خطوة مقابل خطوة: لبنان يرد على ورقة براك بشروطه

خطوة مقابل خطوة: لبنان يرد على ورقة براك بشروطه

الكاتب: غادة حلاوي | المصدر: المدن
6 تموز 2025

حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، استمرت المشاورات بشأن الرد على الورقة الأميركية التي نقلها الموفد توم برّاك. وقد انتهى إعداد نص الرد بخطوطه العريضة والمواقف المتفق عليها، لكن العمل لا يزال مستمرًا على صوغ المصطلحات وترجمتها إلى اللغة الإنكليزية. إنها مهمة شاقة أنجزها ممثلو الرؤساء الثلاثة خلال اجتماعات متواصلة، تخلّلتها فترات استراحة لمراجعة كل مستشار مرجعيته. هكذا مضى النهار وليلته في انتظار اجتماع إضافي وأخير بعد ظهر اليوم، ليرفع بعده الرد بصيغته النهائية والمترجمة إلى الرؤساء لإبداء الرأي وإعلان الموقف النهائي.
تركّز الحرص على اختيار مصطلحات لا تُغضب الأميركيين وتعكس إجماعًا وطنيًا بين الرؤساء الثلاثة، بحيث يُظهر الرد موقفًا وطنيًا جامعًا تلتزم الحكومة والرئاسات الثلاثة بنصّه.
الورقة ليست وثيقة أو نصّ اتفاق، بل هي “مذكرة لبنانية” جرى العمل عليها كردّ على ورقة برّاك والأسئلة التي تضمّنتها. فقد طلبت ورقة برّاك من لبنان إبداء ملاحظاته على مضمونها، وعلى هذا الأساس بُني نصّ الرد اللبناني. وجاءت الصياغة بمثابة أجوبة على الأسئلة، واستفسارات مضادة في المقابل.
لم يلتزم لبنان جدولًا زمنيًا لإنجاز ما هو مطلوب منه، بل رأى أنه من الأفضل أن يتم التنفيذ على مراحل، على أن تُقابل كل مرحلة تنفيذية بخطوة مقابلة من جانب إسرائيل. تتحدث “المذكرة” التي أعدّها لبنان، والمفترض أن يتسلّمها برّاك، عن الواقع الحالي في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية. وتشير إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي لم تلتزم به إسرائيل، كما أنها لم تنفذ القرار الدولي 1701، ولا تزال تحتل أراضي لبنانية. وتتطرّق الورقة إلى موضوع حصرية السلاح ووجود الجيش في الجنوب، وإلى حساسية الوضع الداخلي اللبناني الذي يتطلّب معالجة موضوع السلاح برويّة وتنفيذ تدريجي.

 

خطوة مقابل خطوة
كما تشير الورقة إلى أن واقع لبنان يتطلّب حوارًا مع حزب الله، وأن هناك توجهًا لفتح هذا الحوار حول المسألة. وتشدد الورقة على أن الرد اللبناني لا يتضمن أي تعهدات، ولا يُلزم حزب الله بتسليم سلاحه، بل يتحدث عن استعداد الدولة لتنفيذ المطلوب منها بالحوار والتفاهم، شرط ضمان انسحاب إسرائيل، ووقف الاعتداءات، وضمان إعادة الإعمار وعودة النازحين، مقابل معالجة موضوع سلاح المجموعات المسلحة على مراحل، وتسليم سلاح حزب الله الثقيل كمرحلة أولى. وتقترح الورقة تنفيذ الاتفاق بطريقة “خطوة مقابل خطوة”، مع طلب ضمانات لالتزام إسرائيل بتنفيذ المطلوب منها.
لم تتسلّم اللجنة بعدُ جواب حزب الله، الذي كان قد أبلغ، عبر الصيغة التي قدمها لرئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه لا يرى حاجة لاتفاق جديد طالما أن هناك اتفاقًا سابقًا لم تلتزم إسرائيل بتنفيذه. وأكد الحزب أن موضوع سلاحه شأن داخلي مستعدّ لمناقشته بمرونة وانفتاح مع الدولة اللبنانية. وقد رفض حزب الله الردّ بطريقة تُرضي إسرائيل، معتبراً نفسه غير معنيّ بورقة تُشبه “ورقة استسلام” يُراد تسليمها لإسرائيل بإيعاز أميركي.
ما أبلغه حزب الله إلى المعنيين استند إلى ما سبق أن أعلنه الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، من أن الحزب يرفض تسليم سلاحه في ظلّ استمرار الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية، مؤكدًا أن سلاحه دفاعي في مواجهة إسرائيل، وأنه طالما استمرّ الاحتلال، فستستمرّ المقاومة.
يرفض لبنان الانصياع لأي ضغط جديد يُمارَس عليه، وقد أبلغ المعنيين صراحة رفضه بنود “ورقة الاستسلام”، مؤكداً أنه سيواجهها، باعتبارها امتدادًا للعدوان الإسرائيلي اليومي. وطالما أن الضامن لم يحقق ضماناته في الاتفاق الأول، فكيف يمكن الوثوق به في اتفاق جديد؟

 

إطار وطني جامع
ويعتبر حزب الله أن السلاح شأن لبناني داخلي، ويُبحث بإيجابية للوصول إلى النتائج المرجوة. ويشير الحزب في ملاحظاته إلى أن الاتفاق السابق نصّ على أن لجنة المراقبة تتحقق من أي خرق يرتكبه أي طرف، في حين أن النص الحالي يمنح إسرائيل حق الردّ على أي خرق، بدعم أميركي، بينما إذا تعرّض لبنان للعدوان، فليس له سوى الشكوى إلى اللجنة.
بنتيجة البحث، أعدّ لبنان الرسمي ورقته في إطار وطني جامع، طالما أنها تحظى بتوافق الرؤساء الثلاثة. أما الطرف المعنيّ مباشرة، أي حزب الله، فقد بقي خارج أي التزام بشأنها. لكن الدولة تعتبر أن الطرف الذي يمثل الحزب ويتحدّث باسمه هو رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي شارك في إعداد الورقة، ووافق على ما ورد فيها، وستكون العلاقة مع حزب الله عبره، ولاحقًا من خلال حوار مباشر حول استراتيجية الأمن الوطني وحصرية السلاح بيد الدولة.
يأمل معدّو الرد أن يتفهّم الجانب الأميركي خصوصية الوضع الداخلي في لبنان، علمًا أن الورقة تتضمن تعهدًا بحصرية السلاح، والمضي قدمًا في ترسيم الحدود مع سوريا. لكن يبقى أن الطرف الأهم في ملف السلاح، أي حزب الله، خارج أي التزام، ورافضًا تقديم تعهدات في هذا الشأن. بل إنه لم يُظهر المرونة التي سبق أن أظهرها عند إقرار اتفاق وقف إطلاق النار، وربما لأنه استدرك أن الاتفاق الأول لم يجنّبه العدوان الإسرائيلي، ولم يحقق وعوده، فاختار التعويض برفض الاتفاق الثاني.
ورغم الأجواء المريحة في قصر بعبدا نتيجة اتفاق الرؤساء على ردّ واحد بلغة واحدة، يبقى القلق قائمًا من عواقب رد قد لا يرضي الأميركيين، وما يمكن أن يدفعه لبنان من ثمن. توافق الرؤساء على المصطلحات وترجمتها إلى اللغة الثانية لم يُلغِ أجواء التشاؤم. وغدًا يوم آخر… ومفصلي.