هشاشة الأمن في المخيمات صفعة لدولة بلا سيادة

هشاشة الأمن في المخيمات صفعة لدولة بلا سيادة

الكاتب: طارق أبو زينب | المصدر: نداء الوطن
28 حزيران 2025

يشكّل فرار عدد من الإسلاميين المتشددين المطلوبين للقضاء اللبناني من حي التعمير – الطوارئ في مخيم عين الحلوة بمدينة صيدا إلى الأراضي السورية، صفعة مباشرة لهيبة الدولة، ومؤشرًا خطيرًا إلى هشاشة القبضة الأمنية داخل أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان.

هذا الفرار، الذي وقع بعد نحو أسبوعين من موعد تنفيذ خطة الحكومة اللبنانية لجمع السلاح الفلسطيني، أعاد إلى الواجهة ملف السيادة المفقودة، والمخيمات التي تحوّلت إلى بؤر فوضى بفعل انتشار السلاح وغياب المحاسبة.

يتصدّر الفلسطيني إبراهيم لطفي، الملقب بـ”أبو جندل”، قائمة الفارين من مخيم عين الحلوة، وهو عنصر بارز في تنظيم “جند الشام”، ومتهم بقتل الشاب مسعد زهير زرد داخل المخيم. وقد حصلت “نداء الوطن” على تسجيل مصوّر يؤكد وصوله إلى الأراضي السورية، ما يطرح علامات استفهام جدية حول كيفية مغادرته لبنان رغم الإجراءات الأمنية المشددة على مداخل المخيم والمعابر الحدودية.

الحادثة تسلّط الضوء على ثغرات أمنية خطيرة، وتثير شكوكًا حول فعالية الرقابة على المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا .

اشتباكات جديدة… وخطة الدولة معلقة

تؤكد مصادر فلسطينية مطلعة أن عمليات فرار المطلوبين تتمّ عبر مسالك تهريب نشطة تُديرها شبكات منظمة تحظى بحماية من جهات نافذة. هذا الواقع يعكس مدى تعقيد السيطرة على الحدود اللبنانية – السورية، ويفضح ضعف قدرة الدولتين على فرض سيادتهما، خاصة في المناطق المتداخلة والوعرة.

في السياق نفسه، وقعت جريمة قتل جديدة في مخيم عين الحلوة، بينما اندلعت صباح الأربعاء اشتباكات عنيفة بين عصابات لتجارة المخدرات في مخيم شاتيلا بالعاصمة بيروت، أسفرت عن مقتل شخصين وجرح آخرين. استخدمت فيها أسلحة رشاشة وصاروخية، وسمعت أصواتها في مناطق متعددة من العاصمة .

مصادر ميدانية من داخل شاتيلا أكدت لـ “نداء الوطن” أن اثنين من المشاركين في الاشتباك، بينهم المدعو محمد أ.، تواريا عن الأنظار وتوجها إلى سوريا .

كل ذلك يعيد النقاش إلى نقطة جوهرية: ما جدوى خطة جمع السلاح التي لم تنفّذ، وتبقى وعودًا مؤجلة في ظل تعقيدات سياسية عميقة؟

تعزيزات سورية غير مسبوقة… والحدود في قلب الحدث

كشفت مصادر في الأمن العام السوري لـ”نداء الوطن” عن نشر وحدات نخبة من الجيش السوري في مناطق القلمون الغربي والقصير المتاخمة للمعابر الشمالية مع لبنان، في أعقاب الانفجار الذي استهدف كنيسة مار الياس في دمشق.

الهدف المُعلن هو تشديد الرقابة على المعابر غير الشرعية، ووقف التهريب، ومنع تسلل المطلوبين بين البلدين. لكن الانتشار الكثيف للقوات السورية يثير تساؤلات إضافية، منها التصدي لاحتمال تسلل متشددين من لبنان إلى سوريا، ومنع دخول عناصر من تنظيم داعش الإرهابي إلى الأراضي اللبنانية.

في المقابل، أعلن الجيش اللبناني توقيف قائد تنظيم “داعش” في لبنان، المواطن (م.خ.) الملقب بـ”قسورة”، الذي عُثر بحوزته على كميات من الأسلحة والذخائر وأجهزة إلكترونية ومعدّات لصناعة طائرات مسيّرة، بعد عمليات رصد دقيقة.

كما تشير مصادر مطلعة لبنانية إلى أنّه، استكمالًا لجهود جهاز أمن الدولة في مكافحة الإرهاب، تمكنت دورية من المديرية العامة لأمن الدولة – مكتب كسروان، من توقيف سوري يُدعى (ح.أ.) ينتمي إلى تنظيم داعش، وكان قد دخل خلسة إلى لبنان.

منظمة التحرير شريك أمني

تؤكد مصادر متابعة لملف السلاح الفلسطيني أهمية تفعيل التنسيق الأمني بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعي .

فغياب هذا التعاون يجعل من المخيمات بيئة هشّة، قابلة للاستغلال من قبل الهاربين من العدالة، ويهدد مباشرة الأمن الوطني اللبناني.

وتحذّر المصادر من أن استمرار المعالجات الشكلية سيفرغ أي خطة حكومية من مضمونها، ويحوّلها إلى أداة للاستهلاك السياسي من دون أي أثر فعلي. إن نجاح المطلوبين في الفرار وارتكاب جرائم قتل، وسط غياب المحاسبة، يُمثّل صفعة جديدة للدولة ويثير سؤالًا جوهريًا: من يتحكم فعليًا بالقرار الأمني داخل المخيمات؟ ومن يضمن ألّا تتحوّل هذه المناطق إلى قواعد لزعزعة الاستقرار؟

الأخطر أن خطة جمع السلاح، التي أُعلن عنها رسميًا وبدأت منتصف الشهر الجاري، بقيت معلقة بسبب طلب بعض الفصائل الفلسطينية تأجيل التنفيذ حتى التوصل إلى توافق سياسي وأمني شامل. وهو ما يعكس عمق التعقيدات السياسية وتشابك الحسابات الداخلية والإقليمية .

لبنان على مفترق أمني خطير

الواقع الأمني في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين يقف على مفترق حاسم: بين وعود حكومية معلقة وفرار مطلوبين عبر معابر مفتوحة، وتضارب في النفوذ، يبقى السؤال: هل تملك الدولة قرار استعادة سيادتها؟ أم أن المخيمات ستبقى مناطق رمادية تستغلها قوى خارجة عن الشرعية؟

الوقت يضيق، والمعالجات التقليدية لم تعد كافية. المطلوب قرار سياسي شجاع يُنهي هذا الفراغ، قبل أن تصبح المخيمات عنوانًا دائمًا للفوضى في قلب لبنان .