
“ألعاب القمار أونلاين”: حرب المليار دولار!
ماذا يحصل في كازينو لبنان؟ من أيقظ فكرة لاشرعيّة القمار أونلاين؟ وما هي خلفيّة الحملة المفاجئة التي طالت صالات “القمار الإلكتروني” عبر منصّة BetArebia؟
في الوقائع، انتشرت أخبار عن مداهمة أمن الدولة لمحلّات قمار عبر الإنترنت معروفة باسم Online gaming في عدد من المناطق اللبنانية وإقفالها بالشمع الأحمر، بالتوازي مع دخول عناصر من الجهاز نفسه مكاتب كازينو لبنان للاستماع إلى رئيس مجلس الإدارة رولان خوري في الملفّ ذاته، بعدما قصد الجهاز المكتب الرئيسي لشركة OMT للأسباب نفسها، لأنّ الشركة تقدّم خدمات دفع إلكترونية. وذلك بناء على إشارة قضائية صادرة عن المدّعي العامّ المالي بالإنابة القاضية دورا الخازن التي وضعت يدها على الملفّ، تحت عنوان عدم شرعيّة تشغيل الكازينو هذا النوع من أعمال الميسر وهذه الألعاب بواسطة منصّة BetARabia.
في هذا الوقت، تناقش لجنة نيابية فرعية منبثقة عن اللجان النيابية المشتركة، ويرأسها النائب طوني فرنجيّة، اقتراح قانون تنظيم هذه الألعاب، التي تستبيح المنازل والعائلات من دون ضوابط، وهو ما يستدعي وضع تشريع قادر على الحدّ من حالة التفلّت، لا سيما بين الشباب.
مسار قانونيّ… بغطاء ملتبس
بالعودة إلى مسار هذا الملفّ القانونيّ، يتبيّن:
– أنّ ألعاب القمار تخضع بشكل عامّ لوجهين من الضوابط في القانون اللبناني، وهما المنع والحصريّة. فالحصريّة أجازها القانون رقم 417 الصادر سنة 1954 والذي منح شركة كازينو لبنان حقّاً حصريّاً في استثمار ألعاب القمار في النادي الوحيد بالمعاملتين، وأُعيد تأكيد هذه الحصرية بموجب القانون 320/1994 و417/1995، قبل أن يوقّع وزيرا المالية والسياحة في عام 2008 على تعديلات جديدة على المادّة 10 من العقد الموقّع مع الكازينو سمحت له بشكلٍ حصريٍّ بتنظيم ألعاب القمار والمراهنات الرياضية Online. ثمّ أعاد وزيرا المالية والسياحة السابقان يوسف الخليل ووليد نصّار التوقيع في آذار 2023 على ملحق تعديليّ منح الكازينو جميع ألعاب القمار الحاضرة والمستقبلية، سواء أكانت مصنّفة بأنّها ألعاب قمار أم غير مصنّفة.
– حسم ديوان المحاسبة في رأي استشاريّ صدر في تشرين الأوّل 2023، بناءً على طلب رئيس الحكومة آنذاك نجيب ميقاتي في نيسان من العام نفسه، وإثر البلبلة التي أثارها العقد الموقّع بين الكازينو وOss (Olive Support Systems) المشغّلة لمنصّة BetArabia، عدم خضوع الكازينو لأحكام قانون الشراء العامّ.
غير أنّه نسف أيّ حقٍّ للكازينو في تنظيم ألعاب القمار “أونلاين”، لأنّه لا صفة قانونية له تخوّله ذلك. وعلى هذا الأساس اعتبر البعض أنّ العقد المبرم مع OSS تجاوزٌ للقوانين، شاركت فيه وزارتا الماليّة والسياحة، وأضرّ بمصالح الدولة الماليّة. وخلص ديوان المحاسبة إلى أن “لا صفة قانونية للكازينو بذلك”، استناداً إلى أنّه مُنح عام 1994، استناداً إلى قانون القمار لعام 1954، حقٌّ حصريٌّ في استثمار ألعاب القمار في النادي الوحيد في المعاملتين. وتطبيقاً لذلك، فإنّ العقد الأساسيّ الموقّع بين “الماليّة” والكازينو، عام 1995، يجيز للأخير تنظيم ألعاب القمار “الأرضيّة” حصراً، على أن تُحدّد شروط الاستثمار ومدّته بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.
غير أنّ إدارة الكازينو تجاوزت الأمر، استناداً إلى تعديل أدخلته وزارة المالية عام 2008 (مذكور أعلاه)، لجهة السماح للكازينو، بشكلٍ حصريّ، بتنظيم ألعاب القمار والمراهنات الرياضية Online.
ردّ طلب وقف الألعاب
– في الرأي الاستشاريّ ذاته، ردّ ديوان المحاسبة على طلب وقف العمل بمنصّة الـOnline التابعة لكازينو لبنان بأنّ “طبيعته هي من قبيل ممارسة سلطة وصاية على كازينو لبنان، وهو أمر غير صحيح البتّة، حيث إنّ شركة كازينو لبنان هي مساهمة صاحبة امتياز يحكم إدارتها وخياراتها نظام الشركة وقانون التجارة اللبناني الذي يحدّد في موادّه 21 و22 و23 طبيعة ومجالات سلطة الوصاية على المؤسّسات التابعة لها. وبالتالي هو واقع في غير محلّه القانوني، وهو من قبيل تجاوز حدّ السلطة”. وهذا يعني أنّه ترك باباً شرعيّاً لتغطية عمل المنصّة، وأوصى بالمقابل “بوجوب وضع الأطر القانونية والتنظيمية لقطاع القمار أونلاين، من دون إبطاء، بغية حماية حقوق الدولة الماليّة من جهة، وحقوق الأطراف كافّة من جهة أخرى”.
إذاً ألعاب الميسر عبر الإنترنت كانت جارية على مرأى من الدولة، وبشراكة غير مباشرة منها (كازينو لبنان المملوك بجانب كبير منه من شركة أنترا المملوكة بجانب كبير منها من مصرف لبنان) منذ أكثر من سنتين. وقد توسّعت دائرة نشاطاتها عبر اللبنانيين، لدرجة أنّ هناك من يعتقد أنّ حجم قيمة هذا القطاع قد بلغت مليار دولار، وهو ما يبدو أنّه أثار شهيّة الكثيرين، خصوصاً أنّ المعلومات تشير إلى أنّ شركة OSS تضمّ تشكيلة واسعة من القوى السياسية، ولو بشكل باطني غير ظاهر للعيان، ولا تظهره الوثائق الرسمية.
إعادة ترتيب الحصص
يمكن القول إنّ الشكوك حاضرة لتحيط بالحملة الأمنيّة – القضائية التي انفجرت فجأة في ملفّ القمار عبر الإنترنت، مع العلم أنّ القاضية دورا الخازن معروفة بنزاهة سلوكها القضائي. لكنّ وضع هذا الملفّ على طاولة النقاش العلنيّ والرسمي تحت عنوان عدم شرعيّة هذه الألعاب دفع كثراً إلى الاعتقاد أنّ هناك من يريد أن يعيد ترتيب تركيب الحصص في الشركة المشغّلة، لناحية إدخال شركاء جدد على حساب شركاء موجودين أو التعاقد مع شركة جديدة، بمعنى “قمّ لأجلس مكانك”، أو فتح السوق غير الشرعية على مصراعيها، خصوصاً أنّ ألعاب القمار الإلكترونية صارت منجم ذهب يتفوّق بمردوده على الكازينو بحدّ ذاته. وهو ما يجعل الحصريّة الموضوعة بين يدي شركةOSS أشبه بآلة طبع الأموال!
أكثر من ذلك، تذهب التكهّنات إلى حدّ الاعتقاد أنّ الحملة تستهدف أيضاً رئيس مجلس الإدارة رولان خوري، من خلال العمل للإطاحة به وتعيين رئيس مجلس إدارة جديد، مع العلم أنّ ولاية خوري الممدّدة تنتهي في نيسان 2026. غير أنّ مصادر رسمية تنفي وجود خطّة لاستبدال شخص بشخص، وإنّما التفكير هو للعمل على إنشاء مشروع سياحي تنافسيّ للكازينو يصار على أثره تسمية الشخص.