انفجار مار إلياس، أي كنيسة؟ أي دور؟

انفجار مار إلياس، أي كنيسة؟ أي دور؟

الكاتب: ملحم الرياشي | المصدر: نداء الوطن
28 حزيران 2025

في ضواحي دمشق، حيث يتقاطع عبق التاريخ مع وجع الحاضر، دوّى انفجار كنيسة مار إلياس، أحد أقدم الصروح المسيحية في المنطقة، مثيرًا صدمة عميقة لدى المسيحيين، كما لدى كثير من المسلمين في سائر المشرق.

لم يكن الانفجار مجرد عمل عنفي جديد في سجل الصراعات القائمة هناك، انما شكّــل نقطة انعطاف تُجبرنا على إعادة النظر في موقع المسيحيين، ودور الكنيسة، وصمت رجالها، وتواطؤ بعضهم أو تخاذلهم في لحظة باتت تتطلب موقفًا أكثر جذرية ووضوحاً.

لطالما لعبت الكنيسة في المشرق دوراً يتجاوز الإطار الديني، إذ كانت ملاذًا للمستضعفين ومنبرًا للسلام والحوار. لكن في السنوات الأخيرة، انكفأت القيادات الكنسية في غالبيتها إلى الأطر الطقسية، وانحصر صوتها وانحسر إلى حدود عظات المناسبات، بينما كانت الأرض تهتز تحت أقدام رعيتها. معظم البطاركة والمطارنة، الذين يُفترض أن يكونوا صوت المسيحيين أمام السلطة والمجتمع، غابوا في لحظة يتطلب فيها الحضور لا الغياب، والمواجهة لا المجاملة.

على مدى قرون، عاش المسيحيون جنبًا إلى جنب مع المسلمين، في مزيج ثقافي وإنساني فريد. غير أن غياب الخطاب الكنسي “الجريء”، خصوصًا في مواجهة التيارات التكفيرية أو السياسات الإقصائية، جعل من المسيحيين طرفًا ضعيفًا في معادلة مشوشة بل متوترة. من هنا، صار ضرورياً أن تُعيد الكنيسة صياغة خطابها الإسلامي–المسيحي، من منطلق الشراكة الفعلية لا المجاملة الشكلية، عبر خطاب حقيقي للمواطنة والكرامة المتساوية.

الانفجار لا يمكن أن يمرّ بلا محاسبة داخلية. على رجال الدين أن يُسألوا: أين كنتم حين احترقت الكنائس؟ أين كانت كلماتكم حين خُطف الكهنة والرهبان؟ لماذا لم يُــــرفع الصوت عاليًا حين هُجّرت العائلات المسيحية من مناطقها؟ الصمت لم يكن خيارًا “نبيلاً”، بل ربما تواطؤاً غير معلن، يدفع المسيحيون اليوم ثمنه من دمهم ووجودهم.

في هذا السياق القاتم، يبرز موقف بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر، الذي أدان الانفجار بلهجة واضحة، داعيًا إلى حماية المسيحيين لا كمجموعة أقلوية، بل كمكون أصيل في النسيج الوطني السوري. موقفه يفتح الباب أمام إعادة رسم دور الكنسية، بشكلٍ أقرب إلى الدفاع الحقيقي عن ناسها وكل الناس.

الانفجار يطرح علامات استفهام خطيرة حول دور النظام، ومكانة شخصيات غامضة فيه، حين يتردد أن التوتر والارتجاج لا يزال يهزّ الفالق السوري بعد سقوط النظام السابق، من هنا تأتي الأسئلة الباحثة في قلب الأمثلة؛ من المستفيد من ضرب ما تبقى من وجود مسيحي فاعل في سوريا؟ ماذا ومن وراء هكذا انفجار؟ هل هو بداية أم عابر وكفى؟

الإجابات في عالم التكهنات لكن الأيام كفيلة فيها، إلا أن خارطة طريق كنسية لما بعد الانفجار أصبحت مطلباً، بل حاجة ملحة قد يصلح أن تتضمن التالي.

أولها ضرورة عقد مجمع كنسي استثنائي للطوائف كافة لمساءلة الذات وتقييم الأداء، وإطلاق اليد لقيادات مدنية مغطاة كنسياً تكون أكثر جرأة وأكثر استقلالية. وثانيها إطلاق خطاب جديد يتناول الحقوق لا المخاوف، وثالثها دعم المبادرات الشبابية والمدنية لتعزيز حضور المسيحيين خارج الجدران التقليدية، ومحرراً من القضبان غير المرئية. أما رابعها، وقد يصح أن يكون أولها، فتشكيل لجنة تحقيق مستقلة مدعومة دولياً، تطالب بكشف المسؤولين عن الانفجار ومحاسبتهم علناً. وخامسها تعزيز الحوار المسيحي–الإسلامي بعيدًا عن المجاملات، وبمشاركة فعلية من النخب والأبناء من تحت إلى فوق.

الانفجار الذي طال كنيسة مار إلياس لا يجب أن يمر كسواه، وصرخة البطريرك يوحنا، لا يجوز أن تكون في بريّة الشام، بل أن تتردد اصداؤها في الشارع السوري كما اللبناني والمشرقي، وتُسقَط عملياً وعملانياً على واقع جديد.. بغية صناعة مستقبل جديد!