دور لدمشق في ضبط الحدود و”الحزب”؟

دور لدمشق في ضبط الحدود و”الحزب”؟

الكاتب: طوني عيسى | المصدر: هنا لبنان
3 تموز 2025

سيكون أحد الأهداف الاستراتيجية لاتفاق التطبيع المُحتمل بين سوريا وإسرائيل، منح دمشق هامشًا أكبر لضبط حركة “حزب الله” في المناطق الحدودية شمال الليطاني، أو حتى داخل الأراضي السورية. وهذا الهامش لن يكون نفوذًا سوريًا مباشرًا على لبنان كالذي حصل في زمن الأسد، لكنّه سيشكل جزءًا من ترتيباتٍ أمنيةٍ معينةٍ، خصوصًا في المناطق الحدودية.

في 7 تموز الجاري، عندما يعود توم بارّاك إلى بيروت، ليتسلّم “أجندتها” المفترضة لنزع سلاح “حزب الله”، سيكون بنيامين نتنياهو في ضيافة دونالد ترامب في البيت الأبيض، يرسمان مستقبل الصراع في المنطقة، من إيران إلى لبنان. وسيكون الملف الأكثر إثارةً هو التطبيع السوري – الإسرائيلي الذي تفاوض عليه الطرفان سرًا، في الأردن وأذربيجان، بتشجيعٍ أميركيّ، منذ أن وضع ترامب يده في يد الشرع.

تقول صحيفة “جيروزاليم بوست” إنّ الشرع أعلن في المفاوضات استعداده لتوقيع اتفاق أولي يتضمّن اعترافًا متبادلًا بالسيادة وإنهاء العداء، وإقامة علاقات دبلوماسية وتعاون اقتصادي وثقافي واجتماعي، وتنظيم رحلات جوّية بين البلدين. وستكون لهذا التطبيع تداعيات على المنطقة بأسرها، وعلى لبنان خصوصًا. لكنَّ، البند الأكثر حساسيّة للبنان، هو التوافق على إقامة شراكةٍ أمنيةٍ خاصةٍ، بين إسرائيل وسوريا، في مجال “مكافحة الإرهاب والتطرف”. فالمقصود بهذا البند واقعيًا هو “حزب الله”، إذا بقي متمسكًا بسلاحه. وهنا يجدر التأمل عميقًا في بعض المواقف المنقولة عن الشرع في مناسبات مختلفة وعبر أقنية عدة، وفحواها ما يأتي: “لقد انتهى عصر تبادل القصف بيننا وبين إسرائيل. أنا لا أكنُّ العداء لها. ولنا أعداء مشتركون”.

إذًا، لا يحتاج الأمر إلى تحليل. فاتفاق التطبيع بين سوريا وإسرائيل موضوع على نار حامية، والطبّاخ الأميركي على عجلةٍ من أمره. ويمكن أن يتحقّق التطبيع خلال الأشهر الخمسة الباقية من هذا العام. لكنَّ الأميركيين يعرفون أنّ التطبيع اللبناني مستحيل، ما لم يسبقه نزع السلاح واحتكار الدولة لقرار الحرب والسلم. ويخشى البعض أن تستغلّ إسرائيل فشل الدولة اللبنانية في إثبات حضورها، لتدفع بدمشق نحو خيارات أمنية معينة على الحدود مع لبنان.

ما تريده إسرائيل هو إزالة تهديد “حزب الله” لها من جهة حدودها الشمالية. وحتى الآن، هي نجحت في ذلك، إذ تتكفّل بنفسها بجزءٍ من مهمات الأمن على الحدود، فيما تتولّى دوريات الجيش و”اليونيفيل” ضبط الوضع في مناطق أخرى حتى خط الليطاني، ويتوقّع البعض أن تنجح ترتيبات الأمن حتى الأوّلي، ولكنها ستبقى متعثرةً في المناطق الأخرى شمالًا وشرقًا، حيث يرفض “الحزب” تمامًا أن يتخلّى عن سلاحه.
ولذلك، يرى بعض المحللين أنّ إسرائيل ربما يلائمها استغلال اتفاق التطبيع لتكليف سوريا الشرع ضبط نشاط “الحزب” في شمال الليطاني، ضمن مفهوم التعاون الأمني لمواجهة “التهديدات المشتركة”.

في أي حال، الشرع نفسه يجد أن مصلحته تقتضي ضبط نفوذ “حزب الله” والسيطرة على حدود لبنان الشرقية والشمالية ومعابرها، ومنعه من استخدام الأراضي السورية ممرًا أو قاعدةً لوجستيةً. كما من مصلحته إظهار استعداده لخدمة مصالح الغرب، ما يرتدّ عليه دعمًا لسلطته وتغطية دولية ورفعًا للعقوبات.

طبعًا، يحرص الشرع في تصريحاته على إبداء “احترامه لسيادة لبنان” و”عدم التدخل” في شؤونه، منعًا لتكرار الأخطاء والخطايا السورية في زمن نظام الأسد. لكنَّ الاتفاق الأمني مع إسرائيل سيستتبع في أي حال ما يأتي:
1 – تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق الأمني على الحدود. وهذا التنسيق قد يمنح دمشق بيانات ومعلومات عن تحرّكات “حزب الله”، ما يسمح لها باتخاذ إجراءات معينة تتعلّق بأنشطته.

2 – يجري النقاش خلال المفاوضات في “تحديث اتفاقية فضّ الاشتباك للعام 1974″، بحيث يشمل تدابير أمنية جديدة على الحدود السورية – الإسرائيلية، ما يشير إلى الرغبة في وضع إطار عملٍ للتعاون الأمني قد يمتد بشكلٍ غير مباشرٍ إلى لبنان.

3 – إذا تضمّن اتفاق التطبيع اعترافًا بأن مزارع شبعا هي أرض سورية (وهو ما تشي به التسريبات)، فذلك سيضعف حجّة “حزب الله” في رفع شعار “المقاومة”. وعلى العكس من ذلك، قد تحصل دمشق على تغطيةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ للسيطرة على المنطقة، ما يستفزّ “الحزب”. وفي شكل عام، إنّ أي اتفاق على الترسيم الواضح للحدود وإقرار المراقبة الأمنية السورية – الإسرائيلية المشتركة سيُقَلِّصَ المساحة التي يعمل فيها “الحزب”.
وعمومًا، سيؤدي التطبيع السوري – الإسرائيلي إلى إضعاف المحور الذي يشكّل “حزب الله” جزءًا منه. وهذا التغيير الجيوسياسي سيجعله أكثر عزلةً، ويزيد الضغط عليه داخليًا ودوليًا لنزع سلاحه. وفي المقابل، إنّ سوريا الشرع، إذا ما حصلت على دعم دولي ورفع للعقوبات مقابل التزامها بالأمن الإقليمي، ستكون في موقعٍ أقوى للمطالبة بحصر السلاح بالدولة، سواء في لبنان أو في سوريا.

بالتأكيد، سيكون أحد الأهداف الاستراتيجية لاتفاق التطبيع المُحتمل بين سوريا وإسرائيل، منح دمشق هامشًا أكبر لضبط حركة “حزب الله” في المناطق الحدودية شمال الليطاني، أو حتى داخل الأراضي السورية. وهذا الهامش لن يكون نفوذًا سوريًا مباشرًا على لبنان كالذي حصل في زمن الأسد، لكنّه سيشكل جزءًا من ترتيباتٍ أمنيةٍ معينةٍ، خصوصًا في المناطق الحدودية.

هذا التصوّر قد يتحقّق، لكن طريقه ليست مفروشة بالورود. وثمّة 3 تحدّيات يواجهها:
1 – إذا بقيت إيران لاعبًا إقليميًا مهمًا، فإنّها ستحاول عرقلة أي اتفاق يضرّ بمصالحها أو بمصالح حلفائها.
2 – سيخوض الشرع نفسه امتحان القدرة على فرض السيطرة الكاملة على الأراضي السورية كلها.
3 – سيحاول “الحزب” دفع الجميع إلى المواجهة الكبرى، ومراجعة حساباتهم قبل خوضها.

ولذلك، في مواجهاتٍ من هذا النوع، يكون الانتصار ليس فقط للأقوى، بل خصوصًا للأذكى وصاحب النفَس الأطول.