إنهيار قصور الكرتون وغرق الأساطيل الورقية

إنهيار قصور الكرتون وغرق الأساطيل الورقية

الكاتب: د. فؤاد زمكحل | المصدر: الجمهورية
30 حزيران 2025
ثمّة مقارنة تُقارب الواقع الحالي، تذكّرنا بألعاب الطفولة البريئة كـ «قصور الكرتون» المبنية من ورق اللعب، التي كانت تنهار بمجرّد نفخة خفيفة، و»الأساطيل الورقية»، التي كانت تغرق بعد ثوانٍ من ملامسة المياه. فما نعيشه اليوم ليس بعيداً من ألعاب طفولتنا.

فالأهل وكبار السن كانوا يلهون أطفالهم ببناء قصور من الورق لتمضية الوقت، واختبار صبرهم، وعندما كانت تنهار بسرعة وببساطة، كانوا يُعيدون بناءها تحت عيون ومراقبة الكبار.

هذا تماماً ما نعيشه ونختبره اليوم، لكن هذه المرّة بين الدول. فالبعض بنى قصوراً من الورق والكرتون والأساطيل الورقية، بينما كانت الدول العظمى تراقب وتبتسم، ويمضي الوقت وفي نسمة هواء إنهارت الإمبراطوريات الوهمية.

فمَن كان يبني الأساطيل والقصور الوهمية المبنية على الأحلام والأوهام، كان يُدرك تماماً أنّها مجرّد سراب، لكن بُنِيَت على غيوم من الإيديولوجية والتسويق، والتواصل وعبر الشاشات والمنصّات، ومع الوقت بدأوا يصدّقون هذه الأوهام.

أمّا الدول العظمى، فهي أيضاً شاركت في هذه اللعبة، وكأنّها كانت تصدّق ما يَجري، أدخلت العالم في المخاطر الكارثية، واستعملت أيضاً التسويق والتواصل للتمويل والبحث عن التسليح المتطوّر المبني على الذكاء الإصطناعي وغيرها من التقنيات.

وحين دقّت ساعة الصفر، قرّر حُكّام العالم النفخ في قصور الكرتون، ودعت الأساطيل الورقية تجري في المياه، فانهارت القصور والأوهام وغرقت الأحلام والوعود.

واقع الحال، الكل دخل اللعبة، والكل أقنع جمهوره، والآن الكل عاد إلى نقطة الصفر، لكن مَن سمح باللعبة وراقبها، لا يزال الآمر الأول والأخير والوحيد.

في المحصّلة، لقد بُنِيَت قصور من الورق والجميع استفاد من هذه الأوهام، كل جهة على حدة. لكن اليوم سقطت الأقنعة وانهارت القصور والأوهام والأحلام، وأصبحت إستراتيجية المنطقة تُقرأ بـTweet على منصة X.

فالعبرة التي نتعلّمها، أنّ الأوطان لن تُبنى على «البروباغاندا» والإيديولوجية، ولا على الشاشات والمنصّات، ولا بالأقوال والخطابات التي تبني فقط قصوراً من الكرتون وأساطيل ورقية، لن تتحمّل نسمة هواء، إنما تُبنى الأوطان على العمل الدؤوب، وعلى الإستثمار الإقتصادي، وعلى الإنماء والإنفتاح، وعلى التعليم والبحث، وعلى الإستثمار البنّاء الذي يُشكّل أركان القصور المتينة، ومقابض السفن المبنية من خشب الأرز.

نعيش اليوم صفحة جديدة، والخيار بسيط، إمّا إعادة البناء على الواقع، وإمّا استمرار العيش في الأوهام.