
خاص – الحرب النووية احتمال حقيقي: خطأ صغير قد يشعلها
مع الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، وفي جوّ من التوتّر الشديد، كثُر الحديث عن احتمالات وقوع صراع نووي، إذا ما حصل خطأ ما، أو جرى تدخّل من دولة أخرى، أو إذا ما حصل تسرّب إشعاعي في حال تعرّض منشآت نووية للقصف. صحيح أنّ إيران لم تتوصّل بعد إلى إنتاج القنبلة الذريّة، ولكنّها قريبة جدّاً من صنع هذه القنبلة. ولا يُعرف ما يمكن أن يحدث في المفاعلات الإيرانية المستهدفة.
صحيفة واشنطن بوست نشرت تقريراً لخبراء عن مخاطر وقوع حرب نووية، نورد ترجمة مختصرة له:
يمكن أن تبدأ الحرب النووية عن طريق الصدفة، خصوصاً في أجواء الأزمات والصراعات. فقرار استخدام أكثر الأسلحة فتكاً قد ينشأ عن خطأ بشري، أو عن عيب في نظام كمبيوتر. وتزداد هذه الاحتمالات عندما يحصل مثلاً نشاط مشبوه حول قواعد الأسلحة النووية. وبما أنّ هناك تسع دول في العالم تملك أسلحة نووية، وهناك أكثر من 2000 سلاح في حالة تأهّب وجاهزة للاستخدام في غضون مهلة قصيرة، فإنّ الحوادث الخطيرة لا يمكن التنبّؤ بها.
ففي شباط 2009، اصطدمت غوّاصة فرنسية تحمل صواريخ استراتيجية مسلّحة نووياً بغوّاصة بريطانية، على متنها أيضاً صواريخ ذات رؤوس نووية، في المحيط الأطلسي، على رغم الاحتمال الضئيل لحصول حادث مماثل، بوجود 40 مليون ميل مربع من المحيط المفتوح. ولحسن الحظّ، كانت الغوّاصتان تسيران بسرعة منخفضة للغاية، ولم يُصب أيّ من أفراد الطاقم، كما لم تتضرّر الرؤوس النووية.
ولكن هذا الحادث لم يكن فريداً من نوعه. ففي آذار1993، حصل حادث مشابه، سبقه بعام واحد أيضاً، اصطدام غوّاصة أميركية بغوّاصة هجومية روسية، على بعد حوالي 14 ميلاً من ميناء مورمانسك الروسي.
وما يجعل هذه الحوادث تحصل، هو أنّ الغوّاصات الهجومية الأمريكية تعمل بشكل روتينيّ للعثور على الغوّاصات الاستراتيجية الروسية وتعقّبها، تماماً كما تفعل الغوّاصات الروسية. ولكن، لو حدث ذلك خلال أزمة أوحرب تقليديّة، فإنّ إغراق غوّاصة صواريخ باليستية عن طريق الخطأ، كان من الممكن أن يؤدّي إلى مواجهة نووية محتملة. ويمكن تخيّل ما كان سيحصل، لو حدث مثل هذا التصادم في تشرين الأول 2022، وسط شائعات بأن روسيا كانت تفكّر في توجيه ضربات نوويّة في أوكرانيا.
بين الهند وباكستان
ولا تقتصر المخاطر على القوى النووية العظمى. فمنطقة جنوب آسيا تبقى نقطة اشتعال نووي محتملة. والصدام الأخير بين الهند وباكستان النوويتين خير مثال، عندما ضربت طائرات هندية من دون طيّار قاعدة نور خان الجوية الباكستانية في روالبندي، والتي تقع بالقرب من مركز رئيسيّ في نظام القيادة والتحكّم النووي في البلاد. وقد خاطر هذا التصعيد وكميّة المعلومات المضلّلة التي رافقته، بتحويل الصراع التقليدي إلى أزمة نووية.
وهذه الحادثة ليست الوحيدة من نوعها. ففي 9 آذار 2022، عبَر صاروخ كروز هندي فجأة إلى داخل الأراضي الباكستانية، وتحطّم في موقف للسيّارات. وهكذا، ومن دون سابق إنذار، تكون دولة مسلّحة نووياً أطلقت صاروخاً على أراضي دولة أخرى مسلّحة نووياً. وقد طلبت باكستان من الهند شرحاً لما حصل. وألقت نيودلهي اللوم على ”عطل فني”، ثمّ على “خطأ بشري”، لتكشف محكمة هندية بعد عامين أنّ طاقم الإطلاق، الذي كان مكلّفاً إجراء عرض لإطلاق الصاروخ على رئيسه، أخطأ في تعطيل موصلات الصاروخ القتالية، تاركًا نظام السلاح جاهزًا للإطلاق.
فالصواريخ الخاطئة أكثر شيوعًا مما يُعتقد. إذ، في شرين الثاني 2022، قَتل صاروخ شخصين في منشأة للحبوب في جنوب بولندا، بالقرب من الحدود مع أوكرانيا. واعتُقد في بداية الأمر أن صاروخًا هجوميًا روسيًا استهدف عمداً أحد حلفاء الناتو. لكنّه في الواقع كان صاروخًا أوكرانيًا للدفاع الجوي. ولساعات، خشيت واشنطن وقادة الناتو الأسوأ. فعندما تتوتّر الأمور، حتى الحوادث البسيطة يمكن أن تدفع القادة إلى الردّ قبل معرفة جميع الحقائق.
إنذارات كاذبة
أمّا خلال الحرب الباردة، فقد أبقى الجانبان الأسلحة النووية في حالة تأهّب للإطلاق، أو ما عُرف بـ “الزناد المتحرك”. إذ كانت المخاوف من هجوم مباغت حقيقيّة ودائمة. وأدّى ذلك حتماً إلى حدوث أخطاء وإنذارات كاذبة عديدة.
ففي صباح 9 تشرين الثاني 1979، واجه الضبّاط المناوبون في قيادة الدفاع الجوّي الأميركية الشمالية فجأة، عرضاً إلكترونياً واقعيّاً لهجوم نوويّ سوفياتي. وبدا أن عدداً كبيراً من الصواريخ السوفياتية قد أُطلق من البرّ والبحر. وصدرت على الفور التعليمات لأطقم القاذفات من طراز B-52 بالاستعداد، وتمّ نقل “طائرة يوم القيامة” على الفور في الجوّ، ما يوفّر للرئيس الأميركي وسيلة آمنة لإصدار أمر بتوجيه ضربة نووية. ولكن، بعد ست دقائق، تمّ إلغاء تقييم التهديد، واتّضح أنّ شخصاً ما، قام عن طريق الخطأ بإدخال شريط تمرين واقعي في نظام التحذير المباشر.
وفي 1980، أظهرت أنظمة الإنذار المبكر فجأة وابلاً صاروخياً سوفياتياً، وأشار أحد الأنظمة إلى إطلاق 2020 صاروخاً. وطُلب من طواقم القاذفات تشغيل محركاتها، وتمّ الاتصال بمستشار الرئيس جيمي كارتر للأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي. وبعد 32 دقيقة مروّعة، تبيّن عدم وجود صواريخ في الجوّ.
وكان سبب الإنذارات الكاذبة تعطّل شريحة كمبيوتر واحدة، كان من المفترض أن تبثّ في وقت السلم باستمرار الأرقام صفر-صفر-صفر، في إشارة إلى عدم وجود صواريخ مهاجِمة. ولكن، بدأت الرقاقة في إدخال ثنائيّات عشوائية في الرسالة، التي أظهرت أنّ هناك 200 أو 2000 صاروخ في الجوّ.
كما وقع حادث آخر سيّئ السمعة في العام 2007، عندما قام طيّارون أميركيون بتحميل ستّة صواريخ كروز حيّة مسلّحة نووياً، على قاذفة قنابل من طراز B-52 عن طريق الخطأ، بدلاً من أنظمة التدريب الخاملة التي كان من المفترض استخدامها. وطارت القاذفة عبر الولايات المتحدة إلى قاعدة جوية في لويزيانا، حيث وقفت من دون حراسة لمدّة يوم واحد، إلى أن اكتشف أحد الضبّاط أنّ الصواريخ تحمل رؤوساً نووية.
خطر فضائي
وتقع الأخطاء أيضاً في الفضاء. إذ تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الأقمار الصناعية للقيادة والتحكّم والاتصالات النووية. والعديد من هذه الأقمار لديها أيضاً قدرات استخباراتية ومراقبة واستطلاع. لذا، يمكن أن تحصل عملية لتعطيل الأقمار الصناعية للخصم، الذي يستنتج أنّ مثل هذه الضربة كانت مقدّمة لضربة نووية، فيقوم بالردّ بالمثل.
وهناك عنصر آخر يزيد من احتمالات حصول الأخطاء، وهو الاستخدام المزدوج للأصول المدنية والعسكرية، حيث قد يؤدّي تهديد للقوّات التقليدية في بلد ما، إلى تهديد ترسانته النووية في الوقت عينه.
وفي الآونة الأخيرة، أظهر استخدام روسيا لما سمّته صاروخًا تجريبياً في أوكرانيا، طريقة أخرى يمكن أن يكون فيها هذا الغموض خطيرًا. وكان الصاروخ يحمل حزمة من الرؤوس الحربية التقليدية، ولكنّه يمكن أن يحمل أيضًا أسلحة نووية.
كما يمتلك الصاروخ الباليستي الصيني المتوسط المدى DF-26 رأساً حربياً قابلاّ للتبديل السريع، بحيث يمكن تبديل الرأس الحربي التقليدي برأس حربي نووي مباشرة في ساحة المعركة. وهذا يشكل تحدّياً خطيراً للحسابات العسكرية الأميركية.
ويخلص الخبراء إلى توصيات، مفادها أن لا بديل عن القدرة على التواصل الموثوق مع الخصم في الأزمات. كما يجب أن تعمل الأنظمة في شكل لا تشوبه شائبة عند التعرّض للهجوم. وهذا يفرض على الدول النووية اتّخاذ الإجراءات كافّة لمنع التصعيد غير المرغوب فيه أو العرضي، بينما لا يزال هناك متّسع من الوقت.