هل استوت «طبخة غزة» قبل أي «صفقة» أخرى؟

هل استوت «طبخة غزة» قبل أي «صفقة» أخرى؟

الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
5 تموز 2025

ورشة ديبلوماسية كبرى تسعى الى مخارج للأزمات التي سبقت وترافقت ونمت مع الحرب على إيران قبل استئناف المفاوضات بين واشنطن وطهران. وعليه طرح السؤال هل يطلق لقاء ترامب ونتنياهو المقبل أولى خطوات التهدئة في غزة قبل غيرها؟

قبل أن يصل الموفد الأميركي توماس برّاك إلى بيروت، رُصدت حركة ديبلوماسية غير مسبوقة يمكن أن تصبّ في مجرى البحث عن حلول لمجموعة الأزمات التي جُمّدت قبل التفاهم على وقف النار بين تل أبيب وطهران، وهو ما دفع بمراجع ديبلوماسية إلى تصور أكثر من سيناريو يدفع بعضها إلى بدايات حلحلة لا بدّ من التوصل اليها في إطار السباق المحموم في ما بين أزمات غزة وسوريا ولبنان. وعليه ما هي النماذج التي تعطي هذا الانطباع؟

تعتقد مراجع ديبلوماسية أنّ من المقلق الحديث عن حجم الأزمات الدولية التي تفاقمت وتناسلت في أكثر من بقعة دولية، ما لم يسارع المجتمع الدولي إلى فكفكتها وتعطيل ما يؤدي إلى هزّة دولية غير مسبوقة. وأضافت في قراءتها لحجم الحروب التي خيضت في السنوات الثلاث الأخيرة على خلفية تجاوزها الضمانات الدولية والأممية، بالسعي إلى وقف الحروب التقليدية منها في العالم، او على الأقل بوقف استخدام الأسلحة المدمّرة خوفاً من بلوغ مرحلة قد تضطر فيها بعض الدول الكبرى إلى استخدام المحظور منها أو التهديد بإمكان اللجوء إلى بعضها، ولا سيما منها النووية، أو تلك الهيدروجينية الأقل خطورة وتدميراً.

وإن استندت هذه المراجع، إلى بعض المؤشرات التي توحي بالبديل منها، بعدما لجأت إليها بعض الدول، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية بتركيزها على العقوبات الاقتصادية والتجارية والجمركية التي شكّلت بديلاً منها، فإنّها انزلقت إلى العودة للأسلحة التقليدية في معالجتها للحرب الإسرائيلية – الإيرانية المباشرة، بعد سنوات عدة من استخدام أراضي الغير، حيث تنتشر الأذرع والقوى البديلة، واستبدالها بما بات يُعرف بالحروب التي تحكّمت بعدد منها على خلفية اللجوء إلى عقوبات سارعت واشنطن اليها في اكثر من منطقة في العالم كنموذج فريد لم يُعرف قبلاً في النزاعات الكبرى. وقد كان ذلك معتمداً قبل أن تتفرّد واشنطن بالعودة إلى استخدام قواها العسكرية التي تتميز بحجمها وشكلها وما يمكن ان تنتهي اليه، في معالجة ما كان يُعرف بـ “الملف النووي الإيراني”.

عند هذه المحطة تعترف المراجع بأنّ المجتمع الدولي لم يعد في استطاعته تحمّل مزيد من الأزمات التي تعقّدت من اوكرانيا إلى غزة وسوريا ولبنان، بحيث لا يمكن الفصل في ما بينها عند قراءة المصالح الكبرى المستهدفة، بطريقة انخرطت فيها دول عدة يفيض عددها عن تلك التي شاركت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، بطريقة لم تعد خافية على من يريد ان يقرأ الصفحة العالمية بعد ما تحول الكون إلى قرية صغيرة.

ولا تقف القراءة الديبلوماسية عند هذه الملاحظات التي يمكن اعتبارها سوسيولوجية وإنسانية، لتعترف عند عرضها لمسلسل الحروب، بأنّه وفي الوقت الذي تمكنت إيران من فرملة الإندفاعة الأميركية والإسرائيلية للاستثمار في ما انتهى إليه قصف المنشآت الإيرانية ومتمماتها من المنشآت الكهربائية والنفطية والصناعية المتخصصة، أنكفأت واشنطن ومعها بعض القوى الدولية إلى الأزمات الأخرى بغية معالجة بعضها وتبريد ساحاتها، وهو ما أوحت به تطورات الحرب في غزة ولبنان، في مسعى للإسراع في إنتاج حلول تؤمّن الانتقال إلى مرحلة متقدمة لوقف النار وإسدال الستارة على موجاتها المختلفة الوجوه العسكرية والأمنية كما الإنسانية وإعادة الإعمار.

وما يعني اللبنانيين، تضيف المراجع، هو انّه لا يمكن تجاهل الخطوات المتلاحقة على ثلاث ساحات على الأقل، قبل 3 أيام من وقف الحرب على إيران. وهو ما ترجمته “الطحشة” الأميركية في سوريا التي انطلقت بسرعة قياسية قبل تحقيق أي إنجاز على الساحتين اللبنانية والفلسطينية. وهنا برزت أهمية ما تحقق في سوريا، لمجرد أن تلاحقت الخطوات العملية، بعد اسابيع من لقاء ترامب والرئيس السوري احمد الشرع في الرياض. فكانت القرارات بتخفيف جزء من العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها، قبل أن يُفاجأ الجميع بإلحاق الملف اللبناني بهذا الملف وتحويله ورقة موازية في ملف أكبر، لمجرد تكليف الموفد الرئاسي الأميركي إلى دمشق توماس برّاك الملف خلفاً للموفدين السابقين الذين غرقوا في تفاصيل لبنان من دون ان يُنجزوا أي خطوة تشكّل تطوراً ايجابياً يعتد به.

على هذه الخلفيات، تصرّ المراجع عينها على اعتبار انّ الملف اللبناني تحول فجأة مفتاحاً أساسياً للمخارج التي تعني الملف السوري كما بالنسبة إلى اسرائيل، فطرحت مسألة تثبيت الحدود اللبنانية – السورية وتظهيرها، ليس لإلحاح المجتمع الدولي على ترتيب الحدود الشمالية والشرقية بين لبنان وسوريا، وإنما بمقدار ما بدا انّ المقصود إقفال ملف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر وصولاً إلى مرتفعات جبل الشيخ التي يمكن ان تفتح الطريق إلى إنهاء أي مسوغ للكلام عن أراضٍ لبنانية محتلة من جانب إسرائيل، يبرّر الحديث عن سلاح المقاومة فور الانتهاء من أي ترتيبات تنهي احتلال التلال الخمس المحتلة حديثاً في جنوب لبنان، ولتكون أي خطوة يمكن تحقيقها مكملة للحديث عن مصير السلاح غير الشرعي خارج المنطقة المحدّدة جنوب نهر الليطاني.

وقبل أن تقدّم المراجع الديبلوماسية أي سيناريو لما هو منتظر في لبنان مع عودة برّاك اليه، ولما يمكن ان تنتهي اليه زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لواشنطن تزامناً مع برامج أميركية لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق وقف نار تاريخي وطويل الأمد، فإنّ كل ذلك يجري قبل ان تتحقق أي خطوة في الملفين السوري واللبناني، وربما في الملف الإيراني ايضاً، في إشارة واضحة إلى انّ واشنطن لا تريد أي ربط محتمل بين الملف النووي وأي ملف آخر كانت لطهران يد فيه، سواء في غزة او سوريا او لبنان وربما اليمن لاحقاً، لينتهي السباق في ما بينها جميعها لمصلحة غزة أولاً وقبل غيرها، وهو ما يفرض رصد التطورات الراهنة المتلاحقة والحراك الفرنسي والروسي والسعودي والقطري وما بين واشنطن وكييف، حيث من المتوقع ان يستعيد ترامب الخطوات التي رفضها عندما اتخذها سلفه جو بايدن دعماً للرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي في الحرب الروسية ـ الأوكرانية.