامبَ الرأيَ؟
ليسَ سرّاً أنّ الحُلمَ الذي راودَ بنيامين نتنياهو منذ 20 سنةً هو ما يقوم بهِ حاليّاً. لكنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ المُنتشي بمشروعه الرّامي إلى “تغيير وجه المنطقة” قد لا يتوقّف عند حدود ضربِ برنامج طهران النّوويّ. طموحُ نتنياهو أكبر ممّا يُعبّر عنه. هو أمام فرصةٍ لن تتكرّر لتغيير الحال السّياسيّ في بلاد فارس. هذا ما يُمكنُ قراءته عبر أكثر من حدثٍ وتصريح:
- نشرَ المُتحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ أفيخاي أدرعي صورةً لعمليّة “الأسد الصّاعد”، وتُظهرُ أسداً وبخلفيّته شمسٌ مُشرقة. وبعيداً عن المُسمّى التّوراتيّ للعمليّة الإسرائيليّة وخلفيّة إعطاء العمليّة صبغةً يهوديّة مُطلقة، فإنّ شعار الأسد والشّمس كانَ شعاراً رسميّاً للدّولة الإيرانيّة في عدّة عصور، وآخرها الدّولة البهلويّة التي سقطَت بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة بقيادة روحِ الله الخُمينيّ عام 1979.
- لم يقتصِر الاستهداف العسكريّ الإسرائيليّ على الأهداف العسكريّة والنّوويّة للنّظام الإيرانيّ، بل طالَ أيضاً أركانَ النّظام العسكريّين وأُسس النّظام مثلَ وزارة الدّفاع ومبنى الإذاعة والتّلفزيون الرّسميّ. وتتّخذ الحملة صورة الضّغط على الدّاخل الإيرانيّ والاقتصادِ الإيرانيّ عبر تهجير سُكّان طهران واستهداف مصفاتها النّفطيّة المُخصّصة للاستهلاك الدّاخليّ.
- صرّحَ أكثر من مسؤولٍ إسرائيليّ أنّ على الشّعب الإيرانيّ أن يستغلّ فرصةَ ضعف النّظام للتّحرّر منه، وإن كانَ مُستشار الأمن القوميّ تساحي هنغبي قد قال إنّ إسرائيل لا تنوي إسقاط النّظام. لكنّ نتنياهو قالَ في كلمتِهِ مساء الإثنيْن إنّ سقوطَ النّظام قد يكون نتيجة للضّربات الإسرائيليّة في نهاية المطاف.
- تزايد الحملة الدّعائيّة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ لوريث الحُكم البهلويّ رضا بهلويّ الثّاني، بما يُعتبر حملةً دعائيّة موجّهة للدّاخل الإيرانيّ، بالإضافة إلى دعوة بهلويّ لقوّات الأمن الإيرانيّة للانشقاق عن النّظام.
مغامرة الحقيقة الثّابتة؟
الهدفُ الحقيقيّ لنتنياهو يُقرأُ من حديثه الدّائم عن تغيير الشّرق الأوسط. وحقيقةُ الأمرِ أنّ التغيير الجذريّ لا يتمّ إلّا بتغيير الوضع السّياسيّ في إيران. وهي مُهمّة صعبة، لكنّها ليسَت مُستحيلة. إذ خسِرَت إيران في السّنتيْن الأخيرتَيْن خطوط الدفاع الأساسيّة عن نظامها من غزّة إلى لبنان، ومروراً بخسارة وجودها العسكريّ في سوريا. وهذا ما جعَلَ إسرائيل تكسب حريّة الحركة العسكريّة والجوّيّة في غزّة ولبنان وسوريا وصولاً إلى إيران، بالإضافة إلى الأجواء العراقيّة المفتوحة.
في المُقابل، هيَ المرّة الأولى التي يُواجه فيها نتنياهو حقيقةً ثابتةً في تاريخ المنطقة، وهي إيران. فنظام آل الأسد في سوريا لا يُمكنُ اعتباره حقيقةً ثابتة في المنطقة نظراً لصورة حُكم الأقلّيّات على الأكثريّة. لكنّ في إيران الوضع مُختلفٌ من هذه النّاحية، إضافةً إلى حجمِ الجغرافيا الإيرانيّة الواسعة والمُترامية الأطراف.
هكذا يُمكن القول إنّ المعركةَ اليومَ هي بين التكنولوجيا والعلم الذي يُحدّدُ شكلَ المُستقبل، وبين التّاريخ الإمبراطوريّ لإيران، التي باتت تُواجه حلماً إمبراطوريّاً مُختلفاً عن الأشكال المعهودة بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يُريد أن يُنصّبَ نفسه إمبراطوراً بالتّكنولوجيا من ساحل المُتوسّط إلى سواحل بحرِ قزوين. فهل ينجحَ نتنياهو ويُسقِط نظام إيران؟ أم تنتصر الحقيقة التّاريخيّة؟ العبرة في الخواتيم.