
هل فرملت السعودية استقالة وزراء القوات من الحكومة؟
أصغى المبعوث الأميركي توماس بارّاك جيّدًا لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع خلال العشاء المطوّل الذي جمعهما في معراب، بحضور السفيرة الأميركية ليزا جونسون. الموقف الأميركي حيال الداخل اللبناني لم يكن على “نفس الموجة”، على عكس أجواء حزب الله التي نقلت لـ”المدن” ارتياح الحزب حيال مواقف بارّاك “الإيجابية” تجاه الداخل، خلافًا لما كان متوقّعًا بأن يكون حديثه موجّهًا وحاسمًا.
الللقاء مع بارّاك: “الصور تتكلم”
“الصور تتكلّم”، هكذا عبّرت أوساط معراب لـ “المدن” عن لقاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مع المبعوث الأميركي مساء الاثنين، والذي وصفته بالإيجابي جدًا. وربّما ركّزت القوات على الصور أكثر من الرسالة التي أراد بارّاك إيصالها. عشاء مطوّل ولقاء عميق لقرابة الثلاث ساعات جمع جعجع ببارّاك في معراب.
على مأدبة العشاء، أعرب جعجع مجددًا أمام ضيفه الأميركي عن امتعاضه من استفراد الرؤساء الثلاثة بالردّ اللبناني، كما حاول إظهار موقف القوات بأنه “متباين” عن الموقف اللبناني الموحّد، لجهة “أولويّة” نزع سلاح حزب الله. لكنّ بارّاك أوضح له أنّ هذه المواضيع لبنانية داخلية، ولا علاقة للولايات المتحدة بها، وعلى الساسة مناقشة الطروحات فيما بينهم. “الأجواء لم تكن تمامًا كما أرادها جعجع، خلافًا لما كانت مع أورتاغوس”، بحسب ما نقلت أوساط مطّلعة على اللقاء لـ”المدن”. فيما فسّرت أوساط القوات أن المبعوث الأميركي رجل يتفهّم وجهات النظر ويتعامل بسلاسة مع كافة المسائل، إلا أنّ القرار النهائي يُتّخذ في الولايات المتحدة الأميركية.
الموقف من الرد على ورقة بارّاك
قبل لقاء معراب، وبينما كان بارّاك يجول على الرؤساء الثلاثة ويبعث التفاؤل بتصاريحه، أصدر رئيس حزب “القوات اللبنانية” موقفًا عالي السقف، اعتبر فيه أن الرد اللبناني على الورقة غير قانوني وغير دستوري وغير رسمي، وأنه على الحكومة تحمّل مسؤولياتها. وردّ رئيس الحكومة نواف سلام على كلام جعجع قائلاً: “لا وجود لما يُسمّى ترويكا، بل تداول وتواصل بين الرؤساء“.
مصادر “القوات اللبنانية” أوضحت لـ”المدن” أنه يجب أن يكون هناك تحوّل في التعاطي مع الداخل اللبناني، وإلا فلا استمرارية للحياة السياسية، معتبرة أن الاستفراد بالقرار يؤدّي إلى عزلة. كما تسأل المصادر: لماذا لم يتم مناقشة الردّ على ورقة بارّاك داخل الحكومة لاستمزاج آراء كلّ اللبنانيين؟ فهل الردّ اللبناني مسوّدة أم ورقة رسمية؟ موضحة أن لكل سلطة دورها، وأن دور رئيس الجمهورية في الدفاع والأمن منفصل عن عمل الحكومة، ويجب عدم الخلط بين السلطات. وحول ردّ رئيس الحكومة على جعجع، أوضحت المصادر أن المقصود ليس رئيس الحكومة، في غمزة إلى أن ما تقصده القوات اللبنانية هو “عم نسمّع الجارة تتفهم الكنة”، وأضافت: بما أن رئيس الجمهورية حريص على الدستور، يجب أن ينفّذه ويترك القرار لمجلس الوزراء.
استقالة وزراء القوات من الحكومة
تزامن موقف جعجع عالي السقف حيال الرد على بارّاك مع كلام لعضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص عن إمكان الانسحاب من الحكومة وسحب الثقة. أوساط القوات اللبنانية أكّدت لـ”المدن” أن الكلام حول الخروج من الحكومة جاء ردًا على سؤال طُرح على عقيص. موضوع الانسحاب غير مطروح الآن. وتتساءل المصادر أيضًا: “إذا الحكومة مستبعدة عن القرار كلّه… شو إلها عازة؟”، في إشارة إلى امتعاض “القوات” من أداء رئيس الحكومة حيال مسألة الردّ على بارّاك وغيرها من الطروحات التي تعتبرها تصب فقط في مصلحة حزب الله. بالتوازي، تؤكّد مصادر دبلوماسية لـ”المدن” أن حكومة الرئيس نواف سلام تحظى بدعم دبلوماسي كبير، لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، وترى ألا مصلحة لـ”القوات اللبنانية” باتخاذ موقف كهذا بوجه اللاعبين الأقوى على الساحة اللبنانية.
السعودية تدعم الحكومة وأميركا تستعين بقطر
التلويح بالاستقالة من الحكومة جاء بتوقيت “قواتي” حساس، خصوصًا أن “القوات” لم تكن تعني الاستقالة، إنّما هي pass لرئيس الحكومة تعبّر عن امتعاضها، خصوصًا أن “القوات”، وهي التي تملك علاقة جيّدة مع السعودية، تعلم أن المملكة متبنّية حكومة نواف، وتعرف كل كبيرة وصغيرة حيال ما يجري، بحسب ما تصف مصادر لـ”المدن”. وتكشف المصادر عن رسالة غير مباشرة تلقتها “القوات” مفادها أن “تمهّلوا… حكومة نواف تحظى بدعمنا“.
كما أن الولايات المتحدة الأميركية، وهي التي تعبّر عن امتعاضها – من خلال ممثلتها في لبنان – في كثير من الأحيان من أداء رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون حيال بعض الملفات، خصوصًا تلك المتعلّقة بحزب الله، تعمل على دعم حكومة سلام بشكل كبير. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن السفيرة الأميركية في لبنان طلبت من السفير القطري تزويد لبنان بالغاز، من خلال تقديم هبات للحكومة لتخفيض وطأة الديون المستحقّة على لبنان لدولة العراق، والتي تصل إلى مليار و300 مليون دولار.
الصور في معراب لم تعكس الرسائل الأميركية حيال الداخل اللبناني… ولا استقالة “قواتية” قريبة من الحكومة، بما يعني أن لا اعتراض على خط الرغبات الأميركية – السعودية.