الإصابات تدق ناقوس الخطر في الملاعب اللبنانية

الإصابات تدق ناقوس الخطر في الملاعب اللبنانية

الكاتب: ميريام داموري | المصدر: نداء الوطن
26 حزيران 2025

مع توالي المواسم وتزايد التحديات، برزت الإصابات الرياضية هذا العام في كرة القدم وكرة السلة اللبنانية كواحدة من أبرز الظواهر التي استرعت انتباه المعنيين والمتابعين على حد سواء. لم يكن لافتًا فقط عدد الإصابات، بل تنوّعها وخطورتها، ما أعاد تسليط الضوء على واقع التحضير البدني والرعاية الصحية للاعبين في بيئة لا تخلو من الضغوط المتعددة.

اللاعب اللبناني، الذي يوازن بين الشغف بالمنافسة ومتطلبات الواقع، يخوض موسمه ضمن منظومة لا تزال قيد التطوير، ويواجه تحديات تتراوح بين ظروف الملاعب، ضغط المباريات وضيق الإمكانات المتاحة. وفي هذا السياق، برزت الحاجة إلى قراءة علمية وموضوعية لهذه الظاهرة، دون تهويل أو تسطيح.

د. ألفريد خوري

يرى جراح العظام الدكتور ألفريد خوري أن الإصابات ليست دائمًا نتيجة ضعف الإعداد، بل تتأثر بجملة من الظروف المحيطة باللاعب. “الإعداد البدني عنصر مهم، لكنه لا يعمل بمعزل عن باقي العوامل. عندما يخوض اللاعب مباريات متتالية على أرضيات قاسية، في ظل ضغوط نفسية وغياب الاستقرار العام، تصبح احتمالات الإصابة أعلى، حتى مع وجود تحضير جيد”، يقول خوري.

ويضيف أن التوقف المفاجئ للبطولات بسبب الظروف الاستثنائية، ثم استئنافها، قد أثر على توازن اللاعب بدنيًا وذهنيًا، مؤكدًا أن دعم اللاعب لا يقتصر على الجانب الفني، بل يشمل أيضًا الصحة النفسية والمتابعة المستمرة.

إيلي متني

من جهته، يؤكد المعالج الفيزيائي للمنتخب اللبناني لكرة القدم إيلي متني أن الإصابات هي جزء طبيعي من الرياضة، لكنها حين تتكرر بشكل ملحوظ، تدعو إلى التوقف والتقييم “العوامل التي تسهم في الإصابات متنوعة. من الناحية الخارجية هناك الملاعب، نوعية العشب، الطقس وضغط المباريات. أما داخليًا، فتلعب عوامل مثل البنية الجسدية، التاريخ الطبي، الأحذية، بالإضافة إلى الحمل التدريبي الذي يلعب دورًا مباشرًا”، يوضح متني. ويشير إلى أن العديد من الأندية تبذل جهدًا كبيرًا في التحضير، لكن ضيق الوقت وقلة الموارد قد يؤثران أحيانًا على عمق الإعداد. كما يلفت إلى أن بعض اللاعبين يعيشون نمط حياة مضغوطًا بين التدريب والعمل، مما يصعّب الحفاظ على الجاهزية المثالية.

حسن بركات

من جانبه، يركّز المعد البدني لنادي الأنصار حسن بركات على أهمية تنظيم الإعداد البدني بشكل علمي ودقيق. “مع ازدياد عدد المباريات وارتفاع معدل الأعمار، بات من الضروري إعادة النظر في توزيع الأحمال التدريبية خلال الموسم. الملاعب الاصطناعية تفرض أيضًا تحديات خاصة، وتحتاج إلى إعداد نوعي يتناسب مع طبيعتها”، يقول بركات.

ويشدّد على أن الوقاية تبدأ من التخطيط الجيد، وعلى أن تطوّر الإعداد البدني بات حاجة أساسية، لا ترفًا.

مهدي خليل

من جانب اللاعبين، يعبّر حارس مرمى منتخب لبنان ونادي العهد مهدي خليل عن تجربته الشخصية مع الإصابة، مؤكدًا أن ظروف اللعب تؤثر بشكل مباشر على التعافي، “أُصبت في القدم اليسرى وخضعت لعلاج وتمارين خاصة، ثم تأثرت القدم اليمنى لاحقًا نتيجة الضغط. لاحظت أن الآلام تخفّ عندما ألعب على ملاعب طبيعية خارج لبنان، بينما تعود حين أشارك في المباريات المحلية على العشب الاصطناعي”، يروي خليل. تجربته تسلّط الضوء على أهمية نوعية أرضية الملعب وتأثيرها المباشر على اللاعبين، خصوصًا في مرحلة التعافي.

أمير سعود

من جهته، يرى نجم كرة السلة اللبنانية أمير سعود أن ارتفاع وتيرة الإصابات هذا الموسم يعود إلى مزيج من العوامل المرتبطة بطبيعة المنافسة ومتطلبات الجهوزية المستمرة. “مع اشتداد المنافسة، يصبح اللعب أكثر حدة، وترتفع معه نسبة الاحتكاك البدني بين اللاعبين، خاصة في دوري يتمتع بمستوى فني واحترافي عالٍ. هذا النوع من المواجهات يؤدي بطبيعة الحال إلى إصابات أكثر”، يوضح سعود. ويشير إلى أن بعض الإصابات تنجم أيضًا عن عدم التزام بعض اللاعبين بأسلوب لعب نظيف، ما يُعرض زملاءهم لمخاطر إضافية داخل الملعب. أما على الصعيد البدني، فيلفت سعود إلى أن ضغط المباريات وتواليها دون فترات استشفاء كافية قد يؤدي إلى إصابات عضلية وتمزقات، مشيرًا إلى أن جزءًا من المسؤولية يقع على عاتق اللاعب نفسه. “قلة النوم، التغذية غير المتوازنة، وعدم الاهتمام بالجسم كما يجب، كلها عوامل تزيد من قابلية التعرض للإصابات”، يضيف.

علي الحاج

أما لاعب منتخب لبنان ونادي العهد لكرة القدم، علي الحاج، فيضع إصبعه على مجموعة من العوامل الميدانية التي يرى أنها تلعب دورًا مباشرًا في تفاقم الإصابات هذا الموسم. “العشب الاصطناعي في الملاعب المحلية هو السبب الأول من وجهة نظري. هذا النوع من الأرضيات قاسٍ على المفاصل والعضلات، ويزيد من احتمالية الإصابات، خاصة في حال تكرار الاستخدام دون فترات راحة كافية”، يقول الحاج. ويشير إلى أن الضغط الناتج عن جدول المباريات المكثف، حيث تُقام مباريات كل 4 أيام تقريبًا، لا يمنح اللاعبين وقتًا كافيًا للاستشفاء أو التعافي الكامل، ما يجعل الجسم عرضة للتعب والإجهاد المتراكم.

استثمار ضروري

إن الإصابات الرياضية، وإن كانت جزءًا من واقع كل رياضة تنافسية، إلا أنها حين تزداد بوتيرة واضحة، تصبح مؤشرًا على ضرورة التقييم والتطوير. واللاعب اللبناني، الذي يُظهر التزامًا وجهدًا لافتًا رغم الظروف، يستحق بيئة تدعم مسيرته وتحمي مستقبله. إن تطوير برامج الوقاية، تحسين ظروف الملاعب، توفير الاستقرار النفسي والجسدي، وتعزيز العمل التكاملي بين الأندية والأجهزة الفنية والطبية، ليست خطوات مكلفة بقدر ما هي استثمار في استمرارية اللعبة ورفاه اللاعب. الإصابة قد تكون لحظة عابرة، لكن التعامل الصحيح معها هو ما يحدد المسار.