
ارتياحٌ لحياد «الحزب» عن الحرب الطاحنة وارتيابٌ من «ارتطامٍ» محتمَل في ملف السلاح
من خلف غبارِ الجولات اللاهبة من الحرب الإسرائيلية – الإيرانية التي تُنْذر بأن تتحول «جاذبةَ صواعق» في ضوء المنحى الدراماتيكي الذي اتخذتْه بانخراط الولايات المتحدة فيها بـ «مطرقة منتصف الليل»، يلوح في لبنان ارتياحٌ نسبي لثبات «حزب الله» حتى الآن على إستراتيجية «التضامن» مع الجمهورية الإسلامية «عن بُعد»، في موازاة ملامح ارتيابٍ من أن النأيَ عن الانفجارِ الإقليمي الأخطر و«الإفلات» من تشظياته ربما لن يجنّب البلاد «كأساً مُرّة» يُخشى أن تُضطرّ لتجرُّعها في ملف سلاح الحزب ما لم يُعالَج وفق «الهدف النهائي» الذي لا تنفكّ واشنطن تعاود التذكير به أي سحْبه جنوب الليطاني وشمال النهر.
وفي الوقت الذي كان التدقيقُ على أشدّه في نتائج «الضربات الزلزالية» الأميركية وإذا كانت فعلاً أفضتْ إلى «محو» البرنامج النووي لطهران أو «دفنه تحت الأنقاض»، وسط تحرياتٍ عن «الرسالة المشفّرة» من الرئيس دونالد ترامب التي بدا معها أنه وضع علامة x على النظام الإيراني وفَتَحَ الباب مواربة أمام احتمال تغييره وإن «مع وقف التنفيذ»، لم يكن عابراً أن يُكمل «حزب الله» بسياسةِ الابتعاد «عن النار» والاكتفاء حتى الساعة بمواقف تَضامُنٍ مع إيران بوجهِ ما وصفه بـ «الجنون» الأميركي، ما اعتُبر انعكاساً لأمريْن:
– «اليدان المكبّلتان» للحزب الذي أثخنتْه حرب لبنان الثالثة بالجراح، وهي التي كانت بمثابة «كاسحة ألغام» استخدمتْها إسرائيل لتعبيد الطريق أمام الشرق الجديد الذي مرّت «حلقته» الثانية بسقوط نظام بشار الأسد في سورية، قبل أن تصبح إيران نفسها بـ «رؤوسها» النووية والبالستية و«الأذرعية» (أذرعها في الإقليم) تحت «المقصلة» الإسرائيلية – الأميركية.
– واعتبار أن طهران حتى الساعة تتمتع بـ «اكتفاء ذاتي» على صعيد إدارة ما بات «حربَ بقاء» بأدواتها العسكرية والصاروخية المباشرة وبما يَضْمَن دوْزَنةَ ردات الفعل على «العملية الجِراحية» الأميركية بما لا يعمّق جرَّها إلى نقطة اللاعودة، هي التي باتت وفق أوساط سياسية مطلعة في منتصف نفق مظلم، وراءها معادلاتٌ انتهتْ وموازين اختّلت بالكامل ومحور «يتحلل»، وأمامها مَخاطر أكبر صار معها نظامها في ذاته على المحكّ في حال أفرط في المُخاطرة بخياراتٍ «انتحارية» وفرّط بـ «نافذة» ديبلوماسية مازال ترامب يُبْقيها مفتوحة وإن على رياح «استسلام غير مشروط».
وفيما كانت المنطقةُ وعواصم غربية ترفع مستوى التحوط تحسُباً لردّ إيراني على الضربة الأميركية التي كرّست التفوّق العسكري الهائل والمتعدّد البُعْد لواشنطن، مع ما لذلك من معانٍ على المستوى الجيو – سياسي، عاود الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم صوغ موقفه من الحرب الإسرائيلية – الأميركية مع إيران تحت سقفٍ بدا تراجعياً عن إعلانه الخميس الماضي «لسنا على الحياد ونتصرفُ بما نراه مناسباً في مواجهة هذا العدوان الغاشم».
فقاسم أكد في مقابلة تلفزيونية اليوم، «أن إيران ستنتصر لأنَّها صاحبة حق ومُعتدَى عليها ولديها شعبٌ متماسك ترك خلافاته ليكون موحَّداً في مواجهة العدوان الأميركي الإسرائيلي».
وإذ شدّد على أن «تهديد ترامب باغتيال الإمام الخامنئي عملٌ دنيء وفي الوقت نفسه دليلُ ضعف»، لفت إلى أن «الرئيس الأميركي جاهلٌ لمكانة هذا المرجع الكبير عند المسلمين وفي العالم وجاهلٌ للتداعيات الخطيرة لمثل هذه التهديدات».
وأضاف أن «الاعتداء على إيران ستكون له أثمان كبيرة جداً لأن المنطقة بأكملها في خطر».
وجاء هذا الموقف غداة إعلان «حزب الله» في بيان له «أن العدوان الأميركي الهمجي الغادر على المنشآت النووية السلمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة كأكبر تهديدٍ للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي»، مؤكداً «تَضامُننا الكامل مع الجمهورية الإسلامية، قيادةً وشعباً، وكلنا ثقة في قدرة إيران القوية بحقّها ونموذج قيادتها الصلبة والشجاعة، وشعبها المعطاء والعزيز، وحرس ثورتها وقواها الأمنية والعسكرية اليقظة والمضحّية، على مواجهة هذا العدوان».
وفي موازاة هذا «الاحتساب» من حزب الله لأي انخراطٍ في الحرب، أقله حتى الساعة، بدأت مصادرُ مطلعةٌ تُبْدي خشيةً من أن تجاوُز لبنان «قطوع» هذه المرحلة البالغة الحَراجة قد لا يجنّبه «الاصطدام» بمأزقٍ ربما لا يكون ممكناً تفاديه وتحديداً في ملف سحْب سلاح الحزب ما لم يُسْرِع في وضْع إطارٍ ناظمٍ «مُجَدْوَل» لهذا المسار الذي تستعجل واشنطن إنجازه «بالأمس قبل اليوم» وأظْهرت تل أبيب في ضوء سلوكها حيال إيران نفسها، واعتمادها خيار القوة لسحْب «سلاحها النووي والبالستي»، أنها لن تتساهل بإزائه تحت أي ظرف.
ولم يكن عادياً في هذا الإطار ما كشفته تقارير إعلامية في بيروت عن أن الموفد الأميركي إلى سوريا توم باراك، وفي موازاة تحذيره من لبنان، «نيابة عن الرئيس ترامب» من أن أي تورط لحزب الله في الحرب سيكون «قراراً سيئاً جداً جداً جداً»، أكد أمام المسؤولين اللبنانيين الأسبوع الماضي، وجوب المضي بتنفيذ التزام حصر السلاح بيد الدولة وترسيم الحدود مع إسرائيل وأنه سلّم رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة ورقة عمل من 15 صفحة تتمحور حول سيناريوهات واقتراحات للمرحلة المقبلة، تشمل: سحب السلاح، الانسحاب الإسرائيلي، إعادة الإعمار، الإصلاحات، والمساعدات الدولية للبنان.
«المطلب مقابل المطلب»
وبحسب موقع «المدن»، فإن الورقة التي تعتمد مقاربة «المطلب مقابل المطلب»، وفق صيغة ممرحَلة، يفترض أن تكون باتت محور درس من الرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام، الذي توجه أمس إلى قطر، وسط تقديراتٍ بأن باراك يتوقع سماع الردّ اللبناني حين يعود إلى بيروت بعد نحو 3 أسابيع.
وتقاطعت هذه التقارير مع ما أوردته قناة «الجديد» عن أن الملفات التي كانت الموفدة السابقة مورغان أورتاغوس وفريقها أنهت العمل عليها عاد بها بارّاك ووضعها للتنفيذ «ضمن مهلة زمنية واضحة على أن يتقدّمها قرار رسمي للحكومة بحصر السلاح»، وأن «إقرار حصر السلاح بإجماع حكومي هو الخطوة الأولى المطلوبة من لبنان يليه الانسحاب الإسرائيلي (من التلال الخمس) وتثبيت الحدود» وأن «واشنطن تطالب لبنان بإجماع رئاسي على قرار حصر السلاح وإحالته إلى مجلس الوزراء لإقراره».
حماية المصالح الأجنبية
في هذه الأثناء، عزز الجيش اللبناني وحداته لحماية المصالح الأجنبية وقام بتعزيز النقاط الثابتة في اتجاه هذه المصالح ولاسيما الأميركية، وذلك في ظلّ تصاعُد التوتر وارتفاع المخاطر من تداعيات الحرب خصوصاً بعد الضربة الأميركية على المنشآت النووية الثلاث.
ونقلت قناة «العربية» عن مصادر عسكرية أن الجيش رفع جهوزيته بنسبة 75 في المئة للأفواج والألوية العملياتية المنتشرة على الأرض كما قام بتعزيز الانتشار العسكري على الحدود الشمالية مع سورية لضبط عمليات التهريب على أنواعها.
وكانت السفارة الأميركية أعلنت أن وزارة الخارجية أمرت الأحد بمغادرة أفراد العائلات والموظفين الحكوميين الأميركيين غير الأساسيين من لبنان «نظراً للوضع الأمني المتقلب وغير القابل للتنبؤ في المنطقة»، مع توصية لمواطنيها بـ «عدم السفر» إلى «بلاد الأرز».