9379 كيلوغراماً من اليورانيوم «المخصب والآمن» … قد يُغيِّر كل شيء

9379 كيلوغراماً من اليورانيوم «المخصب والآمن» … قد يُغيِّر كل شيء

المصدر: الراي الكويتية
25 حزيران 2025

رغم إعلان وقف النار والموافقة المتبادلة عليه (من دون أن يحوي أي بنود إلزامية)، أدخلت الغارات الجوية الأميركية والإسرائيلية على البنية التحتية النووية الإيرانية، المنطقة في مستقبل غامض ومحفوف بالأخطار.

ووسط سيل التصريحات الرسمية والتهديدات بالانتقام والمناورات الجيو- سياسية المستقبلية، يبقى سؤالان جوهريان من دون إجابة واضحة: ما هي العواقب الفعلية للضربات على البرنامج النووي؟ وماذا حدث لما يُقدَّر بنحو 9379 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصَّب الذي كانت إيران قد خزَّنته بمستويات نقاء مختلفة؟

تؤكد مصادر رسمية أميركية وإسرائيلية، أن ثلاثة مواقع نووية دُمِّرت، لكن لم يُفصِّل أيُّ تأكيد مستقل حتى الآن بحجم الضرر، أو ما إذا كانت الضربات قد نجحت في إنهاء أو إضعاف قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم… هل كانت هذه قاعات أجهزة طرد مركزي عاملة أم هياكل دعم جانبية؟ هل احتوت هذه المواقع على سلاسل تخصيب نشطة أم كانت أهدافاً رمزية إلى حد كبير؟

قد يكون صمت الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن هذه التفاصيل إستراتيجياً، لكن الغموض يفتح الباب أمام تكهنات جدية.

يتجاوز القلق مسائل النجاح أو الفشل العسكري، بل يمتد إلى السلامة البيئية والبشرية. إذا كانت أجهزة الطرد المركزي نشطة عند استهدافها، فهل انطلقت مواد مشعة؟ هل أصيب أو قُتل أي فرد؟ هل كان هناك أي تلوث إشعاعي قابل للقياس ومازال مطموراً؟

حتى الآن، لم تُصدر أي هيئة دولية، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تقويماً عاماً نهائياً، وهي طلبت الوصول إلى المواقع المستهدفة، ودعت إلى تفتيش كامل لمخزون اليورانيوم الإيراني، مع تأكيدها عدم رصد أي مستويات غير عادية من الإشعاع حتى الآن.

ومع ذلك، فإن غياب معلومات واضحة وموثقة يشكل فراغاً خطيراً. في منطقة غارقة بالفعل في التقلبات، قد يكون هذا النوع من التعتيم المعلوماتي أكثر زعزعة للاستقرار من الضربات نفسها.

مسألة الـ 9379 كيلوغراماً

الأمر الأكثر إثارة للريبة هو عدم وضوح مخزون إيران من اليورانيوم المخصب. فوفقاً لأحدث تقرير للوكالة الذرية الصادر في مايو 2025، تمتلك إيران ما يقارب 9379 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بمستويات نقاء متفاوتة. الغالبية منها – نحو 8840 كيلوغراماً – مخصبة إلى مستويات نقاء خمسة في المئة أو أقل، تُستخدم عادةً كوقود للمفاعلات، وتُشكل الجزء الأكبر من المخزون المُعلن.

يوجد نحو 130 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة تراوح بين 20 في المئة وأقل بقليل من 60 في المئة في صورة خردة، مُقاسة من مواد عُثر عليها في صهاريج التفريغ. وبينما يُعد هذا الجزء أقل عرضة لخطر الانتشار الفوري نسبياً، إلا أن وجوده قد يُشير إلى عمليات تخصيب غير مُعلنة أو تجريبية.

الفئة الأكثر إثارة للقلق هي اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة نقاء 60 في المئة، ويبلغ إجمالها نحو 408.6 كيلوغرام. هذا المخزون لا يبعد سوى خطوة قصيرة عن المواد الصالحة للاستخدام في الأسلحة (90 في المئة) ويمثل تهديداً كبيراً بالانتشار. ويقدر الخبراء أن هذه الكمية يمكن أن تنتج مواداً تصل إلى تسعة أسلحة نووية إذا تم تخصيبها في شكل أكبر.

يؤكد هذا التحليل المحدث على خطر الانتشار، في حين أن اليورانيوم منخفض التخصيب (LEU) يشكل خطراً فورياً ضئيلاً، فإن 408.6 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60 في المئة – وهي خطوة فنية واحدة فقط من درجة صنع الأسلحة – تمثل تهديداً أكثر إلحاحاً.

وبالمعدل الحالي للتخصيب في إيران، يمكن أن يتجاوز المخزون 450 كيلوغراماً سنوياً إذا استمر التخصيب من دون رادع ولا رقابة.

يحذر محللون أمنيون من أن المنشآت الموجودة تحت الأرض مثل فوردو، يمكن أن تحول بسرعة مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة إلى مستويات صالحة للاستخدام في الأسلحة.

من الناحية النظرية، تمتلك فوردو وحدها القدرة على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة لما يصل إلى تسعة أسلحة نووية في أقل من شهر في حال اختارت إيران تجاوز هذه العتبة. ومع ذلك، يعتمد الكثير على مدى الضرر الذي لحق بالموقع خلال الضربات الأخيرة، ومدى سرعة طهران في استعادة أو استبدال أجهزة الطرد المركزي المتطورة.

في غياب اتفاق مُوثّق وموثوق، قد لا تنظر إيران إلى التسلح كخيار، بل كضرورة إستراتيجية.

التداعيات الإستراتيجية

إذا فشلت الضربات في القضاء على الإمكانات النووية الإيرانية، فربما كان لها تأثير معاكس يعزز عزم طهران على نقل برنامجها إلى مستوى أعمق تحت الأرض بعيداً عن المتناول. قد يجادل المسؤولون الإيرانيون بأن الدبلوماسية قد استُبدلت مرة أخرى بالقوة الغاشمة، مما يُبرر الانسحاب الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي أو التسرع في تسليح قدراتها النووية كرادع.

من وجهة نظر واشنطن، كان الهدف هو بعث رسالة عزم وتحقيق ضربة قاضية تقنية وقطف ثمار ما مهدت له إسرائيل عندما بدأت اعتدائها. لكن من دون شفافية لاحقة، فإن هذه الرسالة معرضة لخطر سوء الفهم. ففي طهران، قد يُنظر إليها على أنها علامة يأس؛ وفي تل أبيب، كضوء أخضر للتصعيد؛ وفي العواصم العالمية، كدليل على أن الاتفاق النووي أصبح الآن جثة هامدة لا أحد يرغب في دفنها.

دعا المجتمع الدولي، والوكالة الذرية، إلى إتاحة الوصول الفوري إلى المواقع النووية التي تعرضت للقصف، وإجراء حصر شامل لكل اليورانيوم المخصب… الشفافية ليست خياراً، بل هي ضرورية لتجنب كارثة إقليمية. فمن دون تحقق مستقل، يرتفع خطر سباق تسلح جديد في الشرق الأوسط في شكل حاد، وكذلك احتمال انتشار الأسلحة أو وقوع حادث كارثي يتعلق بمواد نووية غير مؤمنة أو سيئة الإدارة.

ورداً على ذلك، قدمت إيران شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة، متهمة المدير العام للوكالة الذرية رافاييل غروسي، بالتقصير في إدانة ما شكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، وهو الاستهداف العسكري للمنشآت النووية المحمية.

وبموجب المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، يُحظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي، إلا في حالات الدفاع عن النفس أو بتفويض من مجلس الأمن.

علاوة على ذلك، وبموجب النظام الأساسي للوكالة الدولية واتفاقية الحماية المادية للمواد النووية (CPPNM) – التي وقّعت عليها كل من إيران والعديد من الدول الأخرى – تُمنح المنشآت النووية الخاضعة للضمانات الدولية الحماية من الهجمات المسلحة نظراً لخطر إطلاق المواد المشعة وانتشارها.

وتجادل طهران بأن الوكالة الذرية، بصمتها، تُخاطر بإضفاء الشرعية على السابقة القائلة بإمكان مهاجمة المواقع النووية المحمية من دون عواقب. كما تُجادل بأن هذا الصمت يُقوّض حياد الوكالة وقد يفضي إلى عدم التعاون المستقبلي مع عمليات التفتيش الدولية. وتُصرّ على أن القصف لا يُهدد الأمن الإقليمي والبيئي فحسب، بل يُصيب أيضاً قلب نظام منع الانتشار العالمي.

القدرات الصاروخية الإيرانية

وفي الوقت نفسه، يُسلّط فشل الدفاعات الإسرائيلية في اعتراض غالبية الضربات الصاروخية الإيرانية الانتقامية، الأسرع من الصوت، على تل أبيب وحيفا، الضوء على حقيقتين حاسمتين: التطور السريع في تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية، وتآكل موثوقية أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية التي كانت تُفاخر بها سابقاً.

وكشفت هذه الضربات، التي نُفذت بدقة وسرعة فاقت قدرات الاعتراض الحالية، عن نقاط ضعف خطيرة في بنية الدفاع الإسرائيلي متعددة الطبقات. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه المحطة تمثل تحذيراً صارخاً لما قد يحدث إذا ما سُلِّحت هذه الصواريخ برؤوس نووية أو رؤوس حربية متعددة عالية القوة في المستقبل.

إن سوء التقدير الإستراتيجي في مثل هذا السيناريو من شأنه أن يحمل عواقب وخيمة – ليس فقط على إسرائيل وإيران، بل على الاستقرار الإقليمي، وربما العالمي. إن القفزة التكنولوجية التي تمثلها هذه المنصات الأسرع من الصوت تزيد من أخطار أي صراع مستقبلي، وتُعيد تعريف معايير الردع في الشرق الأوسط.

إلى أن يتم إجراء تقويم موثوق ومستقل للأضرار التي لحقت وحصر كامل لمخزون اليورانيوم الإيراني، فإن العالم يسير أعمى – وهامش الخطأ ضئيل للغاية. إذا كانت للديبلوماسية فرصة، فإنها تكمن في اختراق هذا الضباب بالحقائق وعمليات التفتيش والمساءلة… أي شيء أقل من ذلك هو مقامرة ذات عواقب عالمية.