
هل يفعلها «الحزب» وينخرط في الحرب وكيف ستتعامل معه الدولة؟
لم يكد رئيس مجلس النواب نبيه بري يؤكد «أن لبنان لن يدخل الحرب 200 في المئة لأن لا مصلحة له في ذلك، ولأنه سيدفع الثمن ولأن إيران ليست بحاجة لنا، بل إسرائيل هي التي تحتاج دعماً»، حتى عاجله أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ببيان يشير فيه إلى «أننا لسنا على الحياد وسنكون إلى جانب إيران بكل أشكال الدعم».
ويأتي هذا التباين بين الثنائي الشيعي ليعبّر عن اختلاف في الرؤى والولاء. فحركة «أمل» برئاسة الرئيس نبيه بري لا ترتبط بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي ملخّص عن عبارة «أفواج المقاومة اللبنانية» خلافاً لوضعية «حزب الله» المرتبط بولاية الفقيه والذي يعبّر عن هويته بأنه «المقاومة الإسلامية في لبنان». وعلى الرغم من هذا التباين يحرص الرئيس بري على احتوائه ونفي أن يكون بيان الشيخ قاسم رداً على كلامه، مؤكداً على الكلام المنسوب إليه أن «لبنان لن يشارك في الحرب، أما كلام قاسم فهو- في رأيه- موقف مبدئي لا يمكن للحزب اتخاذ غيره لأنه متضامن مع إيران».
واللافت أن كلام الشيخ نعيم أتى غداة صدور موقف عن مسؤولٍ إيراني رفيعٍ لقناة «الجزيرة»، جاء فيه «أن دخول أمريكا على خط المواجهة مع الكيان الصهيوني يعني أن الحزب سيتحرك».
وتأتي هذه المواقف في وقت تستعر عملية «الأسد الصاعد» بين إسرائيل وإيران، وتوحي بأنها تتجه إلى حرب استنزاف ما لم يحسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بالتدخل، في وقت كان مبعوثه إلى بيروت توم برّاك يحذّر من دخول «حزب الله» في هذه الحرب، ويرى فيه «قراراً سيئاً».
وبدا أن «حزب الله» يتجاذبه تياران، واحد عقلاني على بيّنة من خطورة إقحام الطائفة الشيعية في رهانات خاسرة جديدة ولا يريد الانخراط في الحرب المدمرة بعد كل الويلات التي أصابت الجنوب والضاحية والبقاع، وآخر متشدد متأثر بالحرس الثوري الإيراني وينتظر الضوء الأخضر من طهران للانضمام إلى المعركة واستخدام ما تبقّى من صواريخ لديه خصوصاً في منطقة البقاع لاستهداف تل أبيب وحيفا. وقد عبّر عن هذين الخيارين بيان «حزب الله» الذي اكتفى بوصف التهديد بقتل علي الخامنئي بأنه «حماقة وتهوّر وله عواقب وخيمة» من دون اللجوء إلى عبارات التهديد والوعيد، فيما عبّر عن الخيار الآخر كلام الشيخ قاسم «بأننا لسنا على الحياد».
وبين هذين التيارين داخل «حزب الله» هناك المزاج العام لدى الطائفة الشيعية الذي لا يحبّذ الدخول في مغامرات جديدة ولاسيما أنه طرح في السابق أكثر من علامة استفهام حول سبب امتناع القيادة الإيرانية عن تقديم الدعم المطلوب في حرب «إسناد غزة» وعن سبب عدم توجيه هذه الصواريخ المدمّرة إلى تل أبيب بعد اغتيال السيد حسن نصرالله وترك «الحزب» وحيداً في المواجهة.
وإلى المزاج الشيعي، هناك المزاج اللبناني العام لدى المسيحيين والسنّة والدروز الرافضين أي زج للبلد في حروب جديدة. وقد أثارهم كلام أمين عام «الحزب» مجدداً ورأوا «أن هذا الفريق يواصل التصرُّف وكأنه الدويلة التي ما زالت تسيطر على الدولة، فيُصِرّ على رفض الحياد وإقحام لبنان بصراعات المحاور، ويُعلن بالفم الملآن أنه سيتصرّف بما يراه مناسباً»، أي أن قرار الحرب ما زال بيده، وهو من يقرِّر الدخول في الحرب من عدمه. ويعتبر خصوم «الحزب» أن «موقف الشيخ نعيم يؤكد بأنه لا يلتزم بما وقّع عليه في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بتفكيك بنيته العسكرية في لبنان كله، ولا يلتزم بخطاب قسم رئيس الجمهورية جوزف عون، ولا يلتزم بالبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، ولا يلتزم باتفاق الطائف، ولا يلتزم بالقرارات الدولية».
ووفقاً لرؤية البعض أن موقف الشيخ نعيم موجّه بالدرجة الأولى ضد رئيس الجمهورية الذي أكد على احتكار الدولة للسلاح، وأخذ على عاتقه تحقيق هذا الهدف من خلال الحوار بينه وبين الحزب، فجاءه الرد أن إقحام لبنان بالحرب يعود لتقدير الحزب لا الدولة، وأن دوره لم يتبدل مع تبدل السلطة في لبنان.
ولكن هل يمكن ل «حزب الله» دخول الحرب وهو الذي خرج منهكاً من حرب «إسناد غزة» وما سيكون عليه موقف الدولة اللبنانية؟
في اعتقاد البعض أن «الحزب» مدرك لهذا الواقع وأن انخراطه لن يقدّم ولن يؤخر، وهو يحاول تلميع صورته امام اللبنانيين بأنه يقف خلف الدولة، لكنه يدرك في الوقت عينه أن إضعاف طهران سيتبعه إضعاف لموقفه في لبنان وفقدانه لأوراق القوة وسيسرّع حتماً تسليمه بقرار «نزع السلاح» الذي يربطه حالياً بحوار قد يطول ويُميّع حول الاستراتيجية الدفاعية.
اما الدولة اللبنانية التي عبّرت من خلال أركانها عن احتكار الدولة للسلاح ولقرار الحرب والسلم أكثر من مرة، لا يمكنها الوقوف بعد اليوم موقف المتفرّج تجاه أي محاولة لجرّ لبنان إلى الحرب. ويُفترض ألا تتعامل مع مثل هذا التوريط كما فعل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، لأن الظروف تغيّرت والمعطيات تبدلت ولم يعد من مكان لدولة «أبو ملحم»، وبالتالي من الواجب والبديهي إيصال رسالةٍ واضحةٍ لقيادة «الحزب» بأن الزمن الأول تحوّل وبأن قرارَ الحرب داخل الدولة لا خارجها، وأي محاولة لتوريط لبنان ستُواجَه ولو بالقوة العسكرية من قبل القوى الامنية الشرعية.