
هذا ما خسره لبنان بنقل ملفه من أورتاغوس إلى باراك!
يظن عدد من المسؤولين والسياسيين اللبنانيّين أنّهم حققوا انتصاراً معنويّاً، بانتقال مورغان أورتاغوس من ملف لبنان إلى ملفات البعثة الأميركية في الأمم المتحدة. شكلها أزعج نساء بعض هؤلاء وأسلوبها “الترامبي” في التعبير أزعج البعض الآخر ممّن يريدون أن يحظوا برضا “حزب الله”!
ولكنّ راحة هؤلاء تُحجب ضرراً كبيراً أُلحق بلبنان، فالإدارة الأميركية بنقل ملف لبنان موقتاً إلى عهدة توم باراك، أفقدت “بلاد الأرز” ما كانت توفره له مورغان أورتاغوس.
باراك لم يحمل ملف لبنان، على الرغم من أنّ جذوره تعود إليه وتحديداً إلى مدينة زحلة البقاعية، إلّا كملحق بملف سوريا، وبالتالي فهو لا ينظر إلى لبنان إلّا على أساس أنّه امتداد جيو- سياسي لسوريا التي هي الأخرى على تقاطع مصالح تركية- إسرائيلية- أميركية.
كانت مورغان أورتاغوس تضغط في اتجاه آخر. عملت من أجل إرساء شراكة لبنانية- أميركية تأخذ بالاعتبار الملفات الإقليمية الأخرى، ولكنّها تكون شراكة قائمة بذاتها، لا تتأثر، سلباً أو إيجاباً، بسائر دول الإقليم. كانت تعتبر أنّ لبنان يمكنه أن يُحلّق عاليّاً إن هو حقق شرطين ملزمين: نزع سلاح “حزب الله” وإجراء إصلاحات شاملة حقيقية.
لم تكن أورتاغوس لطيفة في مقارباتها، لكنّها كانت واضحة.
توم باراك لا يشبه مورغان أورتاغوس بشيء. هدفه الأساس هو سوريا، بحيث يتمكن من نقلها إلى الحضن الأميركي، من ثم إلى طاولة اتفاقيات أبراهام. التمعن في طريقة إنهاء بيانه الوحيد الذي تلاه في لبنان يُظهر ذلك. بالنسبة له، لبنان، في ضوء حيوية سوريا وقدراتها وثرواتها وديموغرافيتها، ليس سوى تفصيل ملحق بالجارة الكبرى. لبنان، على الخارطة هو “آخر الطريق”. سوريا تقع في منتصفه، وفيها تنشأ التقاطعات الكبرى.
عندما أتت أورتاغوس إلى لبنان، في زيارتها الأولى، كانت تحمل تصوّراً واضحاً للمستقبل. لم تتوسل غموض الديبلوماسية في مقارباتها مع القيادة اللبنانية التي كانت لا تزال جديدة وتتمتع بثقة كبيرة في الداخل والخارج، بل قدمت خارطة طريق واضحة وضوح الشمس: إن فعلتم هذا وذاك، فسوف تكونون روّاد المستقبل في الشرق الأوسط، وسوف تجدون الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبكم ليس بصفتها وصية، بل بصفتها شريكة.
توم باراك أتى مختلفاً. أكثر من الديبلوماسية وقلّل من الوضوح. فسر كل طرف التقى به ما قاله، بما يتناسب وتطلعاته وارتباطاته ومخاوفه، إلى درجة بدا معها باراك “حبيب قلب” رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وموافقاً على أسلوب رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ومستمعاً إلى أطروحات رئيس مجلس الوزراء “العروبيّة”!
كانت العبارة المفتاح التي أطلقها باراك لمّاحة. هو، عندما سئل عن طريقة وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية، أجاب: “لو كان بإمكاني تقديم حل لكم في دقيقتين لما كنتُ هنا”!
وهذا كلام خطر للغاية، فباراك يترك للمسؤولين اللبنانيين أن يجترحوا الحل. هو أتى إلى لبنان للاطلاع على اقتراحاتهم.
سبق له في إسرائيل أن اطلع على شروطها “الملزِمة”. كما سبق له أن اطلع على أن لبنان يتردد في تنفيذ ما تعهد به بموافقته على القرارات الدولية وما نطق به في خطاب القسم وفي البيان الوزاري.
وهذا يعني أنّه يفهم تماماً أنّ شروط وقف الاعتداءات الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال لبعض الأراضي اللبنانية وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين من سجونها والسماح بإعادة السكان إلى الحافة الأمامية، غير متوافرة!
ولأنّه يفهم ذلك، يترك لمن “يأكل العصي” أن يجترح حلّاً قابلاً للتنفيذ، مبقياً نفسه في وضعية “من يعد العصي”.
في سوريا، لم يُعذّبه الرئيس الموقت أحمد الشرع. قدم له خارطة طريق واضحة مع آلياتها التنفيذية، فاستحق ليس الثناء وحسب، بل الدعم أيضاً.
ما يهم باراك هو أن يبقى لبنان عاملاً مساعداً في تطوير سوريا، الشريكة الجديدة لأميركا.
بالنسبة لمشاكل لبنان مع إسرائيل فهي تخص القيادات اللبنانية نفسها، فهي ناضجة بما يكفي، لتعرف الطريق إلى التخلص من المشكلات المتراكمة وإيجاد المفتاح الذي يعيد لبنان، فعلاً لا شكلاً، إلى خارطة العالم.