
الأردن يمضي بحسم ملف “الإخوان”… فهل تنجو ذراعها السياسية؟
يواصل الأردن اتخاذ إجراءات بحق “جماعة الإخوان المسلمين” التي كان أعلن حظرها في نيسان/ أبريل الماضي، بعد نحو أسبوع من تفكيك خلية تابعة لها، قالت السلطات إنها “كانت تخطط لمؤامرة ضد المملكة والمساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي”.
يوم الأربعاء، اتُخذت مجموعة من الإجراءات بحق جمعيات وشركات تعد واجهات مالية للجماعة، أبرزها تحويل 3 جمعيات وشركة إلى النائب العام بسبب مخالفات وتجاوزات إدارية، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية (بترا)، التي أشارت كذلك إلى أن إجراءات قانونية ستتخذ بحق 5 أشخاص يقومون بجمع التبرعات في أحد أحياء عمان بشكل غير قانوني، في حين لا تزال السلطات المعنية تتابع ملف أملاك الجماعة المحظورة من حسابات بنكية وأموال وعقارات، لاتخاذ المقتضى القانوني حيالها.
ولا يمكن فصل ما يحدث بشأن الجماعة المحظورة عن ذراعها السياسي حزب “جبهة العمل الإسلامي”، وفق ما يرى المدير التنفيذي في مؤسسة مسارات الأردنية للتنمية والتطوير طلال غنيمات، مشيراً إلى أن “الحزب تحت مجهر الدولة الأردنية، ومطلوب منه إثبات فك ارتباطه بالجماعة والعمل تحت المظلة الحزبية الوطنية دون أي ارتباطات مخالفة للقانون، مع الحرص على أن لا يكون للحزب امتدادات خارجية تخدم أجندات تتعارض والمصالح الأردنية العليا”.
ويضيف لـ”النهار” أن “ما حدث مؤخراً بشأن رصد نائب في البرلمان ينتمي للحزب أثناء محاولته تهريب وثائق من مقر كان تابعاً للجماعة المحظورة ثم توقيفه لفترة وجيزة قبل إخلاء سبيله بكفالة مالية، يعد تطوراً لافتاً يجعل ملف علاقة الحزب بالجماعة على سلم الأولوليات، وسط ترقب ما إذا كان الحزب سينأى بنفسه عن أي ارتباط بالجماعة بالفعل، أم سيستمر الارتباط العضوي بينهما، وبالتالي لجوء السلطات إلى إجراءات حاسمة بحق الحزب”.
ويؤكد غنيمات أن “المأمول من حزب جبهة العمل الإسلامي، هو إعادة التموضع وصياغة علاقة سليمة ومتوازنة مع الدولة، بما يضمن استمرار انخراطه بعملية التحديث السياسي التي جنى الحزب ثمار إفرازاتها وحصل على غالبية المقاعد الحزبية في البرلمان الحالي”، مشدداً في الوقت ذاته على أن “ملف الحزب بعد حظر الجماعة بات بالنسبة للدولة الأردنية ملفاً على طاولة الحسم برسائل واضحة وصريحة تضع الكرة في ملعب الحزب”.
ومن وجهة نظر الباحث في الفلسفة السياسية والفكر الإسلامي، والخبير في شؤون الحركات الإسلامية حسن أبو هنية، فإن “ما يجري اليوم هو تصعيد في الضغوط على جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الجماعة المعارضة الأكبر والأكثر تنظيماً في الشارع الأردني”.
ويوضح أبو هنية لـ”النهار” أن “الدولة الأردنية تنتهج مقاربة مزدوجة تجمع بين القمع والاحتواء؛ فالقمع يتم عبر الوسائل القانونية والأمنية، بينما يُمارَس الاحتواء من خلال تقديم بعض الإغراءات السياسية”، مشيراً إلى أن “هذه المقاربة تأتي في ظل تحولات إقليمية متسارعة بعد السابع من أكتوبر، وتنامي المخاوف من صعود جديد للإسلام السياسي”.
ويضيف أن “الحديث عن استئصال كامل للجماعة يبدو غير مرجّح، لكونه لا يخدم مصلحة الأردن، ولا ينسجم مع طبيعة النظام الملكي القائم على شرعية دينية وقومية”، معتبراً أن “الاستبعاد الكامل للإخوان لا يمكن تحقيقه إلا بوجود مبررات استثنائية، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن، رغم كل المخاوف المرتبطة بالتقلبات الإقليمية وعلاقة الجماعة مع حماس”.
“تصفية الحركة الإسلامية”
وردا على استفسارات “النهار”، يقول نائب رئيس لجنة الحريات في حزب “جبهة العمل الإسلامي” المحامي عبد القادر الخطيب “إن ما جرى أخيراً لا يستند إلى أي مخالفات قانونية واضحة، بل يأتي ضمن قرار سياسي المسبق لتصفية الحركة الإسلامية في الأردن”.
ويضيف: “منذ عقود، والحركة الإسلامية جزء من الحياة السياسية في البلاد، وكانت تُعرف بدورها المعتدل والتزامها بالقانون، لكن يبدو أن هناك ضغوطاً خارجية دفعت باتجاه الحد من حضورها، خصوص
اً بعدما أصبحت في نظر البعض تمثل آخر حركة إسلامية فاعلة وقادرة على قيادة الشارع”.
ويتابع الخطيب: “عندما رأى البعض أن الحركة الإسلامية في الأردن لا تزال فاعلة وتنظم الشارع، حاولوا وقف هذه المسيرة. لكن مع الأسف، لم يكن ذلك نتيجة مسار قانوني، بل جاء ضمن تطورات إقليمية بعد الحرب على غزة، وانعكاسات إقصاء الحركة الإسلامية في دول أخرى”.
“جر الحزب للمسار نفسه”
لكنّ لوزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة رأياً آخر مختلفاً تماماً، ويقول: “أصبح مؤكداً أن الدولة الأردنية اتخذت قراراً لا رجعة عنه في تعاملها مع الجماعة، لكنه تعامل عبر القانون والقضاء، وحتى ملف حزب الجبهة الذي لم يشمله قرار حظر الجماعة، فإن إدارة قيادة الجماعة المحظورة للحزب تعزز القناعة لدى من يؤمنون بأن بقاء الحزب سيعطي فرصة للجماعة للعمل العام عبر هذه النافذة”.
ويشير بهذا الخصوص إلى أن “ما جرى خلال الشهرين الماضيين من إدارة ملف الحزب من قيادته وقيادة الجماعة، يضع الحزب في دائرة الخروج على القانون”.
ويضيف المعايطة لـ”النهار” أن “الجماعة أهدرت نفسها بأوهام السلطة وتحولها إلى أداة خارجية، واليوم، للأسباب نفسها، تذهب بالحزب إلى المسار ذاته”.
ويعتبر أن “توقيف النائب حسن الرياطي قبل أيام جاء دون توجيه تهمة جنائية واضحة، وما جرى بحقه لا يعدو كونه جزءاً من سلسلة إجراءات تمهيدية أوسع، ربما تهدف إلى حل الحزب أو تقليص حضوره”.
ويؤكد الخطيب “أن الحزب في طريقه إلى تصويب أوضاعه بما يتماشى مع المرحلة. لكن لا يوجد أي مبرر قانوني للإجراءات الأخيرة، فالحزب مرخّص ويعمل ضمن الإطار الديموقراطي، وكان ولا يزال أحد مكونات التوازن في الدولة”.
وبشأن الإجراءات الجديدة بحق جمعيات مرتبطة بالجماعة المنحلة، يوضح أن “الجمعيات المعنية معروفة، وكانت تحت إشراف الحكومة ورقابتها منذ سنوات، وحتى التبرعات كانت تدار أحياناً عبر الهيئة الخيرية الهاشمية. فلا توجد أي شبكة تمويل غير مشروعة، ولا علاقة مالية بين الحزب والجماعة المحظورة”.
ويدعو الخطيب “الدولة الأردنية إلى تحكيم صوت العقل والحكمة في التعامل مع هذه المرحلة”، مشدداً في الوقت ذاته على أن “الحزب يقوم حالياً بتصويب أوضاعه، ونحن منفتحون على أي حوار وطني يعزز الاستقرار، ويحفظ العمل الحزبي ضمن مظلة القانون والدستور”.