
خاص:ترامب يتردّد…. لا مفرّ من ضرب منشأة فوردو؟
الثابتة الأكيدة لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هي أنّه لا يمكن لإيران أن يكون لديها برنامج نووي. أمّ الوسيلة للوصول إلى هذا الهدف فمتحرّكة. ومن الأفضل أن تكون عبر الدبلوماسية، وإلّا عبر أقلّ الخسائر الممكنة، ومن دون التورّط قدر الإمكان في حروب كبيرة. لذا، لم يقرّر بعد في شأن التدخّل العسكري الأميركي لضرب إيران. وهو يحيط كلامه بالغموض، ولا يفصح عن نيّاته.
فإسرائيل بمفردها لا يمكنها القضاء على البرنامج النووي لإيران. وهي تحتاج إلى المساعدة العسكرية الأميركية. ويحرّض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترامب، على المساهمة في ضرب منشأة فوردو المحصّنة داخل الجبال في محافظة قمّ، وهي الهدف الأهمّ الذي لا يمكن لسلاح الجوّ الإسرائيلي أن يطاله، لكون تلّ أبيب لا تملك القنبلة الأقوى فيالعالم، والتي تملكها الولايات المتّحدة وحدها، لكنّها حتّى اليوم لم تجرّبها بعد في معركة حيّة.
ويعتبر نتنياهو أنّ تولّي سلاح الجوّ الأميركي ضرب منشأة فوردو بواسطة هذه القنبلة الخارقة للتحصينات، كفيل بربح الحرب. إذ إنّ تدمير هذه المنشأة الأساسية في عملية تخصيب اليورانيوم في إيران، هو المفتاح للقضاء على برنامج طهران النووي. وإذا ما بقيت هذه المنشأة قائمة، فيمكن لإيران مع الوقت أن تعيد تفعيل عمليّة التخصيب، وأن تواصل برنامجها، ولوتأخّر لبضعة أشهر أو حتّى لسنوات.
وبما أنّ إسرائيل شنّت الحرب، واضعة الولايات المتّحدة تحت الأمر الواقع، فإنّ مسار التصعيد العسكري أصبح مفروضاً. وهكذا، فإنّ الحيثيات التي ستنشأ مع تطوّر المواجهة، ستدفع بواشنطن إلى الدخول على الخطّ، وهي فعلت ذلك في الواقع. فالدفاعات الأميركية تساعد القبّة الحديدية الإسرائيلية في التصدّي للصواريخ والمسيّرات التي تطلقها إيران. كما أنّ عنصر المعلومات الاستخبارية الذي تؤمّنه واشنطن لحليفتها، له دور أساسي في ربح الحرب. وقد نقلت واشنطن ما لا يقلّ عن 30 طائرة للتزوّد بالوقود من الولايات المتّحدة إلى أوروبا، كما أرسلت حاملة الطائرات USS Nimitzإلى الشرق الأوسط، لتنضمّ إلى الحاملة USS Carl vinson، ليكون في المنطقة حاليّاً خمس مدمّرات أميركية، طبعاً من دون أن ننسى أنّ منظومة السلاح الإسرائيلية المتطوّرة تأتي من الولايات المتّحدة. ولكن التدخّل المباشر وضرب فوردو شيء آخر.
هناك أسباب عدّة تجعل الرئيس الأميركي يتردّد في توجيه الضربة المطلوبة لإيران. ربّما هو ما زال يعتبر أنّ فرصة، ولو ضئيلة، يمكن أن تستغلّها إيران، لعودتها إلى المفاوضات وقبول تفكيك برنامجها النووي، بدلاً من أن تتلقّى ضربة محسومة النتائج، فتكون بذلك وفّرت على الإيرانيين الدمار والقتل، وسمحت للنظام ربّما بالاستمرار. ولكنّ العارفين بطبيعة الأنظمة الشبيهة بالنظام الإيراني يستبعدون أن يتّخذ المرشد علي خامنئي قراراً بهذا المعنى. وسيكتشف ترامب هذا الأمر بنفسه، كما اكتشف عدم جدوى المفاوضات مع الجانب الإيراني.
وهناك أيضاً جانب تقني، يجعل ترامب يفكّر جيّداً قبل أن يقرّر استعمال القنبلة الخارقة. فهو، كما أوردت الغارديان البريطانية، لديه شكوك في مدى فاعلية القنبلة GBU-57. فعملية استعمالها لتدمير منشأة فوردو ستكون معقّدة. كما أنّ هناك خلافات داخل البنتاغون حول فاعليتها في هذا المكان بالذات. ومع أنّ الخبراء قالوا للرئيس ترامب إنّ القنبلة ستدمّر فوردو بالكامل، فإنّ آخرين شرحوا له أن سلاح الجوّ الأميركي قد يضطرّ إلى استعمال قذائف تقليدية في البداية، ثم سيحتاج إلى إسقاط قنبلتين خارقتين على الأقلّ. إذ إنّ قنبلة واحدة قد لا يصل تفجيرها إلى العمق المطلوب، وقد يتطلّب الأمر قنبلة ثانية أو أكثر لتدمير قلب مفاعلات التخصيب. وفي أي ّ حال، فإنّ هذه القنبلة لم تجرَّب سابقاً في أرض معركة حقيقية، أو في طبيعة جبلية شبيهة بطبيعة المكان الذي تقع منشأة فوردو تحته.
كما يريد ترامب التأكّد من أنّ انخراطه في الضربات على إيران لن يجرّ الولايات المتّحدة إلى حرب طويلة، في حال لم تنجح الضربة على فوردو فيإصابة الهدف. فتدخّل واشنطن قد يستدرج تدخّلات أخرى. وعلى رغم ذلك، قد لا تؤدّي الضربة إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني، بل تعيده فقط إلىالوراء لسنوات.
وهذا الهدف بحدّ ذاته يمكن لإسرائيل بنفسها أن تحقّقه، بمساعدة أميركيةغير مباشرة. إذ يمكن للطائرات الإسرائيلية مثلاً تدمير الأنفاق الخمسة المحصّنة التي تؤدّي إلى المنشأة، ما يؤدّي إلى تعطيل العمل فيها لفترة طويلة.
وبما أنّ القوّة الجوّية وحدها لا يمكنها تفكيك برنامج كبير وواسع الانتشار على مساحة البلاد ومحصّن ومدفون تحت الأرض، فإنّ ترامب ربّما يفكّر في طريقة أخرى للوصول إلى الهدف، وهي جعل طهران تدفع تكاليف كبيرة جرّاء الحرب، ما يدفعها إلى العودة إلى المفاوضات والقبول هذه المرّة بشروط قاسية. وحتّى لو لم يتمّ تفكيك القدرة النووية بالكامل، فإنّ البنية التحتية للبرنامج النووي ستتعرّض لتدهور كبير.
ويعرف ترامب في الوقت عينه، أنّ انهيار النظام الإيراني في الوقت الحاضر ليس متوقّعاً، خصوصاً ما لم يتمّ ضرب البرنامج النووي. فالمعارضة لاتستطيع أن تفعل شيئاً في أجواء الحرب، وتحت سطوة الاعتقالات. كما أنّ الجيش أو الحرس الثوري هما في دائرة المرشد، ولا يمكن أن ينشقّا عنه لتنفيذ انقلاب مثلاً. وحتّى ترامب نفسه قد لا يكون متحمّساً جداً لتغيير النظام، إنّما يريد تغيير سلوكه ووضعه تحت السيطرة. وهو قلق من البديل الذي سيحلّ مكان المرشد، كما من أن تعمّ الفوضى إيران، وتدخل المنطقة في سيناريوهات لا يمكن ضبطها.
ربّما يحتمل اتّخاذ القرار بضعة أيّام، أو اسبوعين، وهي المهلة التي حدّدها ترامب نفسه. ولكن، بعد ذلك، قد تجد واشنطن أنّ ضرب منشأة فوردو قرار لا مفرّ منه، ما لم تنفع السبل الأخرى.