الحوار لم يُسلّم السلاح والوحدة الوطنية لم “تُشرّعه”

الحوار لم يُسلّم السلاح والوحدة الوطنية لم “تُشرّعه”

11 تموز 2025

“ليس بالحوار وحده يسلّم سلاح حزب الله”. إنها المعادلة التي تكاد تختصر طاولات الحوار الكثيرة التي عقدت في لبنان منذ ما يقارب الـ20 عاما. فلا الحوار نفع، ولا “الإستراتيجيات الدفاعية” وضعت وطبّقت للوصول إلى سلاح شرعي واحد أوحد.

 

هكذا، تبدو الإطلالات التاريخية على محاولات معالجة إشكالية السلاح وطاولات الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية “حركة بلا بركة”. كانت مجرد لقاءات شكلية تلتقط فيها الصور التاريخية لما كان يسمى “أقطاب الصف الأول”، وحتى الساعة، لم يسلّم السلاح إلى الدولة!

 

في 2 آذار/مارس 2006، بحث مجلس النواب في مبدأ الإستراتيجية للمرة الأولى. اجتمع الرؤساء تحت سقف البرلمان، قبل 4 أشهر من عدوان تموز/يوليو 2006. يومها، لم تتخذ الدولة قرار الخوض في حرب مدمرة. ويومها أيضا، لم يتفق المتحاورون على أي مطلب.

حين “تورطت” البلاد في حرب تموز، وضع ملف السلاح على الرف مجددا. فاللحظة كانت “للوحدة الوطنية” وعدم استغلال ضعف أي طرف. لذلك، لم تنفع حينها “ورقة التفاهم” التي كانت وقّعت بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” في 6 شباط/فبراير 2006، في توحيد رؤية وطنية جامعة حول السلاح، على الرغم من أن “ورقة التفاهم” تضمنت في أحد بنودها ما حرفيته: “حماية لبنان من الأخطار الإسرائيلية من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون”.
لكنّ الإستراتيجية لم تتحول يومها إلى أي منحى تنفيذي عملي.

بين الاتفاق والإعلان

عشرون عاما، كادت أن تتحول خلالها الإستراتيجية الدفاعية عبارات على أوراق رسمية، تذيّلها ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” في محاولة التفاف واضحة لتبرير وجود السلاح، وبالتالي المقاومة.
إلى 7 أيار/مايو 2008، يوم وقعت الحوادث الدموية الفاصلة التي أظهرت أن السلاح نفسه يمكن أن يتحول نحو الداخل ويهدد السلم الأهلي وأمن البلاد.
بعدها، وسريعا، انتخب رئيس للجمهورية لمنع استمرار حالات الفراغ المتكررة. توجه الرئيس الجديد ميشال سليمان إلى قصر بعبدا في 25 أيار/مايو من العام نفسه. حاول خرق الجدار، فدعا إلى جلسات حوار في القصر الجمهوري.

في 11 حزيران/يونيو 2012، شكلّ “إعلان بعبدا” محطة مهمة في قلب الإستراتيجية، فكانت محاولة رسمية من رئيس الجمهورية لوضع الإستراتيجية موضع التطبيق. ونجح المتحاورون في شبه الاتفاق “الصوري” على ما سمي “إعلان بعبدا”، والذي ورد في البند 16 منه الآتي: “تحديد الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الإثنين في 25 حزيران الجاري، موعدا للجلسة المقبلة لهيئة الحوار الوطني لمواصلة البحث في بنود جدول أعمالها، والتي ستكون الإستراتيجية الوطنية للدفاع في صلب المناقشات”.
أيام مرت وحلّ الموعد الجديد في 25 حزيران/يونيو، فوقع ما كان في الحسبان: “تأجيل البحث في بند الإستراتيجية”.

من داخل القصر الجمهوري، وعبر جلسات متتالية، “طارت” الإستراتيجية إلى أجل غير محدد.
انتهت ولاية سليمان و”تعايش” البلد مع فراغ رئاسي جديد حتى عام 2016.
عامذاك، انطلق عهد الرئيس ميشال عون، وسرعان ما انطلقت موجات الرفض. لم يخطُ العهد أي خطوة نحو بند السلاح أو حتى محاولة رأب صدع ما كان يسمى الإستراتيجية الدفاعية.
وبعد أربعة أعوام، وجهت دعوة رسمية إلى الحوار. كان ذلك عام 2020. سمّيت “طاولة حوار وطني لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية”، لكن الدعوة لم تلبّ. كانت البلاد قد دخلت في موجات “ثورة شعبية” ناقمة على الوضع الاقتصادي – المالي، فجمّدت القضايا السياسية لمصلحة الهموم المعيشية التي كانت قد بلغت القعر، حتى جاع الشعب وخسر أمواله نتيجة الأزمة الحادة.

حلّ الفراغ الرئاسي مرة ثالثة حتى 9 كانون الثاني/ يناير 2025.
كان لبنان لم ينهض بعد من كبوة “حرب إسناد” دمرّته بلا أي قرار رسمي.
فلا الإستراتيجية نفعته، ولا السلاح الذي كان يتفجر بين المنازل وتحت الأبنية السكنية أنقذ أراضيه…
واليوم، هل يعطي عهد الرئيس جوزف عون “إضافة عملية ونهائية” لهذا السلاح، بعدما حسم خطاب قسمه حصرية الدولة في التسلّح، ووقّع لبنان “اتفاق وقف إطلاق النار” الذي يؤكد القرارات الدولية المتعلقة بنزع السلاح؟!

في المحصلة، فان “الحوار” لم يسلّم سلاح “حزب الله” والوحدة الوطنية لم “تشرّعه”!