
لبنان بين سوريا وإسرائيل: هل يفاوض “الحزب” واشنطن؟
تصرّ إسرائيل على اعتماد مبدأ “جلب الجميع إلى بيت الطاعة”. ما اعتمدته في سوريا، تسعى إلى اعتماده في لبنان، بالتركيز على الضغط الأمني والسياسي والتصعيد العسكري. في اليوم الذي أعلن فيه الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ عمليات خاصة ومركزة في الجنوب اللبناني، كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية تبث تقارير عن اختراقات متعددة للساحة اللبنانية، بينها تقرير القناة 12، والذي أعده مراسل دخل إلى لبنان وعمل على التصوير في مناطق مختلفة فيه. وقد أُرفق التقرير بمقابلة مع رئيس سابق للموساد تحدث فيه عن حجم الاختراق الاستخباري في صفوف حزب الله.
برنامج واضح
ما تريده إسرائيل من وراء ذلك هو الإشارة إلى هشاشة الوضع في لبنان، وعدم توفر أي مظلة أمنية. وهو ما يتزامن مع الكثير من التسريبات الإسرائيلية والمواقف الأميركية حول الرؤية للمرحلة المقبلة. إذ صرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية بوضوح أنه يجب على الدولة اللبنانية استكمال العمل في سبيل سحب سلاح حزب الله وكل الفصائل الأخرى، ومن كل المناطق والأراضي اللبنانية. بمعنى أوضح، تجاوز أي سجال يتصل بجنوب الليطاني أو شماله.
في الموازاة، تتواصل التسريبات الإسرائيلية نقلاً عن مسؤولين في تل أبيب، يقولون إن “انهيار محور إيران وإنجازاتنا بلبنان سيساعدان حكومته بتنفيذ القرار 1701”.
ويضيف هؤلاء المسؤولون حسبما يُنقل عنهم: “لا نية لدينا لهجوم بري جنوب لبنان لكننا جاهزون لأي احتمال، ونتوقع من الجيش اللبناني الاستمرار في جمع سلاح حزب الله. وعندما يستكمل الجيش اللبناني مهمته بحسب الاتفاق، سننسحب من الجنوب ونوقف الاستهدافات”. عملياً هناك برنامج واضح تعبّر عنه تل أبيب، وهو لا يختلف كثيراً عن بعض ما ورد من مؤشرات في التصريحات التي أدلى بها الموفد الأميركي توم باراك، الذي أشار إلى وجوب اعتماد المسلك السوري في التعاطي مع تطورات المنطقة وتحولاتها.
في سوريا ولبنان
الأسلوب الإسرائيلي المعتمد في لبنان هو نفسه الذي اعتمد في سوريا منذ 8 كانون الأول 2024. إذ شنت القوات الإسرائيلية هجوماً عنيفاً على كل المقومات العسكرية لسوريا، ونفذت اجتياحاً للجنوب السوري، تجاوزت فيه اتفاقية فض الاشتباك عام 1974، واستثمرت في الكثير من الاهتزازات والاختلالات الداخلية بين قوى وجماعات مختلفة، للوصول إلى فتح مسار تفاوضي، ينتج عنه تفاهم لترتيبات أمنية. في لبنان تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية، ترفض الانسحاب، تكثف من عمليات الاغتيال واستهداف عناصر وكوادر حزب الله، ويسرّب مسؤولوها أن ما تقوم به تل أبيب هدفه الوصول إلى تطبيق القرار 1701، أو إعادة انتاج تفاهم جديد، من خلال لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، ووضع قواعد جديدة لها ولآلية عملها. ما دون ذلك لا يبدو أن إسرائيل ستتراجع.
في هذا السياق، ينتظر لبنان ما سيرده من الولايات المتحدة الأميركية من ملاحظات على ورقة الأفكار التي جرى تقديمها. في المقابل، تنتظر واشنطن من لبنان تصوراً لآلية تنفيذية حول كيفية تطبيق ما هو مطلوب، لا سيما مسألة حصر السلاح بيد الدولة. وهذا سيكون مدار بحث في الداخل اللبناني خلال الأيام المقبلة للوصول إلى هذا التصور. حتى الآن لم يصدر أي تعليق من قبل الإسرائيليين على الورقة الأميركية ولا على الموقف اللبناني منها. تضع إسرائيل نفسها في مكان لا تبدو فيه معنية بكل ما يجري، بينما هي تواصل عملياتها، وكأن الوضع يناسبها ويؤاتيها لاستمرار تنفيذ الضربات.
قناعة حزب الله
بحسب ما يقول الأميركيون، فهم يريدون الوصول إلى تثبيت للاستقرار في لبنان وفق قواعد متعددة، عسكرياً من خلال وقف إسرائيل لضرباتها، ولكن بشرط تفكيك البنية العسكرية لحزب الله. كما يريدون إنجاز الإصلاحات المالية والاقتصادية، والوصول إلى مرحلة سياسية جديدة. هذه المرحلة لا بد أن ينتج عنها متغيرات كثيرة، سواء بالوجهة السياسية الخارجية، أو بالواقع الداخلي وتوازناته.
بالنسبة إلى حزب الله، فهو يعلم أنه لا يزال مستهدفاً، عسكرياً وسياسياً أيضاً، لا سيما أنه منذ سنوات رُفع شعار دولي إقليمي بمنع الحزب من امتلاك القدرة على التأثير في المسارات السياسية والاستحقاقات الأساسية في البلاد.
في حال وصل حزب الله إلى قناعة بأن “عصر السلاح انتهى”، وهو لم يصل إلى ذلك حتى الآن، فلا بد أن يكون شرطه المقابل هو الجلوس على طاولة أكبر وأوسع من مجرد البحث في تفاصيل تقنية تتصل بكيفية إلقاء السلاح، إنما كيف سيكون شريكاً وضامناً ومضموناً في لعبة التوازنات المقبلة، سياسياً أو دستورياً. هذه التوازنات التي يُراد لها أن تبدأ بالتبلور أو الظهور مع استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة.
الموقف الأميركي الواضح الذي جاء على لسان الموفد توم باراك، أعطى للدولة اللبنانية فرصة بمهلة زمنية. فهي عليها معالجة ملف السلاح والتعاطي مع حزب الله. أما بحال فشلت هذه الدولة فعليها أن تتحمل المسؤولية. لا أحد يمتلك جواباً حول ماهية هذه المسؤولية، فهل ستتجدد الحرب بعنف؟ أم أن خطوط تفاوض مختلفة قد تفتح بين الحزب وواشنطن للتفاوض على مستقبل هذه الدولة، خصوصاً في ظل كثرة الأحاديث عن جهات او شخصيات تسعى إلى فتح قنوات التواصل مع واشنطن، نيابة عن حزب الله، في سبيل التفاوض على التصور المستقبلي. الطرفان ينفيان ذلك حتى الآن. ولكن المحصلة أن واشنطن تضع لبنان أمام خلاصة من ثلاثة احتمالات في حال عدم قدرة الدولة على تحقيق ذلك، فسيكون لبنان أمام خيار الخضوع للضغط العسكري أو السياسي الإسرائيلي، أو التأثير السوري بفعل التطور الذي تعيشه سوريا على مستوى المنطقة، أو استعادة حزب الله تمكنه من الدولة بناء على تقاطعات مع أميركا.