
استحقاقا تموز: نصائح براك والتمديد لـ”اليونيفيل”
لن يكون ممكنا بعد التمديد لـ “ليونفيل” اعتراض دورياتها بعد سقوط نظرية الاقتراب من مراكز عسكرية سرية في الجنوب وقد افرغ اكثر من 500 مركز للحزب. وخصوصا أنه ليس هناك قدرات كافية للجيش لمواكبة مئات الدوريات يوميا.
أطلقت وزارة الخارجية أمس الخطوة الاولى لورشة ديبلوماسية وسياسية تتعلق بالتمديد لقوات “اليونيفيل” لسنة، قبل شهرين وثلاثة أيام على نهاية ولايتها، وهي محطة لا بدّ منها في ظل استمرار التشكيك بدورها. وإن كان الهمّ الخارجي هو الأخطر، فإنّه سيكون على لبنان عبور حقل من الألغام، لتلازم طلب التمديد والمهلة التي أعطاها الموفد الأميركي توماس براك للإيفاء بالوعد بإنهاء وجود أي سلاح غير شرعي على كل الأراضي اللبنانية. وعليه، تُطرح الأسئلة حول طريقة تجاوز الاستحقاقين معاً.
على رغم من المراحل الروتينية التي على لبنان عبورها لضمان التمديد لقوات “اليونيفيل” في الجنوب، فإنّ من الطبيعي أن يطلب مثل هذه الخطوة من مجلس الأمن الدولي، لأنّها تعمل تحت سقف الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة، وانّ قرار التمديد لها رهن طلب الحكومة اللبنانية. ولذلك، فقد لفتت وزارة الخارجية في بيانها أمس إلى انّها طلبت التمديد في رسالة وجّهتها بواسطة بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة إلى الأمين أنطونيو غوتيريش، بناءً على قرار مجلس الوزراء في 14 أيار 2025. وطلبت بموجبها تجديد ولاية قوات “اليونيفيل” لسنة إعتباراً من 31 آب 2025. وجاء الطلب مرفقاً بتأكيد الوزارة “تمسّك لبنان ببقاء هذه القوات والتعاون معها”، مع التشديد على أهمية “السعي إلى انسحاب اسرائيل من كل الأراضي اللبنانية التي تحتلّها ووقف انتهاكاتها المتواصلة لسيادته ووحدة أراضيه”.
ليست المرّة الاولى التي يخشى فيها اللبنانيون إمكان فرض تعديلات جديدة تمسّ “قواعد السلوك” المعتمدة حتى اليوم، بعد تجربة العام 2022 التي فرض فيها مجلس الأمن ما لم يكن لبنان يريده يوماً، فقرار التمديد عشية 30 آب 2022 حرّر قرار مجلس الأمن قوات “اليونيفيل” من أهمية ان تواكبها وحدات من الجيش اللبناني في دورياتها التقليدية في الجنوب، وهو ما تسبب بحالة من الذعر والقلق نتيجة الصدامات التي نظّمها ما سُمّي “جيش النساء” احياناً و”جيش الاهالي”، لمنعها من دخول بعض المناطق الحساسة التي كان “حزب الله” قد خصّصها مخازن لأسلحته او مداخل لأنفاق حُفرت بين المنازل وفي بعض الأودية، لتحويلها اما لتصنيع الاسلحة أو تلك المخصصة للتمركز فيها اتقاء لخطر الغارات الإسرائيلية إن استؤنفت العمليات العسكرية يوماً ما، بعد 12 آب 2006 تاريخ صدور القرار 1701 الذي جمّد العمليات العسكرية بعد حرب الأيام الـ 33 من دون التوصل الى اتفاق شامل وثابت لوقف النار.
ولما نجحت قيادة القوات الدولية في تجاوز هذه المحطة، فقد قبلت بتغيير قواعد السلوك الممنوحة لها، وأصرّت عملانياً على التنسيق مع الجيش اللبناني في تحركاتها في القرى والمناطق السكنية لتجنّب المواجهات التي كان الأهالي يقومون بها إن اقتربت من موقع عسكري مموه او مخزن للسلاح، وهو ما تفهمته المراجع المعنية في الأمم المتحدة وغضّ النظر عنه، فلم يكن للجيش قدرة على تأمين العدد الكافي من عناصره لمواكبة حركة الدوريات التي تزيد يومياً على بضعة مئات منها في القطاعات الثلاثة. ذلك انّ التعديل الذي أجرته قيادة “اليونيفيل” في الناقورة خرج عن مضمون قرار مجلس الأمن الذي منحها حق التحرك وحيدة، وتمكنت هذه القيادة من تبريره لمساعدة الجيش في بسط سلطته على المنطقة.
أما اليوم، فتعترف مراجع سياسية وديبلوماسية، بأنّه بات من الصعب المضي بهذا التوجّه الذي لا يمكن اعادة النظر فيه بعد ثلاثة اعوام على صدوره، ولن يُعاد النظر فيه بالقرار المنتظر نهاية آب المقبل على أبعد تقدير.
ولتبرير هذا المنطق، قالت المصادر، انّ الوضع في الجنوب تغيّر كثيراً وانقلبت بعض المعطيات رأساً على عقب، فإنّ كان “جيش النساء” او “جيش الاهالي” يخشى اقتراب هذه القوات من مراكز عسكرية سرّية قبل الحرب، فقد أقرّ “الثنائي الشيعي” انّ المنطقة الواقعة جنوب الليطاني قد خلت من السلاح والمسلحين في نهاية حربي “الإلهاء والإسناد” و”أولي البأس”، وباتت المنطقة في عهدة قوات “اليونيفيل” والجيش اللبناني لوحدهما، وقد انتهيا من تفريغ أكثر من 500 مركز.
وتضيف هذه المراجع، انّه بعد التمديد المقبل لن يعود هناك أي مبرر لاعتراض الدوريات والإعتداء على عناصرها أو صفع احد عسكرييها الذين لم يردّوا يوماً ولو برصاصة في الجو او بكلمة واحدة، ولا بالنسبة إلى رفع الأعلام الخاصة بـ “حزب الله” وحركة “امل” على آلياتها، كما حصل خلال الصدامات الأخيرة بينها وبين اهالي بعض القرى. فمثل هذه التصرفات في الولاية الجديدة سيكون لها تفسير مغاير. ومن المفترض ان تطلق يد هذه القوات في دورياتها اينما توجّهت، وخصوصاً انّه لن يكون للجيش قدرة على تخصيص العناصر الكافية لمواكبة حركة دورياتها المئوية يومياً.
وإلى هذه الملاحظات التي يجب احتسابها من اليوم بعد طلب لبنان التجديد “لليونيفيل” عاماً إضافياً، فإنّ ما يجب التنبّه اليه انّه سيكون على لبنان ان يثبت قبل نهاية تموز المقبل الانتهاء من مسلسل النصائح التي قالت بضرورة إصدار مجلس الوزراء قراراً ينهي الجدل حول ملف وضع جميع الأسلحة في لبنان في عهدة الجيش اللبناني كما فعل الرئيس السابق للحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط قبل فترة، بوضع ما لديه من بعض الرشاشات الثقيلة والقاذفات الصاروخية في عهدة المؤسسة العسكرية. فهي خطوة نموذجية سيكون على معظم الأحزاب الاخرى التي ما زالت تحتفظ بمثل هذه الأسلحة إنهاء مثل هذه الظاهرة، ولا سيما منها تلك التي كانت تعمل تحت رعاية وراية “سرايا المقاومة” بالتنسيق مع “حزب الله”. كما بالنسبة إلى الاستعراضات العسكرية الاخرى التي أظهرت وجود اسلحة مختلفة لدى وحدات من “الحزب السوري القومي الاجتماعي” و”قوات الفجر” التابعة لـ”الجماعة الاسلامية”، بعدما شاركا في عمليات عسكرية في الجنوب إلى جانب الحزب. هذا عدا عن السلاح الخاص بالمقاومة والفصائل الفلسطينية.
وعلى هذه الخلفيات مضت المصادر الديبلوماسية والاستخبارية في تحذيرها من التهاون في طريقة التعاطي مع هذه الاسلحة من ضمن المهلة المحددة، قبل بلوغ مرحلة المناقشات التفصيلية لقرار التمديد لقوات “اليونيفيل”، والذي سيكون بنصه النهائي في عهدة حاملة القلم الخاص بلبنان وهي البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة، التي عليها التنسيق مع نظرائها في مجلس الأمن عند طرحه على التصويت، علماً انّ فرنسا تشاطر الأميركيين ومعهم دول الخليج العربي، بضرورة أن يقفل لبنان ملف الأسلحة غير الشرعية، ليفتح الطريق أمام تمديد سلس لـ”اليونيفيل” وإطلاق الخطوات الاولى نحو مسيرة التعافي والإنقاذ وإعادة البناء والإعمار. وإنّ أي خطوة لا تقود إلى هذه المراحل سيكون من الصعب تجاوزها. فالعمليات العسكرية الإسرائيلية الاخيرة هي من المؤشرات الخطيرة لاي تأجيل في هذه الخطوات. ومن قال إنّها ستبقى محصورة بالجنوب اللبناني او شمال نهر الليطاني وجنوبه.