
الحزب أمام خيارين: الدولة أو مفاوضة الأميركيين لـ”تغيير النظام”؟
هل يكون “تسليم السلاح” مقابل “تعديل الدستور” أو “تغيير النظام”؟ بدأ هذا السؤال يتكرر بكثرة في الأوساط والكواليس السياسية ربطاً بزيادة منسوب الضغط الأميركي والإسرائيلي على لبنان لسحب سلاح حزب الله. لطالما طُرحت هذه الفكرة في السنوات الماضية، وكان ينفيها حزب الله، معلناً أنه لا يطرح ملف سلاحه للمقايضة. علماً أن خصومه اتهموه بها استناداً إلى موقف أطلقه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله قبل سنوات، تحدث فيه عن الاتجاه إلى صيغة المثالثة في الحكم بدلاً من المناصفة، وبعدها أصدر نصرالله توضيحاً لذلك.
في موازاة العمل على تسليم الردّ للموفد الأميركي توم باراك، وعلى وقع ملاحظات حزب الله بأنه التزم باتفاق وقف إطلاق النار بينما إسرائيل هي التي لم تلتزم، وأنه لا بد من الحصول على ضمانات للالتزام ووقف الاعتداءات وتحقيق الانسحاب.. تجدد النقاش في مسألة الضمانات السياسية التي يريدها الحزب. هنا تُفتح نقاشات كثيرة حول هذه الضمانات، علماً أن أجواء دولية كانت قد تحدثت سابقاً عن ضرورة تحول حزب الله إلى حزب سياسي فقط، ويتخلى عن عمله العسكري، بينما هناك وجهة نظر أخرى لا تبدو مقتنعة بذلك، على اعتبار أن إسرائيل وفي حال تمكنت من فرض كل شروطها، فهي ستعمل لاحقاً على التدخل لفرض شروط سياسية، من ضمنها تطويق حزب الله على المستوى السياسي.
بالنسبة إلى القراءة السياسية للموقف الإسرائيلي، فتل أبيب تعتبر نفسها أمام فرصة أساسية لضرب حزب الله عسكرياً والقضاء على قدراته ومنع إعادة بنائها. فهي لديها تجربة تاريخية طويلة من المقاومة اللبنانية ضدها، وتعتبر أن حزب الله على حدودها، وتريد القضاء على أي فرصة مستقبلية للحزب كي يعيد تشكيل قواته وينتقم لما جرى في الحرب الأخيرة. لذا، هناك إصرار إسرائيلي على إنهاء كل الحالة العسكرية والأمنية للحزب. وتبعاً لهذا الهدف الإسرائيلي، فإن الأمور لا تبدو مريحة في حال عدم التمكن من الوصول إلى صيغة لبنانية تنسجم مع هذه الضغوط، وتتجنب التصعيد.
يعلم حزب الله أن رفض كل المقترحات أو عدم النقاش فيها، سيؤدي إلى تصعيد كبير وسيكون ثمنه كبيراً أيضاً. لذلك يجري البحث بين منزلتين، بانتظار أي “ورقة” قد يخرجها الرئيس نبيه بري لدى زيارة باراك إلى لبنان، ومحاولة كسب المزيد من الوقت في التفاوض وبلورة صيغة معينة. بينما في المقابل هناك من يعتبر أنه كما يصر ترامب على إنهاء حرب غزة واستنئاف التفاوض مع إيران، ويسعى إلى وقف الحرب في لبنان، فإن باراك يريد أن يسجل الانجاز لنفسه في الوصول إلى الحلّ على الساحة اللبنانية. سيحاول لبنان كسب المزيد من الوقت على الرغم من كل الرسائل التي وصلته بضرورة انتهاز الفرصة وعدم إضاعتها.
هنا يقف حزب الله أمام خيارين. الأول أن ينجح في العودة إلى آلية الحوار مع الدولة اللبنانية حول كيفية الوصول إلى حلّ، أو أن يتمكن من فتح قنوات تفاوض بينه وبين الأميركيين. عملياً تقف الدولة اللبنانية بين نارين، نار الاصطدام بحزب الله وهو ما تسعى إلى تجنبه لمنع كارثيته على الوضع الداخلي، وتجنباً للدخول في مشهد يشبه مشاهد الحرب الأهلية. ونار الضغوط الدولية، اقتصادياً وسياسياً، والضغوط الإسرائيلية عسكرياً، مع التهديد باستئناف الحرب. كما أن الدولة اللبنانية ستكون عرضة لتهديد معنوي آخر يتصل بتكوين انطباع لدى المجتمع الدولي بأنها غير قادرة على تحقيق ما هو مطلوب منها. وعندها تتجه واشنطن إلى التفاوض مع حزب الله، كما اتجهت من قبل إلى التفاوض مع طالبان، أو مع حركة حماس، وكما تتفاوض مع إيران.
مع الدولة، يطالب حزب الله بالضمانات المعروفة، وهي وقف الاعتداءات والدخول في حوار للوصول إلى صيغة مرضية حول تسليم السلاح، من خلال الاستفادة منه وعدم التخلي عن مكامن القوة. وهذا سيكون له تبعات سياسية. أما أي تفاوض مع الأميركيين فيمكن أن يؤدي إلى اتساع مروحته لتصل إلى درجة البحث في تغيير النظام أو تعديله ومنح صلاحيات وضمانات واسعة للطائفة الشيعية في بنية التركيبة اللبنانية، مقابل إلقاء السلاح. حتى هذين الخيارين غير محسومين، خصوصاً في ظل الموقف الإسرائيلي، وفي ظل التحول الحاصل في سوريا. ما يعني أن تحولات المنطقة قد تفرض تصعيداً جديداً في لبنان بأشكال مختلفة من غير الممكن حتى الآن توقع نتائجها ومآلاتها.