
ماذا يختار مسيحيّو لبنان: الانتظار أم المبادرة؟
تتسارع الأحداث من حولنا، بينما ما زلنا في غرفة العناية الفائقة. فلم يُمنح لبنان الخارج من حرب مدمّرة فرصة التعافي بعد. وبعدما تأمّل خيراً بوقف الأعمال العدائية، وترقّب تنفيذ خطاب القسم والبيان الوزاري بما يتعلّق بحصرية السلاح بيد الدولة، إذا به يحاول أن يحفظ رأسه في ضوء صراع الأمم، والمواجهة بين طهران وتل أبيب التي لا يعرف متى وكيف ستنتهي.
ومع تسارع التطورات في الشرق الأوسط وتبدّل التوازنات الإقليمية، يجد مسيحيو لبنان أنفسهم مرة جديدة أمام تحدي الانتظار والقلق من جهة، وضرورة المبادرة والانخراط الفاعل من جهة أخرى.
ففي ظلّ الأزمات المتتالية التي تعصف بالمنطقة، تبرز الحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى مد جسور التواصل بين مسيحيي لبنان أنفسهم، لتفادي دفع أثمان باهظة نتيجة تبدّلات قد لا يكونون طرفاً أساسياً في رسم معالمها. فيجدون أنفسهم مضطرين للتكيّف مع ما يقرره سواهم.
فالتشرذم الذي أصاب الحالة المسيحية في لبنان خلال محطات أساسية انعكس ضعفاً في موقعهم الوطني. بينما نجحوا متى اتحدوا على رؤية استراتيجية، بعيداً من الاصطفافات الحزبية والفئوية الضيقة، في حفظ وجودهم، والتمكّن من خلال وحدة الصفّ والتفاهم من المشاركة الحقيقية في صوغ مستقبل لبنان المتعدد والمتوازن.
من هنا، على المسيحيين المبادرة لا الاكتفاء بالجلوس والمتابعة من مقاعد الجماهير، لأنهم متى غابوا عن الرؤية الاستراتيجية والقرار، دفعوا الثمن، وقرر سواهم عنهم. فهل يبادرون ويتلاقون، أم تراهم يتلهّون ببلدية واتحاد وحيّ… ويخسرون الوطن؟
المطلوب المبادرة. والمبادرة لا تعني التقوقع أو الانعزال، بل صوغ استراتيجية واحدة. فالتحديات كثيرة، ومن بينها ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية. ذلك أن التأخّر في هذه الأولوية يخسّر الدولة مجتمعة الفرصة ويُهدد كيانها ويُصعّب مهمة الجيش في حفظ الأمن وطمأنة اللبنانيين المراهنين على الدولة ومؤسساتها كضمانة لاستمرار لبنان الرسالة والديمقراطية.
من هنا، فإن نشر الجيش اللبناني في الجنوب من دون تأخير، وسط الصراع الدائر من حولنا، بات عاملاً محورياً في تكريس سيادة الدولة وتعميق الثقة الداخلية والخارجية بدورها.
وإن الدعوة إلى حصرية السلاح بيد الدولة ليست مطلباً طائفياً أو فئوياً، بل هي ضمانة لجميع اللبنانيين من مختلف الطوائف.
فبين الانتظار السلبي والمبادرة الفاعلة، يجب أن يختار مسيحيو لبنان الطريق الثانية. فبمزيد من التواصل والتكامل بينهم، وبتمسكهم بالدولة ومؤسساتها الشرعية، تُصان كرامتهم ودورهم التاريخي، وينجحون مع سائر اللبنانيين في بناء وطن أكثر أماناً وعدلاً واستقراراً.
والأكيد أن الوحدة المسيحية لا تعني إلغاء الخصوصيات أو التنوع، بل احترامهما ضمن إطار أوسع من الشراكة في خدمة لبنان وجميع اللبنانيين.
فهل يكتفي المسيحيون في مشاهدة ما يحدث والتفاعل معه اعلامياً وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، أم يبادرون لحماية الدولة وبسط سلطتها فيكونون “أم الصبي”، فلا تأتي الحلول على حسابهم؟