
وقف نار من دون اتفاق… إستراحة لجولة مقبلة بين إيران وإسرائيل!
هدوء مقابل هدوء، لكن من دون نهاية الحرب… هكذا بدا وقف النار بين إسرائيل وإيران، ولكن ليس من خلال مفاوضات أو معاهدة أو تفاهم متبادل. بل جاء من خلال إعلان أحادي الجانب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أُقرّ فوراً داخل مجلس الوزراء الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو.
ما يلي ليس سلاماً، بل هدنة خطيرة: وقف إطلاق نار من دون إجماع أو اتفاق مفصل، مبني على روايات متنازع عليها وأهداف لم تُحسم. بل قد تكون هذه الهدنة مجرد استراحة.
لقد انسحبت الحكومة الإسرائيلية من غزة لمدة 12 يوماً فقط، لتعود مرة أخرى. ربما يكون نتنياهو حصل على دفعة إيجابية داخلية طفيفة بحربه على إيران على المدى القصير، لكن هذا لن يحميه من الانتقادات التي تنتظره قريباً.
«رواية انتصارية»
بالنسبة إلى إسرائيل، فإن رواية نتائج الحرب على إيران هي رواية انتصارية. تزعم حكومة نتنياهو أنها حققت جميع أهدافها الإستراتيجية: شلّ البرنامج النووي، تدمير البنية التحتية الحكومية والعسكرية الرئيسية، اغتيال أكثر من 12 عالماً نووياً بارزاً، تأكيد تفوق جوي لا جدال فيه فوق الأجواء الإيرانية خلال ذروة الهجوم، وتدمير برنامج الصواريخ الإيراني. بل ذهب نتنياهو إلى حد إعلان إسرائيل «دولة عظمى».
قُوبِل ادعاء نتنياهو بتفكيك وتدمير البرنامج الصاروخي بالتشكيك. لكن اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار روّت قصة أخرى. أطلقت إيران دفعة من الصواريخ أصابت أهدافاً إسرائيلية وقتلت سبعة أشخاص. لم تكن الكلمة الأخيرة لنتنياهو، بل لإيران، بوضوحٍ مُدوٍّ.
لم يتناسب هذا مع شخصية نتنياهو التي تعشق الاستعراض، فأمر بضربة أوقفها ترامب (جزئياً)، لعلمه أن أي عمل حربي مُماثل يُمثل انتهاكاً لوقف النار وسيُثير رداً أوسع.
مع ذلك، لا تُقبل طهران هذه النسخة من النصر. ووفقاً لمسؤولين إيرانيين، فشلت الحرب الأميركية – الإسرائيلية والحملة الجوية في توجيه ضربة قاضية واستسلام.
بينما تؤكد طهران استهداف المواقع النووية في فوردو وناتانز وأصفهان وتضررها، فإنها تؤكد أيضاً أن اليورانيوم المخصب نُقل استباقياً إلى مواقع آمنة وغير مُعلنة قبل الهجمات.
إذا بقيت هذه المواد سليمة، فإن قدرة إيران على السعي لامتلاك سلاح نووي ستظل حاضرة في كل مكان إذا اختارت قيادتها هذا المسار.
«هيمنة صاروخية»
في الأسبوع الأول من الحرب، عرضت الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران استسلاماً غير مشروط، ووقفاً كاملاً لبرنامجيها النووي والصاروخي، ووقف دعمها لحلفائها في الشرق الأوسط.
لم تسمح إيران بأي من هذه التنازلات، ولا بوقف دعمها وتعزيزها لحلفائها، وهو أمرٌ في أمسّ الحاجة إليه أكثر من أي وقت مضى. وحافظت صواريخها على الهيمنة الكاملة على المجال الجوي الإسرائيلي، وأكدت قدرتها على مباغتة أحدث أنظمة الاعتراض الإسرائيلية متعددة الطبقات وأكثرها تطوراً. كما أثبتت أن بعض أنواع صواريخها قادرة على حمل عدة قنابل أصغر وأكثر تنوعاً في رأسها الحربي، والوصول إلى الهدف المنشود.
«اللااتفاق»
هذا «اللااتفاق» يُشكّل بيئة مثالية لصراع مستقبلي ويُجمّد فعلياً الحرب في ساحة معركة مليئة بالتناقضات. بالنسبة إلى إيران، ربما تكون حملة القصف قد غيّرت جغرافية برنامجها النووي، لكنها لم تُغيّر مساره. وتحتفظ طهران بالقدرة التقنية والمادية لاستئناف التخصيب والتحرك نحو التسلح في الوقت الذي تختاره. بالنسبة إلى إسرائيل، هذا ليس وقف نار لحل الأزمة، بل هو وقف نار قابل للانتهاك.
ما ينتظرنا على الأرجح هو أحد مصيرين، الأول جولة ثانية من الحرب أكثر عنفاً بكثير، وأكثر كثافة وتدميراً وإستراتيجية، حيث يُعيد كلا الجانبين تقييم الوضع استعداداً لعودة حتمية للعنف.
والثاني مسار أكثر هدوءاً، يشهد تسريع إيران لبرنامجها النووي سراً، مُحوّلةً قدراتها التقنية إلى أسلحة فعلية.
لكلا النتيجتين آثار عميقة على المنطقة بأسرها وعلى الاستقرار العالمي. دور الولايات المتحدة في تنسيق وقف النار هذا ليس أقل إثارة للجدل. أعلن ترامب عنه بتبجحٍ مألوف، ولكن من دون أي دعم متعدد الطرف أو آلية تحقق. إنها صفقة مبنية على الشكل لا على الجوهر – تهدف إلى تشكيل وهم الاستقرار قبل الدورات الانتخابية والمناورات الجيوسياسية.
قد تعتقد واشنطن أنها كسبت الوقت. في الواقع، ربما تكون قد أجّلت الانفجار ببساطة. في هذه الأثناء، يواجه نتنياهو معضلةً جديدة. بإعلانه نجاح المهمة وبفرض هيمنته الإستراتيجية، حصر نفسه في رواية التفوق الإسرائيلي الساحق. لكن هذه الرواية هشة. كشف رد إيران – ضرباتها الصاروخية على تل أبيب وحيفا وأهداف رئيسية أخرى، بما في ذلك تلك التي تجاوزت أنظمة الدفاع الإسرائيلية تماماً – عن نقاط ضعف حقيقية. لم تكن هذه ردوداً رمزية، بل كانت إشارات محسوبة للردع والقدرة.
إيران، من جانبها، تخرج من هذه الجولة ملطخة بالدماء ولكنها غير منكسرة. لقد تكبدت أضراراً جسيمة في بنيتها التحتية العسكرية والنووية، لكنها حافظت على عمقها الإستراتيجي. لقد استوعبت الهجوم – وردت بدقة محسوبة. والأهم من ذلك، أنها حافظت على حجر الزاوية في ردعها: مخزون كبير من اليورانيوم المخصب والقدرة على تسريع إنتاج الصواريخ.
وحطمت إيران محرماً قائماً منذ فترة طويلة بشن هجمات صاروخية وطائرات من دون طيار متواصلة وواسعة النطاق مباشرة على كل الأراضي الإسرائيلية – ليس كهجوم رمزي لمرة واحدة، بل كحملة طويلة ومدروسة عن بعد دون اللجؤ إلى حلفائها.
وبذلك، اختبرت ترسانتها الصاروخية في ظل ظروف حرب حقيقية، وكشفت عن نقاط ضعف في أنظمتها ودفاعات خصمها، وجمعت كنزاً من الدروس الميدانية ضد عدو حديث قوي للغاية، ما سيُثري بلا شك العقيدة وتطوير القدرات في المستقبل وحماية الجبهة الداخلية.
وقد تُكثّف الحكومة الإسرائيلية، مُستلهمة من نجاحها المُفترض، جهودها السرية لزعزعة استقرار الحكومة الإيرانية. قد يصبح تغيير النظام – الذي كان هدفاً مُعلناً سابقاً – إستراتيجيةً علنية. في المقابل، قد تُسرّع إيران من وتيرة عسكرتها الداخلية، وتُعمّق تحالفاتها مع القوى الحليفة، وتُوسّع قدراتها الصاروخية والدفاعية والطائرات المُسيّرة لردع أي ضربات مُستقبلية.
يستعد الجانبان للمرحلة التالية من المواجهة. من المُتوقع أن تتحرك إسرائيل بسرعة لتعزيز أنظمة اعتراض الصواريخ، وتعميق الاختراق الاستخباراتي، وتكثيف عمليات التخريب والتجسس داخل الأراضي الإيرانية. ستُعاد معايرة قوات الرد السريع لديها لتكون أكثر سرعةً وحسماً، بينما ستُبذل جهود ديبلوماسية لتعزيز سرديتها عن النصر على الساحة الدولية.
في الوقت نفسه، ستدفع إسرائيل بقوة نحو جولة جديدة من العقوبات، بهدف زيادة عزلة طهران وتشديد الخناق الاقتصادي على الجمهورية الإسلامية.
من وجهة نظر إسرائيل، طالما بقي النظام الحاكم الإيراني ذو التوجهات الأيديولوجية قائماً، فسيُنظر إلى التهديد على أنه دائم ووجودي.
بذور المواجهة المُستقبلية
هذه الهدنة، المُعلن عنها من دون شروط، تحمل في طياتها جميع بذور المواجهة المُستقبلية. إنها ليست اتفاقية سلام، وليست نجاحاً ديبلوماسياً، بل هي مهلة تكتيكية. في غياب الدبلوماسية، تملأ العسكرة الفراغ.
وعندما يُستبدل الحوار بضربات الطائرات المُسيّرة والاغتيالات وقصف الصواريخ، نادراً ما تكون النتيجة استقراراً.
قد يُفسّر الصمت في أعقاب هذه الحرب غير المُعلنة في شكل مُختلف على جانبي الحدود، لكنه يُعبّر عن نفس المعنى: لم تنتهِ الحرب بعد. قد تكشف الأشهر المقبلة عن نيات إيران بعيدة المدى في شكل أوضح. إذا أُعيد بناء تخصيب اليورانيوم وتسارعت وتيرة ذلك، وإذا ظهرت أدلة على أن التسلح جارٍ، فسيُذكر هذا الهدنة كخطأ إستراتيجي فادح – خطأ منح إيران الوقت والغطاء اللازمين لتجاوز العتبة النووية.
أما إذا استغلت إيران هذه اللحظة لتعزيز وضعها الداخلي والدفع نحو عودة ديبلوماسية إلى الأطر العالمية مثل خطة العمل الشاملة المشتركة، فسيكون مستقبل مختلف ممكناً، وإن كان مستبعداً في ظل التوترات الحالية.
إذن، ليس اللقاء مع السلام، بل مع الفصل التالي. وسواء بدأ هذا الفصل بوابل من الصواريخ أو بتجربة نووية، فهذا يعتمد على ما يفعله الجانبان في ظل هذا الهدنة الهشة. في الوقت الحالي، الحرب متوقفة موقتاً، لكن الوقت يمضي بسرعة.