
بارّاك: من يضمن الإسرائيلي كمن يمشي على الماء..
لم يحمل الموفد الأميركي توم بارّاك مفاجآت للبنان خلال زيارته الأخيرة، بل جاء في مهمة دقيقة ومحدّدة: استلام الردّ اللبناني على الورقة الأميركية التي نوقشت على مدى أسابيع بين الرئاسات الثلاث، من دون الدخول في نقاشات تفصيلية أو تفاوض مباشر. فبارّاك، الذي حرص على طابع البروتوكول والانضباط في مهمته، تسلّم الردّ وغادر، تاركاً التقييم النهائي للإدارة الأميركية والكونغرس، وليس لمنصة المؤتمر الصحافي. سيعود بارّاك بعد أسبوعين أو أكثر إلى لبنان كما قال، وبانتظار عودته لبنان سيبقى ساحة مستباحة للإسرائيلي ليفعل بها ما يشاء.
الردّ اللبناني سيُقرأ أولاً في واشنطن، لا في بيروت، وسيُقاس بميزان المصالح الأميركية والاستراتيجية الإسرائيلية. فلبنان، سواء اعترف بذلك أم لا، حاضر على طاولة اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ليس بصفة شريك، بل كأحد بنود الجدول. وكما يقال في السياسة الدولية: “إذا لم يكن لك مقعد على الطاولة، فاعلم أنك على قائمة الطعام”.
بحسب مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ اللقاءات التي عقدها بارّاك مع المسؤولين اللبنانيين أبرزت الجهد السياسي الذي بُذل في إعداد الورقة، أكثر مما سلطت الضوء على مضمونها. فقد حرص المسؤولون اللبنانيون على تلاوة فقرات من خطاب القسم الرئاسي في بعبدا، والبيان الوزاري في السراي الحكومي، وحتى من روحية اتفاق الطائف التي حضرت في عين التينة، لتأكيد تمسك الدولة بثوابتها ومرجعياتها الدستورية.
لكن خلف العناوين العامة، تحدثت معلومات “أساس” عن أنّ الردّ اللبناني انتظر حتى ساعات الصباح لينضج، بعد رسائل وصلت إلى لبنان بأنّ ما كان معداً ليس كافياً. فأضيف في الردّ بند متعلّق بالسلاح والآليات التنفيذية، بصيغة مرنة تقوم على مبدأ حصريّة السلاح بيد الدولة واحتكار قرار الحرب والسلم من قبل المؤسسات الشرعية. وهذه الصيغة، ودائماً كما وردت في “البيان الوزاري وخطاب القسم”. إلا أنّ المخارج الكلامية، وإن أُلبست لباساً سيادياً، فإنّها تبقى عرضة لقراءات متباينة وغير كافية، خصوصاً في ظل انعدام الثقة القائم بين واشنطن والسلطة اللبنانية أولاً، و”حزب الله” ثانياً.
بارّاك: لكنت أفضل المشي على الماء
واحدة من أكثر العبارات دلالة قالها بارّاك في عين التينة. إذ قال رداً على سؤال حول إمكانية ضمانه عدم حصول الحرب على لبنان: If I could assure the Lebanese, then I’d be walking on water instead of on this thing. هذا يعني أنّ ضمان هذا الأمر لللبنانيين صعب جداً، و”ربما لمشيت على الماء بدلاً من هذا”. وهذا للدلالة على صعوبة أو استحالة القيام بهذا الأمر.
ماذا يعني هذا الكلام؟
تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” أنّ هذا الكلام يشبه إلى حدّ كبير ما قاله الموفد السابق آموس هوكستين في زيارته الأخيرة إلى لبنان قبل الحرب، وإن بعبارات مختلفة. إذ أنّ الإدارة الأميركية ليست ضامنة لأي حرب إسرائيلية مقبلة، والمطلوب من لبنان أن ينجز ما عليه، وإلّا فإنه سيكون متروكاً. وهذا ما قاله علناً بارّاك في مؤتمره الصحافي.
واشنطن: على “الحزب” أن يختفي عسكرياً
واحدة من الرسائل الدبلوماسية التي أرسلها بارّاك علناً هي لـ”حزب الله”، وهي تستكمل ما قاله سابقاً في المملكة العربية السعودية لقناة “العربية” عن اختفاء “الحزب” عسكرياً. اليوم عاد وكرّر أنّ “حرب الله” حزب سياسي في تأكيد على دعوة واشنطن لأن يكون سياسياً لا عسكرياً.
في الكواليس، يجري الحديث عن طرح أميركي لفتح الباب أمام “الحزب” للانخراط في العملية السياسية بصورة كاملة إذا ما تخلى عن جناحه العسكري. لكن هذا المسار لا يزال يصطدم بأكثر من معطى. الأبرز هو أنّ “الحزب” لا يزال يوجّه الأسئلة أكثر مما يعطي الأجوبة، ويكتفي بإدارة اللعبة من خلف كواليس عمل السلطة اللبنانية، من دون الدخول في التزامات مباشرة.
بانتظار ظهور التفاعل الأميركي- الإسرائيلي حول الردّ، لا سيما في ظل اللقاء بين بنيامين نتانياهو ودونالد ترامب، يحاول لبنان الرسمي تدوير الزوايا والموازنة بين الضغوط الخارجية والواقع الداخلي.
داخلياً بدأ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بالتصويب مباشرة على الترويكا الرئاسية بهدف الضغط لوضع بند السلاح على طاولة مجلس الوزراء، وكل كلام رئيس الحكومة نواف سلام ليس كافياً للردّ على ما أصاب به جعجع. وخارجياً، خرجت المسألة من بيروت، ودخلت مرحلة التقييم الدولي الصامت، حيث يُصاغ المستقبل في الغرف المغلقة لا على الشاشات في التصريحات.
لعل أكثر ما يعبّر عن ورقة السبع صفحات التي قدمها لبنان ولم يقرأها بارّاك بعد، هو قول “مرتا مرتا، إنك تهتمين بأمور كثيرة… والمطلوب واحد”.