
الواردات الجمركيّة اللبنانيّة: ارتفاع هائل وغير مسبوق
صدرت أرقام إدارة الجمارك اللبنانيّة، التي تُظهر الإيرادات الجمركيّة المحصّلة خلال السنة الراهنة، لغاية شهر نيسان الماضي، وهو ما يشمل الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة. الواضح من هذه الأرقام، أنّ الدولة اللبنانيّة حقّقت خلال السنة الحاليّة زيادة هائلة وغير مسبوقة، في حجم إيراداتها الجمركيّة، التي تضاعفت بنحو ثلاث مرّات، مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي.
من الناحية العمليّة، تقاطعت عدّة عوامل لتؤدّي إلى هذه الزيادة: من التحسّن في حجم الاستهلاك المحلّي، وزيادة حركة المرفأ، فضلاً عن بعض الإجراءات التي تم اتخاذها لمكافحة التهريب. مع الإشارة إلى أنّ شهر نيسان الماضي، شهد زيادة ملحوظة في حجم الإيرادات الجمركيّة المُحققة، مقارنة بالأشهر السابقة من العام نفسه.
نسبة الزيادة غير مسبوقة
وفقاً لأرقام إدارة الجمارك، بلغ حجم الإيرادات الجمركيّة هذه السنة، لغاية شهر نيسان، حدود 40.94 ترليون ليرة لبنانيّة، وهو ما يوازي 457.45 مليون دولار أميركي. وهذا ما يزيد بنسبة 193%، عن حجم الإيرادات المُحققة خلال الفترة نفسها من العام السابق 2024، والتي لم تتجاوز حدود 13.97 ترليون ليرة لبنانيّة. وفي العام 2023، اكتفى لبنان بتحصيل 5.82 ترليون ليرة لبنانيّة فقط من الإيرادات الجمركيّة، فيما انخفض هذا الرقم إلى مستوى 0.65 ترليون ليرة لبنانيّة فقط خلال عام 2022. بمعنى أوضح، لم يسبق أن سجّلت الدولة هذه الزيادة السريعة والمفاجئة في حجم الإيردات الجمركيّة، كما حصل هذه السنة.
وإذا كان تصحيح قيمة “الدولار الجمركي”، أي سعر الصرف المعتمد لاستيفاء الرسوم الجمركيّة، يفسّر بعض الزيادات خلال السنوات السابقة، فهذا العامل لا يفسّر زيادة الإيردات الجمركيّة بين العامين 2024 و2025. إذ لم يشهد سعر الصرف المعتمد لاستيفاء الرسوم أي تحوّلات جذريّة بين العامين، بعدما تم الانتقال سابقاً بشكل متدرّج إلى سعر صرف يقارب سعر صرف السوق السوداء. وعليه، يجدر البحث عن الأسباب في أمكنة أخرى.
العامل الأوّل والأوضح، كان الإجراءات التي جرى اتخاذها في جميع المعابر البريّة والبحريّة والجويّة، في أعقاب الحرب الأخيرة، والتي ساهمت بالحد من أنشطة التهريب إلى حد بعيد (وإن لم يتم التخلّص من هذه الظاهرة كلياً). ومن هذه الإجراءات مثلاً، إجراء تبديلات في أطقم المراقبة على بعض المعابر، أو فرض تغييرات في أنظمة المراقبة والتدقيق الجمركي. وهذا ما ساهم في زيادة نسبة التحصيل الضريبي، وإخضاع نسبة أكبر من السلع المستوردة للرسوم الجمركيّة. وعليه، كان لهذه الإجراءات المدفوعة بحسابات أمنيّة، تأثيرات ماليّة لا يمكن التغاضي عنها.
ومن المهم التذكير هنا بمجموعة من الفضائح التي ظهرت خلال الأشهر الماضية، بفضل تشديد القيود على أنشطة الاستيراد، وهو ما أدّى إلى ضرب وكشف بعض شبكات التهريب التي نشطت خلال السنوات الماضية. ومن هذه النماذج مثلاً، شبكة الدواء المهرّب، التي قامت باستثمار مدّخرات مجموعة من الأشخاص في عمليّات تهريب منظمة للأدوية، قبل أن تنهار الشبكة وتتوقّف أعمالها مع تغيير الإجراءات الأمنيّة في المطار. وهذا ما حصل أيضاً بالنسبة إلى شبكة تهريب الذهب من تركيا إلى بيروت، والتي انطوت أعمالها على قدر كبير من شبهات تبييض الأموال.
في الوقت نفسه، ساهمت الزيادة في نشاط مرفأ بيروت في رفع حجم إيرداته الجمركيّة. فخلال السنة الحاليّة، ارتفع نشاط المرفأ لغاية شهر نيسان بنسبة 18.21%، مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابقة. وهذا ما يعود إلى انتعاش حركة الاستيراد والاستهلاك، في أعقاب انتهاء الحرب الإسرائيليّة على لبنان، فضلاً عن الحاجة لبعض مواد البناء لترميم الوحدات المتضرّرة.
الإيرادات خلال شهر نيسان
في الوقت نفسه، تشير الأرقام إلى أنّ حجم الإيرادات الجمركيّة خلال شهر نيسان -وحده- ارتفع إلى حدود 23.37 ترليون ليرة لبنانيّة، مقارنة 10.6 ترليون ليرة لبنانيّة فقط خلال شهر آذار. وهذا ما يعني أنّ حجم الإيرادات ارتفع بنسبة 120.59% بين الشهرين، لأسباب ترتبط بزيادة حجم الاستيراد مع اقتراب موسم الاصطياف، وزيادة حركة الوافدين إلى لبنان خلال شهر نيسان عبر مطار بيروت. وعلى أي حال، تؤكّد هذه الأرقام أن حجم الإيرادات الجمركيّة كان يسجّل المزيد من الارتفاع بمرور كل شهر، منذ بداية العام الحالي، وهو ما يفترض أن يؤشّر إلى مزيد من الزيادات في حجم هذه الإيرادات.
في النتيجة، تتكامل هذه النتائج مع الأرقام التي تسجّلها سائر أبواب الإيرادات، في الميزانيّة العامّة للدولة اللبنانيّة، والتي شهدت طوال الفترة الماضية ارتفاعات ملحوظة جرّاء عوامل متعدّدة. وهذا ما يفترض أن يدفع الحكومة للأخذ بهذه الوقائع الجديدة، في سبيل تصحيح بعض الاختلالات السابقة، عبر استخدام هذه الإيردات الإضافيّة لتصحيح أجور ورواتب العاملين أو المتعاقدين في القطاع العام، فضلاً عن تصحيح سقوف الاعتمادات الممنوحة للإدارات الرسميّة.