لبنان الرسمي يقرّر التفاوض تحت النّار

لبنان الرسمي يقرّر التفاوض تحت النّار

الكاتب: جوزفين ديب | المصدر: اساس ميديا
6 تموز 2025

حُسم الأمر، اتفق الرؤساء الثلاثة على الصيغة النهائية للردّ اللبناني الذي سيتسلّمه المبعوث الأمريكي توم بارّاك يوم الاثنين المقبل، في لقاء يعقده في بعبدا مع رئيس الجمهورية جوزف عون.

الردّ اللبناني أُنجز في اللجنة الثلاثية التي كان الحزب على اطلاع دائم على مداولاتها، عبر قناة الرئيس نبيه بري، الذي وصله ردّ الحزب وملاحظاته على الورقة. وفي تقييم أوّلي لخلاصة الردّ اللبناني المتماسك داخلياً بين الرؤساء الثلاثة والحزب، أنّ المسافات لا تزال بعيدة بينه وبين ورقة بارّاك، على قاعدة الانسحاب قبل تسليم السلاح أو التسليم قبل الانسحاب؟ فهل يكون ذلك حاسماً في إقفال أبواب الفرصة الأخيرة أمام لبنان والاتجاه إلى تصعيد، أم أنّ الحزب فتح نافذة نقاش بعيداً عن ورقة بارّاك التي يعتبرها صك استسلام، على قاعدة التسليم والانسحاب معاً وتباعاً؟

أكثر ما عبّر عن الموقف اللبناني هو الموقف الذي خرج عن رئيس الجمهورية في لقائه مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، وفيه رسم عون سقف الموقف اللبناني الجامع بين الرئاسات الثلاث، وبين الحزب. فقال: “إنّ الجيش اللبناني انتشر في منطقة جنوب الليطاني باستثناء الأماكن التي لا تزال تحتلها إسرائيل”، معتبراً “أنّ استمرار احتلال هذه التلال الخمس، التي لا قيمة عسكرية لها في ظل التطور التقني لأجهزة المراقبة، يحول دون تثبيت الأمن والاستقرار في الجنوب، كما امتناع إسرائيل عن إعادة الأسرى اللبنانيين المحتجزين لديها وعدم توقف الاعمال العدائية التي تطاول أحياناً الضاحية الجنوبية لبيروت والطرق المؤدية الى العاصمة، كل ذلك يجعل من الصعب على الدولة بسط سلطتها بشكل كامل، وحماية المواطنين، وتطبيق قراراتها ومنها حصرية السلاح”. ودعا عون إلى الضغط على إسرائيل لسحب قواتها وتقديم الضمانات اللازمة لعدم تكرار الاعتداءات على لبنان، والتقيّد بالقرار 1701 بكل مندرجاته.

هذا الكلام كانت قد عكسته مصادر رسمية لبنانية في سياق عمل اللجنة الثلاثية التي صاغت ردّها على أساس تبادل الخطوات بين لبنان وإسرائيل بدءاً من انسحاب إسرائيل من عدد من النقاط مقابل البدء بحصر السلاح. إلا أنّ ذلك لا يزال ينتظر الربع الساعة الأخير في إمكانية عقد الرؤساء الثلاثة لاجتماع بينهم قبل وصول بارّاك إلى بيروت.

الحزب والحركة: تباين في الباطن .. اتفاق في الظاهر

عكست أجواء عين التينة انطباعين. الانطباع الأول تحدّث عن تفاؤل وانسجام في المواقف، ونفي للمكتب الإعلامي للرئيس برّي ما نشر في بعض وسائل أنّ برّي ماضٍ من دون الحزب في حال عدم موافقته. والانطباع الثاني متشائم، ويتمحور حول أنّ المسافات لا تزال بعيدة بين موقف الحزب وورقة بارّاك، بالإضافة إلى انشغال لحركة أمل في تدبير وضع البيئة بعد مغادرة بارّاك وذهاب الأمور نحو التصعيد.

إلا أنّ واقع موقف الحزب عكسه أولاً نوابه وقياديون في خطب عاشوراء، عبر تأكيدهم أنّ السلاح باقٍ، وتذكيرهم بضرورة تطبيق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار قبل أي شيء آخر.

هذا الكلام، كرّرته مصادر متابعة للحزب لـ”أساس”، معتبرة أنّ لا حاجة للتوصل إلى اتفاق آخر طالما وافق لبنان على اتفاق وقف إطلاق النار برعاية أميركية فرنسية. وقالت المصادر أنّ واشنطن لم تستطلع ضمان تنفيذ هذا الاتفاق، فكيف نضمن أنّ تنفذ إسرائيل أي اتفاق آخر؟

وهنا أعاد الحزب النقاش إلى المربع الأول، يوم كان السؤال: الدجاجة قبل او البيضة؟ مشيراً إلى أنه منفتح على مناقشة كل شيء بإيجابية بعد تنفيذ إسرائيل للاتفاق. أمّا الردّ اللبناني، فتقول المصادر المطلعة على موقف الحزب أنه يتناسب مع سياسة عدم الذهاب إلى تصعيد، ولكن مع تثبيت الأولويات اللبنانية أولاً.

لا مراوغة … وتصعيد في الأفق

بينما غرّد بارّاك على منصة “إكس” متحدثاً عن التقاط لبنان للفرصة الأخيرة، قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس”، إن بارّاك سيكون حاسماً جداً في هذه الزيارة، وحازماً في تطبيق لبنان للشروط الدولية. وأكّدت المصادر أنّ القاعدة هي “حصر السلاح بيد الدولة لانسحاب إسرائيل”، و”لا حصر السلاح بيد الدولة يعني أنّ لا انسحاب إسرائيلي من لبنان”. هذه القاعدة تضيف عليها مصادر عربية قائلة أنّ لا حصر للسلاح يعني إبقاء الحظر على لبنان وإقفال أبواب إعادة الإعمار عليه. وبالتالي إنّ كل ما يقال عن أولويات ليست موجودة في الأجندة الدولية، على اعتبار أنّ لبنان لم يعد يملك أي أوراق قوة ليفاوض عليها، وعليه الذهاب إلى ورشته الداخلية الأمنية والسياسية أولاً.

في تقييم الأروقة الدبلوماسية، إنّ ما هو ظاهر حتى الساعة في الموقف اللبناني سيؤدّي حكماً إلى تصعيد إسرائيلي سيفتح باب العودة إلى التفاوض تحت النار. في المقابل، لا تزال بعض الكواليس الدبلوماسية تراهن على نافذة لا تزال موجودة، شرط أن يتولى إدارتها “عقلاء” يدركون كيف يصيغون المخارج بشكل لا يمكن للحزب أن يرفضها، وترضي في المقابل تل أبيب وواشنطن.