
خاص- روسيا أبلغت عراقجي: لا نستطيع مساعدتكم
من المفترض أن يكون وقف لإطلاق النار قد دخل حيّز التنفيذ صباح اليوم بين إيران وإسرائيل، على رغم عدم إعلان ذلك رسميّاً من جانب طهران، التي تنفي التوصّل إلى أيّ اتّفاق بهذا المعنى. ولكنّ توقّف العمليّات العسكرية بين الجانبين، يعني أنّ عمليّة “مطرقة منتصف الليل” الأميركية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية قد فعلت فعلها.
إنّه عمليّاً اتّفاق استسلام، على غرار الاتّفاق بين لبنان وإسرائيل إثر الضربات الموجعة التي تلقّاها “حزب الله”. حينها تخلّت طهران عن “الحزب”، في محاولة للحفاظ على نفسها ونظامها. واليوم، ها هي روسيا، الحليف الأقوى للجمهورية الإسلامية تتخلّى بدورها عن إيران، كما تخلّت قبل ستّة أشهر عن نظام الأسد، حفاظاً على مصالحها في مكان آخر.
لعب النظام الإيراني تقريباً كلّ الأوراق التي يمتلكها، بعد تدمير برنامجه النووي بقوّة النيران الأميركية. لم يعد لديه أذرع ليعتمد عليها في خطّ الدفاع الأوّل، كما كان يفعل دائماً. فالحرب الإسرائيلية، التي بدأت من غزّة، ثمّ انتقلت إلى لبنان، قبل الوصول إلى الرأس، مهّدت الطريق، عبر إنهاء فاعلية “حزب الله”، ثمّ سقوط النظام الأسدي في سوريا، للوصول إلى ضرب إيران، من دون أيّ قدرة لديها على طلب المساعدة من الوكلاء.
ومع خسارة البرنامج النووي، الذي كان مصدر القوّة الأساسي لإيران، جرّبت طهران لعب أوراقها المتبقّية والمتمثّلة بضرب القواعد الأميركية في المنطقة، والتلويح بإغلاق مضيق هرمز، والاستعانة بكلّ من الصين وروسيا. ولكنّ كان الأوان قد فات.
فالزيارة العاجلة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي لموسكو، كانت محاولة لاستكشاف إمكانات المساعدة الروسية. ولكنّ الرئيس فلاديمير بوتين أفهم زائره، أنّ أقصى ما يمكن أن تفعله موسكو هو تقديم الدعم لبقاء النظام، في حال قبل بالشروط الأميركية المتعلّقة بالبرنامج النووي، والصواريخ البالستية، وإنهاء وكلاء إيران في المنطقة.
وقد فهم وزير الخارجية الإيراني أنّ الأوراق تتهاوى، وأنّ الأفضل لبلاده أن “ترضخ” الآن. فروسيا، التي أسهمت إيران بمدّها بالمسيّرات في لحظة حرجة من حربها مع أوكرانيا، لا تستطيع ردّ “الجميل” لها. فهي، المنشغلة بحربها مع كييف، تبحث عن طرق لتحقيق اتّفاق رابح إلى حدّ معيّن في الموضوع الأوكراني. لذا لا يمكنها أوّلاً التدخّل العسكري، لضعف الإمكانات حاليّاً، ثمّ لعدم إغضاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، طمعاً بالتوصّل إلى اتّفاق مرضٍ مع أوكرانيا.
كما أنّ بوتين كان قد فهم اللعبة منذ إطاحة النظام في سوريا، وعرف أنّ لا مكان لبلاده في هذه المرحلة في الشرق الأوسط، الذي سيصبح منطقة نفوذ أميركية بالكامل. فانسحب بهدوء من الملفّ، وهو الذي كان أسهم عبر تدخّل طائراته في المراحل الأولى من الحرب السورية، في منع سقوط النظام حينها. ولكن الأمور انقلبت رأساً على عقب. وهمّه الآن مركّز على أوكرانيا.
لذا، كان المخرج، أن تقوم طهران بتوجيه ما يوصف بضربة “حفظ ماء الوجه”، قبل إنهاء الصراع الذي خسرته في شكل فادح. ولذلك، فهي أبلغت كلّاً من الدوحة وواشنطن، بأنّها ستستهدف قاعدة العديد الأميركية في قطر. وكان هناك متّسع من الوقت لإخلائها، في حين تمّ اعتراض الصواريخ الإيرانية، ولم يسقط منها سوى واحد، لم يتسبّب بأيّة أضرار. وعلى سبيل التهكّم، وصف ترامب الردّ الإيراني على تدمير البرنامج النووي بأنّه ضعيف جداً.
أمّا الحليف الآخر لإيران، أي الصين، فتُعتبر لاعباً هامشيّاً في الصراع في الشرق الأوسط. وما يهمّها هو الاستقرار العام للتجارة في المنطقة، واستمرار تدفّق الطاقة. وهي، بإمكانها أن تدعم طهران عبر عدم التصويت لقرارات في مجلس الأمن ضدّها، كما فعلت عند التصويت على قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، الذي أعلن أنّ إيران انتهكت التزاماتها، لكنّ بكّين لن تخوض الحرب بالطبع من أجل طهران، على رغم تعمّق العلاقة بين البلدين في السنوات الأخيرة، ولكنّها لم تصل إلى مرحلة تصبح فيها علاقة استراتيجية قويّة.
ماذا بقي من أوراق لدى إيران إذاً؟
حتّى التلويح بإغلاق مضيق هرمز أصبح خارج قدرتها، لأنّ عملاً كهذا يعيق التجارة الدولية، سيؤدّي إلى وقوف جميع الأطراف ضدّها، وستنضمّ عندها دول عدّة غربية وخليجية إلى حلف يستهدف إيران، بما لا تستطيع تحمّله، وبما يعرّض نظامها للانهيار بالكامل.
قد يستكين النظام الإيراني لسنوات، وينتظر تغيّر الظروف وموازين القوى. لكنّ إسرائيل، التي حضّرت خلال ما يقارب العشرين سنة لخطّة تطيح بها إيران وأذرعها، ستواصل عملها، بمساعدة واشنطن، على مزيد من إضعاف النظام الإيراني.