
«موناليزا» برّاك في بيروت… دبلوماسية ملتبسة والعين على تل أبيب
قال الموفد الأميركي توماس براك كلماته «الدافئة» ومشى تاركاً للبنانيين تفسيرَها، على طريقة «لوحة الموناليزا»، وإن مع معطياتٍ خلف الكواليس عن أن جوهر مَهمته كـ«وسيطٍ» في ملف سلاح «حزب الله» وأخواته يتمحور حول أن لبنان أمام نافذةٍ ضيّقة فإما يقفل بنفسه «بابَ الريح الهوجاء» التي ما زالت تحوم فوقه، وإما يكون عَزَلَ نفسه عن رياح التغيير التي هبّتْ على المنطقة ليبقى على قارعة الشرق الجديد أسير… قرقعة الصواريخ.
وفي الوقت الذي كان برّاك في اليوم الثاني لزيارته يواصل لقاءاته، حيث زار قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل وجال في منطقة جنوب الليطاني، فإن المواقف التي أطلقها أول من أمس وُضعت في «الغربال» وراوحت قراءتها بين حدّي:
– أنها تعبير عن «دبلوماسية دسّ السم في العسل» بمعنى أن المقاربة الهادئة التي اعتمدها براك وبدت أقرب إلى «الغموض الإستراتيجي» المتعمّد، انطوتْ عملياً على حشْر الدولة اللبنانية في زاوية إيجاد «الترياق» لمشكلة «حزب الله»، الذي وإن كان «مُنتَجاً للثورة الإيرانية» (في امتداده الآيديولوجي والعسكري) وفق خصومه، فإنه مُنْتِج أزمات متناسلة ومتاعب لـ«لبنان أولاً» قبل الإقليم.
– وأنها تعبّر عن تَفَهُّمٍ أميركي للتمهُّل الرسمي اللبناني في التعاطي مع قضية السلاح والتأني في تحويلها لغماً يَنفجر بالجميع في الداخل في الوقت الذي تسعى واشنطن إلى «إخماد الحرائق» في المنطقة ولو أحياناً على طريق «السلام بالقوة».
وإذ أفادت تقارير بأن جولة براك في جنوب الليطاني تخللتْها معاينة للإجراءات التي قام بها الجيش اللبناني لتنفيذ اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) في المنطقة وأنه أثنى على الجهود التي قام بها الجيش في هذه البقعة، فإن مَن تسنى لهم الاطلاع على فحوى محادثات أجراها الموفد الأميركي خارج لقاءاته مع رؤساء الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري ووزير الخارجية يوسف رجي، رسموا صورةً متعددة البُعد عن مهمته والردّ الذي تلقّاه من لبنان الرسمي (عون) على مقترَحه للحل.
لاءات… ولاءات
وبحسب هؤلاء فهناك 3 لاءات تُقابِلها 3 لاءات أخرى ارتسمت «بين السطور» و«فوق سطوح» زيارة براك وعلى هامشها:
– «لا» من «حزب الله» لتسليم سلاحه، وظهّرها تباعاً عشية الزيارة وصولاً إلى تكرار نائبه إيهاب حماده، «إننا لا نعتبر» الأميركي وسيطاً بل شريكاً (لاسرائيل)، معتبراً أن الحزب «وعلى عكس ما تقول الولايات المتحدة إنه مشكلة لبنانية، فهو كان حلا وضماناً للبنان، وأميركا وإسرائيل هما أساس المشاكل في العالم والمنطقة»، ومؤكداً أن «موضوع السلاح ليس مطروحاً إطلاقاً وهو فقط مطروح لدى بعض اللبنانيين في خيالهم وأوهامهم، ونص القرار 1701 يتحدّث عن إجراء جنوب الليطاني، «حزب الله» ملتزم بكل مندرجاته، لكن من انقلب وخرق ولم يُبقِ شيئاً هو الإسرائيلي».
وإذ لفت حمادة إلى «أسئلة رئيس الجمهورية المتعلقة بالتنصل الكامل للأميركي من أداء الإسرائيلي وخرق 1701»، معتبراً أن «هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات»، شدد على «البقاء في موقع المقاومة حتى تحرير كامل الأراضي العربية وتحرير أرضنا».
– «لا» من إسرائيل لبقاء وضعية «حزب الله» وسلاحه كما هي، أو ترْكها لدينامية داخلية «مفتوحة زمنياً».
– «لا» من الدولة اللبنانية لأي مواجهة داخلية مع الحزب من شأنها جرّ البلاد إلى صِدامٍ لا قدرة لها على تَحَمُّله، وأكلافه أعلى بكثير من أيّ حرب إسرائيلية و«ستحفر» في السلم الأهلي طويلاً، وتالياً فإن الحلّ بالنسبة لها «هو من الخارج إلى الداخل، ولن نقحم أنفسنا في ما قد يجرّ إلى ما لا تُحمد عقباه».
وفي حين يكشف مَن اطلعوا على جوانب من زيارة براك أن فحوى مقاربته يتمحور حول أن على الدولة أن تبسط سيادتها على كامل أراضيها وتحتكر السلاح وتضع «جدولاً زمنياً» افتراضياً محكوماً واقعياً بالسرعة الهائلة التي تتحوّل فيها المنطقة وإلا «بقيتْ خلف الركب وتحمّلت تبعات موقفها، و«هذه ستكون مشكلة لبنان»، فإنهم أشاروا إلى 3 لاءات ستترتّب على تلكؤ بيروت عن إعلاء المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار وعدم التقاط «فرصة العمر» التي يمثّلها الاهتمام «النادر» بـ«بلاد الأرز» من رئيس أميركي لـ«صبره» تاريخ صلاحية «قصير المدى».
… لا انسحاب إسرائيلياً من التلال الخمس ولا ضغط أميركياً لتحقيق ذلك، لا وقف للضربات على لبنان ولا دفعاً من واشنطن لإنهائها، ولا مساعدات لإعادة الإعمار، هو «المثلث» الذي بات محسوماً أنه سيتولّد من إضاعة بيروت المزيد من الوقت الذهبي، وسط اعتبار هؤلاء أن براك أراد توجيه رسالة واضحة وإن منمّقة وتتفادى إظهار الولايات المتحدة كدولة وصاية: «اتّخِذوا قراركم وتحمّلوا مسؤوليته»، لافتين استطراداً إلى أن الوضع في «بلاد الأرز» صار أمام احتماليْن:
– بالحدّ الأدنى أن يبقى على حاله من ضربات موْضعية إسرائيلية شبه يومية.
– وبالحدّ الأقصى أن تنفجر جولة جديدة من الحرب وهذه المرة لا يُعرف هل ستبقى الدولة ومرافقها محيَّدة عنها بعدما صار لبنان الرسمي في واجهة الردّ على المقترح الأميركي.
غارة وتأهب
وفي حين أشارت معلومات إلى أن الردَّ اللبناني على ورقة براك، بنقاطه الـ15، وَصَلَ إلى واشنطن ويُفترض أن يكون حَضَرَ على الطاولة بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم يكن عابراً أمس في حضرة الموفد الأميركي وفي غمرة محاولات واشنطن إرساء هدنة الشهرين في غزة أن تتمدّد الاعتداءات الإسرائيلية في لبنان أمس، لتصل للمرة الأولى منذ سريان اتفاق وقف الأعمال العدائية إلى قضاء زغرتا (الشمال).
فقد استهدفت قطعة جوية تابعة لسلاح الجو، سيارة بصاروخين في منطقة العيرونية، على الطريق بين طرابلس والضنية.
وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه هاجم «مخرباً بارزاً من منظمة حماس الإرهابية في منطقة طرابلس بلبنان»، أفاد إعلام عبري بأن الغارة استهدفت القيادي مهران مصطفى بعجور رئيس قسم التخطيط في قسم البناء في «حماس»، قبل أن تعلن وزارة الصحة اللبنانية عن ثلاثة قتلى و13 جريحاً.
في موازاة ذلك، نقلت قناة «العربية» عن مصادر أن «حزب الله دخل حال تأهب قصوى على محاوره كافة، ويُخْلي عدداً من مراكزه في مناطق عدة تحسباً لضربة إسرائيلية»، وأن «العديد من عائلات وكوادر الحزب غادروا من الجنوب إلى بيروت».
«الجو منيح»
في الأثناء، زار سلام أمس رئيس مجلس النواب في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة حيث تناول اللقاء تطورات الأوضاع العامة والمستجدات السياسية والميدانية ونتائج زيارة برّاك للبنان.
ورداً على سؤال حول تقييمه لنتائج زيارة الموفد الأميركي اكتفى سلام بالقول «الرئيس بري (الاثنين) كفى ووفى، والجو منيح».
ومن قصر بعبدا، برز إعلان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعد لقائه عون «ناقشتُ مع رئيس الجمهورية المواضيع كافة» و«في شي ممتاز وفي شي بدو انتظار».
وأضاف ان «زيارة الموفد الأميركي ممتازة جداً وفق ما قال الرئيس عون وقد قُدّمِت ورقة الرّد إليه ولايزالون ينتظرون إجابة من حزب الله»، وهي الإشارة التي اعتُبرتْ امتداداً للمناخ عن أن لبنان الرسمي قدّم جوابه بمعزل عن ملاحظات الحزب التي تولى بري إيداعها لدى براك، وذلك في محاولة لإيجاد «مسافة» بين الشرعية اللبنانية والحزب.
وتَرافق هذا الحِراك مع كشف وسائل إعلام لبنانية عن بغض مضامين الجواب اللبناني الذي تسلّمه الموفد الأميركي، وسينكبّ على بحث تفاصيله على أن يعود إلى بيروت خلال أسابيع قليلة أو تتولى السفيرة في بيروت ليزا جونسون إبلاغ لبنان بالردّ على الردّ.
ونقل موقع «لبنان 24» عن مصدر استشاري بارز، أن كتاب رد لبنان على ورقة براك يتألف من سبع صفحات قُدمت من رئيس الجمهورية إلى الموفد الأميركي تحت اسم «ورقة الدولة اللبنانية»، وفي أساس مضمونها رغبة وسعي الدولة إلى حصرية السلاح، كل السلاح وسلاح «حزب الله» أينما وُجد على الأراضي اللبنانية.وتضمّنت الورقة عدداً من الصفحات تتحدث عن ترسيم وضبط الحدود من الجانبين السوري والإسرائيلي، كما عن الإصلاح الإداري والمالي والقضائي ومواضيع أخرى ذات اهتمام مشترك.
وبحسب المصدر «فإن الأهمّ حالياً ليس موجودا ضمن هذه الورقة وهو موقف أو جواب «حزب الله» على تسليم السلاح».
وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع استقبل ليل الاثنين الموفد الأميركي توم برّاك ترافقه سفيرة الولايات المتحدة حيث «تناول البحث الأفكار التي وردت في ورقة العمل التي قدمها براك إلى المسؤولين اللبنانيين».
وأكد جعجع الذي استبقى براك على مائدة العشاء، أن «مطلب جمع كل سلاح غير شرعي، فلسطينياً أم لبنانياً، من الدولة اللبنانية هو مطلب لبناني في الأساس، وهو الممهد لقيام دولة فعلية في لبنان».
وشدد على أنه «من دون حل كل التنظيمات العسكرية والأمنية غير الشرعية، وغير القانونية، لا يمكن الوصول إلى دولة فعلية في لبنان».