إيران – إسرائيل: بانتظار الجولة الثانية أو الصفقة الكبرى

إيران – إسرائيل: بانتظار الجولة الثانية أو الصفقة الكبرى

الكاتب: علي حمادة | المصدر: النهار
27 حزيران 2025

سيدخل الطرفان في سبق محموم للتسلح، إيران لحيازة أسلحة جديدة من الصين، وإسرائيل لتدعيم ترسانتها من المصدر الأميركي… فهل تكون جولة صراع ثانية أو صفقة كبرى؟

حسناً انتهت حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل وإيران، بإعلان الطرفين أنهما انتصرا وفرضا إرادتيهما، لا بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انضم إلى الجوقة بإعلان انتصار الولايات المتحدة وحدها؛ فهي أنقذت إسرائيل من مأزق عسكري واقتصادي كبير، وخلّصت إيران من كارثة عسكرية ومن احتمال انهيار النظام.

إذاً الجميع يعتبرون أنهم خرجوا رابحين من هذه الجولة. والحال أنه يحتمل أنها كانت الجولة الأخيرة في حرب “طوفان الأقصى” التي أشعلتها حركة “حماس” ومن خلفها إيران في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فولّدت سلسلة حروب، إلى حرب قطاع غزة، شملت ساحات المنطقة التي ضمتها إيران تحت جناح نفوذها الإقليمي، فحولتها إلى منصات للتمدد في منطقة الشرق الأوسط، واللعب على ورقة تحدي إسرائيل المعتبرة جزءاً لا يتجزأ من الغرب العميق.

من الممكن جداً، بعدما ذاقت إسرائيل طعم أطول حرب تخوضها منذ تأسيسها عام 1948، وللمرة الأولى منذ التأسيس، أن تكون شعرت أنها تخوض فعلاً معركة وجود حاسمة؛ فقد يبدأ المجتمع الإسرائيلي في التفكير ملياً بمخارج للمأزق التاريخي الذي يؤسس له التطرف في ما يتعلق بحقوق الفلسطينيين. صحيح أن اليمين المتطرف يهيمن اليوم على الساحة السياسية الإسرائيلية، لكن إسرائيل وإن تكن تحظى بحماية الغرب عموماً، وبرافد أميركي لا مثيل له في العالم، فإنها تنزف في منطقة تتميز عن العديد من المناطق في العالم بكونها مسارح لنزاعات لا نهاية لها أقله في العقود الثمانية الماضية. ومن هنا أهمية أن تحصل مراجعة في إسرائيل لمرحلة ما بعد اتفاقات مدريد ولغاية اليوم.

الدروس كثيرة وثمينة إذا ما حصلت مراجعة موضوعية تأخذ في الاعتبار حقيقة واضحة، ألا وهي أن الشعب الفلسطيني لا يمكن شطبه والتصرف وكأنه غير موجود.

في المقلب الآخر، إيران التي يجب أن تعرف قيادتها الحالية أنها حصّلت نفوذاً واسعاً في الإقليم من خلال سياستها التوسعية، لكن مذهبية النظام المتقوقعة في إيديولوجيا تستغل أحداثاً حصلت في القرن الأول الهجري، أدت إلى حصر نفوذها الفعلي ضمن دائرة ضيقة في العالم العربي، دون أن يفلح اللعب على وتر القضية الفلسطينية في ترسيخ اختراقها الأمني والعسكري والمخابراتي في المنطقة. فالتدخلات في المنطقة تحت عنوان تصدير الثورة، انتهت اليوم بتدمير كيانات عدة، وبالوصول إلى ساعة الحقيقة في ما يتعلق بالمجابهة مع إسرائيل. وهنا سقطت مئات الشعارات التي غذاها النظام، فضلاً عن الأوهام بامتلاك قوة كافية لا لقلب المعادلات في المنطقة، بل لقلبها في العالم.

اكتشف النظام في هذه الحرب السريعة أنه كاد أن يسقط عسكرياً لو تدخل الرئيس دونالد ترامب فعلاً مستخدماً موارد الولايات المتحدة العسكرية التي لا تضاهيها موارد القوى الكبرى والرئيسية في العالم مجتمعة. والحقيقة أن قول المرشد الإيراني علي خامنئي أن “الكيان الصهيوني سُحق” لا يتطابق مع الواقع، لا سيما أن الدولة الإيرانية فقدت السيادة على أجواء قسم رئيسي من البلاد، وفي المقدمة على أجواء العاصمة طهران التي تحولت إلى ما يشبه بيروت أخرى، لكن بروباغاندا المرشد ليست مستغربة، فقد قام النظام على البروباغاندا الزارعة للأوهام.

ما من شك في أن إسرائيل تلقت ضربات صادمة ومروعة للمرة الأولى في تاريخها، جراء نجاح إيران في إمطارها بمئات الصواريخ البالستية، وبلوغ عشرات منها أهدافها، ومشاهد الدمار في تل أبيب وحيفا، لكن بالمعنى العسكري العملياتي خسرت إيران الحرب، لحظة خسرت السيادة على أجواء المحافظات الغربية وصولاً إلى طهران، وخسرت جزءاً من سيادتها عندما اخترقها “الموساد” الإسرائيلي بمئات العملاء على الأرض، الذين أقاموا قواعد، ومصانع تجميع للمسيرات الانقضاضية وغيرها.

أن يقول خامنئي يوم أمس إن النظام الإيراني انتصر على أميركا أمر مفجع ليس لأميركا، ولا لخصوم إيران، بل للنظام نفسه الذي بات يشبه بخطابه ملامح العمر المتقدم التي يحملها المرشد.

قبل يومين قال الرئيس ترامب إنه لا يستبعد أن يعود الطرفان إلى القتال في وقت قصير. فهو يؤشر إلى أن الاتفاق على وقف إطلاق النار لا يزال هشاً، في انتظار أن يجلس المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأسبوع المقبل وذلك على حد ما صرح ترامب، ربما للبحث في صفقة كبرى تنقل إيران من واقع إلى واقع.

وفي الأثناء سيدخل الطرفان في سباق محموم للتسلح، إيران لحيازة أسلحة جديدة من الصين، وإسرائيل لتدعيم ترسانتها من المصدر الأميركي.