
الشرق الأوسط… على شفا حرب أوسع
– دولتان في المنطقة أبلغتا طهران بأن واشنطن تستهدف «النووي» فقط… ولا تسعى لتمدّد الحرب
رفع الحرس الثوري الإيراني مستوى التهديد، محذّراً من أن مفاعل ديمونا الإسرائيلي قد يصبح هدفاً مشروعاً. كما أعلن أن الأصول البحرية الأميركية في المنطقة ستتعرّض للهجوم، مما يدل على أن الدبلوماسية لم تعد المسار الأكثر رجحاناً في المنطقة.
وجاءت هذه التصريحات بعدما أعلنت الولايات المتحدة على لسان رئيسها دونالد ترامب قصف المفاعلات النووية في فوردو (تحت الجبال)، وناتانز وأصفهان، حيث تصنع الكعكة الصفراء.
الرد الفوري لإيران جاء عبر صواريخ مدمرة خرجت من صوامع تحت الارض من مسافة ألفي كيلومتر، وهي صواريخ تحتوي على الوقود السائل الذي يحتاج لساعات للتحضير – دحضاً لنظرية السيطرة الاسرائيلية الكاملة على المنصات والأجواء الإيرانية – لتضرب تل أبيب وحيفا ومناطق اخرى من دون ان تستطيع إسرائيل إسقاطها، فأحدثت 10 منها دماراً هائلاً.
وتبقى الأسئلة: هل ستهاجم إيران المواقع الأميركية؟ هل سيتدخل حلفاؤها؟ هل ستغلق الباب في وجه المفتشين الدوليين داخل منشآتها التي – بحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية – لم يتغير فيها منسوب الإشعاع مما يدل على عدم تسرب غاز اليورانيوم من المواقع المستهدفة، ويعني عدم إمكان التكهن بالنتائج التي أحدثتها الصواريخ الأميركية.
وقالت مصادر إيرانية مسؤولة، أن دولتين شرق أوسطيتين ابلغتا إيران بنيات الولايات المتحدة القيام بالهجوم الجوي ضد المنشأة النووية فقط، وبان الرئيس الأميركي لا يريد للحرب أن تتمدد ولا يريد التوسع بالقصف.
إلا أن ادارة ترامب فقدت صدقيتها عندما حددت يوم المفاوضات في مسقط، بعد 3 أيام من بدء الحرب الاسرائيلية على إيران، ومن ثم أعطت أسبوعين لطهران للاستسلام ليقوم بقصف المنشآت النووية بعد ثلاثة أيام فقط. بالاضافة إلى ذلك، رفض ترامب تقرير استخباراته عن أن إيران بعيدة عن صنع القنبلة النووية وكذلك تصريح المدير العام للوكالة الذرية رافاييل غروسي، بالتقدير المماثل.
«مفتاح توسيع الحرب»
وأكدت المصادر الإيرانية، أن طهران تمتلك مفتاح توسيع الحرب المستمرة والتي لا تستطيع إيقافها من دون قرار واضح من الأمم المتحدة توافق عليها بشروط إيران التي لم تبدأ الحرب.
إذ كشفت المفاوضات التي أجراها وزير الخارجية عباس عراقجي في فيينا يوم الجمعة عن خلافات حادة. فقد أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي طالبا طهران بوقف كل أنشطة تخصيب اليورانيوم، وتفكيك برنامجها الصاروخي، وقطع علاقاتها مع حلفائها الإقليميين، وهي شروط رفضتها رفضاً قاطعاً.
كان رد إيران قاطعاً، على لسان الرئيس مسعود بزشكيان «لن تُقدم أي تنازلات في شأن هذه العناصر الجوهرية لعقيدة أمننا القومي».
ومع ذلك، ترك المفاوضون الإيرانيون الباب مفتوحاً لمواصلة الحوار، شرط أن يقدموا للغرب ضمانات موثوقة بأن إيران لن تسعى لامتلاك سلاح نووي. في ضوء ذلك، تبقى الدبلوماسية خياراً قائماً، وإن كان مشروطاً بالاعتراف المتبادل بالخطوط الحمر غير القابلة للتفاوض.
وأخفت هذه المفاوضات حسابات جيو- سياسية أوسع نطاقاً. فطهران ترى أن هذه المطالب المتطرفة لا تتعلق بمنع الانتشار النووي بقدر ما تتعلق بتعزيز واشنطن وبروكسل لأجندة تل أبيب الإستراتيجية.
من وجهة نظر إيران، تُوظَّف الدبلوماسية الغربية كسلاح لتحقيق أهداف أقرّت القيادة العسكرية الإسرائيلية باستحالة تحقيقها من دون تدخل أميركي شامل لمصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
حتى مع إعلان إيران انفتاحها المشروط على استمرار المحادثات، انحرف المسار الإقليمي في شكل حاد نحو المواجهة. فتصلب المطالب الغربية – الذي يعكس إصرار إسرائيل على تجريد إيران من قوتها الرادعة – لم يترك مجالاً كبيراً للمناورة الدبلوماسية. وبدلاً من خفض التصعيد، ساهم اجتماع فيينا في تسليط الضوء على ما تعتبره طهران عبثية المفاوضات التي تُجرى تحت الضغط.
وقد تُرجم الفشل في إيجاد أرضية مشتركة الآن لحشد عسكري تبعته الضربة الأميركية من دون ان تشكل إيران خطراً على الولايات المتحدة.
لذا فإن الشرق الأوسط يتأرجح الآن على شفا مواجهة طويلة ودموية – مواجهة تهدد بإعادة رسم الخريطة الاستراتيجية للمنطقة، وتكبد خسائر بشرية واقتصادية فادحة، وتختبر قدرة القيادات السياسية والتحالفات العسكرية على حد سواء على التحمل.
فما كان في السابق مواجهة سرية تحول إلى استعداد علني لصراع بين الدول. إذ ان إجلاء المواطنين الأميركيين من إسرائيل، مقترناً بالزيادة السريعة في الأصول العسكرية الأميركية إلى المنطقة – وقيام قاذفات «بي – 52 ستراتوفورتريس»، وقاذفات الشبح «بي-2»، وثلاث مجموعات حاملات طائرات بالتدخل وضرب ثلاث منشآت نووية في إيران يُشير بوضوح إلى أن الوقت الدبلوماسي نفد، وبان الولايات المتحدة تستطيع تطوير قصفها ومعاودة الهجوم على إيران من جديد.
بالنسبة إلى طهران، لم يعد الرد ورقة مساومة، بل ضرورة وجودية. إذ ان مبدأ ولاية الفقيه لا يُصوّر الاستسلام على أنه مجرد هزيمة، بل انهيار. انطلاقاً من عقيدة الوصاية والاستقلال السياسي، يُضفي مبدأ ولاية الفقيه على السياسة الخارجية الإيرانية إطاراً لا تُعتبر فيه المقاومة أمراً دينياً فحسب، بل لا غنى عنها إستراتيجياً.
يعكس هذا الموقف المتطور اقتناعاً متنامياً داخل القيادة الإيرانية بأن البقاء يتطلب المقاومة – ليس فقط لأسباب أيديولوجية، ولكن كإجراء عملي لسيادة الدولة.
وتشير الحسابات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية إلى أن الاستسلام من شأنه أن يُعجّل من زعزعة الاستقرار الداخلي ويشجع على المزيد من العدوان الخارجي. وأمام هذه المعادلة، لا تعود المواجهة عملاً متهوراً، بل تعبيراً مدروساً عن الحفاظ على الذات الوطنية.
مع تزايد العتاد العسكري وتكثيف خطاب الحرب وتدخل اميركا، تجد المنطقة نفسها عالقة بين منطقين متعارضين: أحدهما مدفوع بدبلوماسية متطرفة ذات دلالات قسرية، والآخر بعقيدة تساوي بين الردع والتحمل. ما لم تظهر مسارات دبلوماسية جديدة، فقد يتجه الشرق الأوسط نحو حرب أوسع نطاقاً لم يسعَ إليها أي من الجانبين في الأصل – ولكن قد يجداها الآن حتمية.
ركز نتنياهو على التصعيد قصير المدى من دون صياغة خطة نهائية قابلة للتطبيق على المدى الطويل. وقد حث هو وحكومته علناً على تدخل عسكري أميركي شامل في حرب بدأتها إسرائيل لكنها لا تستطيع حسمها بمفردها.
في حين أن واشنطن التي أقدمت فعلياً على المشاركة كانت قدمت دعماً عسكرياً حاسماً على الرغم من المساعدات العسكرية – من الذخائر والصواريخ الاعتراضية إلى الدعم اللوجيستي والطواقم الجوية الأميركية النشطة – وإلا أن حجم ووتيرة الحشد يشيران إلى استعدادات ليس للردع بل لتوسع الحرب.
ولتعزيز التفوق الجوي، نشرت الولايات المتحدة طائرات إضافية من طراز «غف-16 وإف-22 وإف-35» في قواعد رئيسية في جميع أنحاء المنطقة. وتُكلَّف هذه الطائرات باعتراض الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز والطائرات المأهولة التي تستهدف مواقع الحلفاء أو المدنيين.
ويضمن وجودها تغطية سريعة الاستجابة على جبهات عدة، ويعكس الحشد الأميركي استعداد واشنطن للانخراط في صراع متعدد المسارح وشديد الكثافة.
في البحر، تعمل الآن ثلاث مجموعات ضاربة لحاملات الطائرات في شرق البحر المتوسط وبحر العرب. كل منها مصحوب بمدمرات مجهزة بنظام إيجيس مثل يو إس إس سوليفان ويو إس إس أرلي بيرك، المسلحة بأنظمة اعتراضية إس إم-3 وإس إم-6. معاً، تشكل هذه المدمرات درعاً متحركاً متعدد الطبقة ضد التهديدات الباليستية الإيرانية، وتوسع نطاق الدفاع الأميركي إلى ما هو أبعد من المجال الجوي الإسرائيلي.
في خضم هذا التوتر، تشير الدلائل إلى أن ترامب ينسجم في نهاية المطاف مع أهداف نتنياهو والخطة التي اعدت منذ وقت ليس بقصير، داعماً جهداً حربياً أوسع.
تفتيت إيران!
يبدو أن الهدف الاستراتيجي لإسرائيل هو تفتيت إيران – أي تفكيك منافس إقليمي محتمل. لطالما اعتبرت تل أبيب أي دولة شرق أوسطية متماسكة وقوية تهديداً لسيادتها الاستراتيجية. إن منطقة مقسمة إلى كيانات ضعيفة ومتعارضة في ما بينها أسهل بكثير في التعامل معها.
لا ترغب واشنطن في صعود أي قوة أو تحالف قد يهدد هيمنتها الراسخة في المنطقة. في هذا السياق، يشير تقارب المصالح الاستراتيجية الأميركية والإسرائيلية إلى أفق بالغ الخطورة، حيث يُحتمل أن يتحوّل الردع إلى مواجهة شاملة، وقد تكون الدبلوماسية قد فات أوانها.