إسرائيل استفادت في شكل كبير من «الدروس العملياتية» من أوكرانيا: تل أبيب وطهران… انتصارات وانتكاسات

إسرائيل استفادت في شكل كبير من «الدروس العملياتية» من أوكرانيا: تل أبيب وطهران… انتصارات وانتكاسات

الكاتب: ايليا ج. مغناير | المصدر: الراي الكويتية
22 حزيران 2025
– إسرائيل فشلت في حساب حرب بحجم صواريخ إيران
– الصواريخ الفرط صوتية كشفت عن نقاط عمياء في منظومات الدفاع
– تل أبيب متورطة في مواجهة أطول وأكثر صعوبة في التنبؤ

كلما سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن الأضرار التي ألحقتها الضربات الصاروخية الإيرانية، فإنه يسلط الضوء على إنجازات سلاح الجو – متجنباً بحرص أي اعتراف بقدرة طهران على ضرب عمق الأراضي الإسرائيلية.

إستراتيجيته واضحة وهي: تحويل الانتباه عن نقاط الضعف، إلى «الإنجاز العسكري»، ليبدأ الضغط الإيجابي على واشنطن – التي يعتمد رئيسها دونالد ترامب «الغموض المتعمد» – للتدخل والمساعدة بتحييد القدرات الهجومية الإيرانية والمشروع النووي – وهي قدرات يعلم نتنياهو مسبقاً وقبل بدء حربه، أنه لا يمكن تفكيكها بالكامل، لا على الصعيد النووي ولا الصاروخي.

مع سقوط الصواريخ والمسيّرات الإيرانية على مواقع إستراتيجية في تل أبيب وحيفا وبئر السبع ومطار بن غوريون، أرسلت طهران في الوقت نفسه، مبعوثاً دبلوماسياً إلى فيينا، يحمل رسالة واضحة مفادها بأنه لن تكون هناك مفاوضات نووية تحت نيران العدو، ولن تكون هناك أي مفاوضات على الإطلاق في شأن البرنامج الصاروخي.

كانت إيران مستعدة للمضي قدماً في المفاوضات النووية، التي كانت مقررة بعد ثلاثة أيام من الهجوم المفاجئ، وهو تاريخ تم الاتفاق عليه مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، والذي اعتبر فخاً محكماً «خدع طهران».

وموقف إيران واضح لا لبس فيه، فهي لن ترفع راية بيضاء، ولن تنتحر برفض التفاوض، لكنها لن تقبل إلا بشروط تضمن الحق السيادي في الرد في حال انتهاك أي اتفاق مستقبلي.

انتصارات وانتكاسات

شهد كلا الجانبين انتصارات وانتكاسات تكتيكية، ليتطور الصراع بطرق لم يتوقعها أي منهما تماماً. فرغم التخطيط المكثف والهجوم الإسرائيلي المفاجئ الذي تضمن اغتيالات رفيعة المستوى ومئات الضربات الجوية، انخرط الطرفان في مواجهة فقدت السيطرة الكاملة على الطبيعة المتطورة للحرب الهجينة الحديثة.

فقد استفادت إسرائيل في شكل كبير من الدروس العملياتية من أوكرانيا. وشملت هذه الأساليب، استخدام أسراب الطائرات من دون طيار، والتخريب السيبراني، والضربات العميقة القائمة على الخداع والتي تهدف إلى تجاوز الدفاعات الجوية التقليدية.

وبحسب ما ورد، قام جهاز «الموساد» وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى، بتكييف هذه الأساليب لعمليات سرية داخل الأراضي الإيرانية.

ومع ذلك، فإن ما فشلت إسرائيل في توقعه هو قدرة إيران على التعافي بسرعة والحفاظ على وتيرة ثابتة من الضربات الصاروخية. ومع تزايد تعقيد الصراع، من الواضح أن الطرفين قللا من تقدير العمق الإستراتيجي والتكلفة النفسية لحرب تُعرف بقيادة لامركزية، وذخائر دقيقة.

وأتاح اندماج إسرائيل في القيادة المركزية الأميركية ومشاركتها في هيكل قيادة رامشتاين – المانيا، إلى جانب 50 دولة حليفة، وصولاً متميزاً إلى رؤى ساحة المعركة من أوكرانيا. ومن بين التكتيكات التي اعتمدتها عملية «الشبكة العنكبوتية» – وهي حملة استُخدمت فيها شاحنات متوقفة كمُطلقات طائرات من دون طيار مُقنعة للتسلل إلى المجال الجوي الروسي.

وطبقت الاستخبارات الإسرائيلية هذا النموذج ضد إيران، حيث نشرت مسيرات مرتجلة مخبأة في مركبات مدنية وبنية تحتية لضرب ما وراء المحيط الدفاعي لإيران. هذا النهج الهجين – الذي يجمع بين الخداع واللوجستيات السريعة والمراقبة المستمرة – تجاوز الرادار الإيراني وكشف عن نقاط ضعف نظامية.

وكما هو الحال في أوكرانيا، فإن هذه المسيرات منخفضة التكلفة، زعزعت الافتراضات التقليدية حول الهيمنة الجوية. وكان تأثيرها النفسي كبيراً، ما أجبر طهران على إعادة تقييم دفاعها الجوي ووضعها الأمني الداخلي.

سواءً كان الاستهداف في العمق الروسي، أو أصفهان، يبقى المنطق، كما هو: عصر جديد من الحروب حيث تتحدى قابلية التوسع والتخفي والأساليب غير المتكافئة حتى أكثر الجيوش تقدماً. ورغم استعداداتهما، وجدت إسرائيل وإيران، نفسيهما في مواجهة ساحة معركة أكثر تعقيداً بكثير مما توقعه أي منهما.

إخفاقات إيران وتقصيرها

لطالما استثمرت إيران في صواريخها البالستية وأنظمة كروز وقدرات المُسيّرات… فهي لا تستطيع استخدم أكثر الطائرات تقدماً – إذا امتلكتها – لأن دولاً عدة صديقة لأميركا التي تمتلك فيها قواعد عسكرية تمنعها من الوصول (العراق، سورية والأردن)، ولا تستطيع التزود بالوقود جواً في رحلات الذهاب والإياب.

لكنها عجزت عن إنشاء وحماية شبكة دفاع جوي قوية وحديثة قادرة على تحمل حجم الهجوم الجوي الإسرائيلي – حيث شاركت أكثر من 200 طائرة، ضربت 700 هدف في الساعة الأولى من الهجوم، رغم أنها نشرت صواريخ قصيرة المدى بشكل إستراتيجي في الغرب ووزعت أنظمة بعيدة المدى (2000 – 2500 كيلومتر) على مناطق عدة.

ولم تنجح طهران في حماية بنيتها التحتية الحيوية من التسلل المباغت. فاخترقت المسيّرات الإسرائيلية – بعضها مُصنّع سراً داخل إيران وعُدّلت بواسطة خلايا تجسس – عمق المناطق الحضرية، ما أدى إلى شل أنظمة القيادة في الساعات الأولى من الحرب.

لم تتوقع إيران أن تكون حرب المسيرات محورية في إستراتيجية إسرائيل. فقامت طائرات من دون طيار برسم خرائط ومراقبة ونقل بيانات آنية عن منصات الصواريخ ونقاط الدفاع، وتوجيه ضربات المتابعة التي تُنفذها الطائرات المأهولة. وقد واجهت الدفاعات الجوية الإيرانية صعوبة في شنّ ردّ فعّال لتستعيد المبادرة بعد بضعة ايام، وهي تحت النار.

في موازاة ذلك، وبينما تطورت ترسانة الصواريخ الإيرانية – لتشمل تقنيات تفوق سرعة الصوت بعشر مرات – تعلمت قيادتها في تقدير مدى فعالية أنظمة التتبع القائمة على الأقمار الاصطناعية المعادية في رصد أنشطة الإطلاق. ورغم صعوبة اعتراض إسرائيل للعديد من الصواريخ بسبب مساراتها العالية الارتفاع وسرعاتها غير المنتظمة، إلا أن ما زاد الطين بلة تمثل بسقوط حطام الاعتراض من الصواريخ الإيرانية والصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية مراراً وتكراراً داخل مناطق مأهولة بالسكان، ما رفع من قلق الجمهور وعقّد الاستجابة للطوارئ.

كما واجهت دفاعات إسرائيل صعوبة في التعامل مع صواريخ الجيل التالي الإيرانية. فبعضها يُمكن تتبعه عند إطلاقه، ولكن لا يُمكن اعتراضه قبل خروجه من الغلاف الجوي، بينما سلك البعض الآخر مسارات غير منتظمة أحبطت أنظمة الاستهداف. وكانت النتيجة موجة من الأضرار غير المتوقعة والذعر في كل أنحاء المدن الإسرائيلية.

حسابات إستراتيجية خاطئة

أوضح نتنياهو أن إسرائيل لا تتحرك بمفردها، وأن قدراتها الدفاعية الصاروخية مدعومة جزئياً بالتنسيق والدعم اللوجستي الأميركي. إلا أن الاعتماد على الأنظمة والأفراد الأميركيين يُبرز أيضاً محدودية قدرتها على تحمل صراع شديد الشدة بمفردها.

وارتكبت إسرائيل أخطاءً إستراتيجية فادحة ناجمة عن الثقة المفرطة والتصلب العقائدي. فقد كانت منشآتها العسكرية والاستخباراتية متمركزة تقليدياً في الشمال بالقرب من لبنان، مفترضةً أن «حزب الله» ليس بالتهديد الرئيسي.

وبعد تنامي قدرات الحزب الصاروخية، نُقلت العديد من المرافق الحيوية – بما في ذلك مركز أفيف أو مركز أبحاث أف – كام شديد السرية بالقرب من ديمونا – إلى الجنوب، ظناً منها خطأً أنها بعيدة المنال.

بدلاً من تحصين هذه المنشآت أو نقلها تحت الأرض تحسباً لضربات بعيدة المدى، اعتمدت إسرائيل على أنظمة اعتراض الصواريخ متعددة الطبقات، مثل القبة الحديدية ومقلاع داود ومنصات آرو. ورغم فعاليتها الجزئية، فقد صُممت هذه الدفاعات للمناوشات القصيرة مع الجهات الفاعلة غير الحكومية.

لطالما افترضت العقيدة العسكرية اشتباكات قصيرة وعالية الكثافة – تستمر عادةً لأيام أو أسابيع. وبدا هذا النهج ممكناً حتى أكتوبر 2024، عندما فككت إسرائيل مستودعات صواريخ «حزب الله» الرئيسية. وبعد وقف إطلاق النار مع لبنان، تحول الاهتمام إلى إيران. ومع ذلك، ورغم الاستعدادات التي سبقت الحرب والدعوات إلى تجديد الصواريخ الاعتراضية ونشر نظام «ثاد» الأميركي، فشلت تل أبيب في حساب حرب بحجم صواريخ إيران.

سرعان ما كشفت صواريخ إيران الفرط صوتية عن هذه النقاط العمياء. فوجهت ضربةً مدمرةً للغاية استهدفت مركز أفيف/أف-كام للأبحاث – أحد أكثر المنشآت العسكرية الصناعية سريةً – وسلّطت الضوء على مخاطر الاعتماد المفرط على الدروع الصاروخية من دون الاستثمار في الحماية تحت الأرض.

كما أخطأ المحللون الإسرائيليون في تقدير حجم ومرونة المخزونات الإيرانية. فرغم الخسائر الكبيرة في منصات الإطلاق ومستودعات التخزين، احتفظت طهران بالقدرة على شن حملة مطولة، كاشفةً عن عمق لوجستي وقدرة إستراتيجية على التحمل قللت إسرائيل من شأنها.

مرونة إيران الإستراتيجية

في المقابل، أظهرت إيران مرونةً إستراتيجيةً من خلال صمودها في وجه الهجوم الأولي والحفاظ على استمرارية العمليات تحت ضغط مستمر. وقد ألحق مزيجها من الردع الصاروخي والمرونة النفسية، تكاليف عسكرية وسياسية ليست بسيطة بإسرائيل.

لقد حوّل صمود طهران في وجه الهجمات المتقدمة تقنياً، الضعف إلى نفوذ. وفي حين أن النتيجة النهائية مازالت غير مؤكدة، فإن قدرة إيران على استيعاب الضغط والتكيف – رغم النكسات المبكرة – تتناقض في شكل صارخ مع تجاوزات تل أبيب واعتقادها بأن الولايات المتحدة ستدخل الصراع من دون تردد.

هذا الخطأ السياسي في التقدير، إلى جانب الاعتماد المفرط على أنظمة الاعتراض وعقيدة الحرب القصيرة، ترك إسرائيل متورطة في مواجهة أطول وأكثر صعوبة في التنبؤ.

كشفت الحرب عن محدودية عقائد كل منهما وتقادم نماذج الردع في القرن العشرين في عصر اتسم بالحرب الهجينة. انقلب اعتماد إسرائيل على الهجمات المفاجئة والدروع الصاروخية وافتراضات الصراعات القصيرة رأساً على عقب أمام عدو مصمم قادر على استيعاب الضرر والتكيف في الوقت الفعلي. لقد تغيرت طبيعة الحرب. أعادت المسيرات والأدوات السيبرانية والصواريخ المتطورة، رسم الخريطة الإستراتيجية، ما جعل الجغرافيا والتفوق التقليدي أقل حسماً.

ويعتمد النجاح الآن على القدرة على التكيف والقدرة على تحمل الصدمة التكنولوجية.

كما أخطأت إسرائيل في قراءة البيئة الجيو- سياسية. افترضت تل أبيب أن واشنطن ستتدخل عسكرياً بسرعة، وهو تقدير لم يتحقق بعد. ورغم استمرار التعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية، إلا أن الرئيس دونالد ترامب امتنع عن المشاركة المباشرة والعلنية. وقد أدى غموضه إلى تعقيد عملية صنع القرار في إسرائيل وإضعاف موقفها عسكرياً وديبلوماسياً.

لقد حوّلت إيران الضربة القاسية الأولية التي مُنيت بها إلى موقف تكيف إستراتيجي. لقد حسنت حملتها الصاروخية المستمرة، ومرونتها الاستخبارية، وابتكارها موقفها في زمن الحرب.

في المقابل، فإن ثقة إسرائيل المفرطة بأنظمة الاعتراض، وسوء فهمها للقدرات الإيرانية المخترقة للقبب الحديدية، واعتمادها على التدخل الأميركي المتسرع، كل ذلك جعلها عرضة لحرب أطول بكثير ما كان مخططاً لها.

هذا التباين – بين المرونة الإيرانية والتصلب الإسرائيلي – قد يترك آثاراً دائمة على المشهد الإستراتيجي تتجاوز الصراع الحالي بكثير.