برّاك ترك الضوء الأخضر لإسرائيل في لبنان

برّاك ترك الضوء الأخضر لإسرائيل في لبنان

الكاتب: انطوان مراد | المصدر: نداء الوطن
11 تموز 2025

لا يمكن الركون كليًا إلى ما يوحي به الموفد الأميركي توم برّاك من إيجابيات أو من سلبيات، باعتبار أن الكلام الدبلوماسي الأميركي كما العادة لا يعكس حقيقة نوايا واشنطن، بقدر ما يعكس تنبيهات وإشارات ضمنية، أو يخفي وراءه توجهات معاكسة، سرعان ما تبرز نافرة، والحجة الغالبة “أنكم لم تتلقوا جيدًا رسائلنا، أو أن الوقت تأخر وانقضت المهل وفترات السماح”.

وتقول أوساط دبلوماسية على اطلاع على جوانب من الموقف الأميركي حيال لبنان والمنطقة، إن برّاك ترك لبنان وتحديدًا أركان السلطة في حالة تراوح بين الإرباك والتفاؤل الشديد الحذر، فقد حمّل الدولة اللبنانية بعامة مسؤولية معالجة العناوين المتصلة بتطبيق وقف إطلاق النار والقرار 1701 وحصرية السلاح فضلًا عن الإصلاح المالي والإداري، وتاليًا لم يقدم أي تطمينات حيال نوايا إسرائيل واحتمال تصعيد عملياتها العسكرية في لبنان بحجة ملاحقة “حزب الله” وكوادره ومخازن سلاحه… وكأنه شاء القول: جيد ما تقدمونه من استعدادات لكنها غير كافية البتة لأنها تحتاج إلى خطط وخطوات عملية وجداول زمنية، ولذلك لا يمكن ردع إسرائيل عن مواصلة هجماتها المتنوعة والموضعية بل وتوسيعها في لبنان، طالما أن الحكومة اللبنانية لم توفر أي التزامات فعلية يمكن البناء عليها والمحاسبة حيالها.

وتتخوف الأوساط في ضوء هذا الواقع من تصعيد إسرائيلي كبير، وصولًا إلى شن غارات عنيفة على مناطق عدة بما فيها الضاحية الجنوبية والبقاعان الغربي والشمالي، فضلًا عن الجنوب، مع إمكان شن عملية برية التفافية انطلاقًا من القطاع الشرقي وصولًا إلى البقاع الغربي، لتشديد الخناق على “حزب الله” عسكريًا وعلى الدولة اللبنانية سياسيًا.

وفي ما خص قول براك إن لا أطماع إسرائيلية في لبنان، فقد يكون هذا الكلام واقعيًا على صعيد احتلال الأرض، إذ إن إسرائيل لم تبدّل في التزامها الانسحاب من لبنان بموجب القرار 425 إلا ردًا على ما تعتبره تحرشات وتعرضًا بالنار لأمنها، على غرار العملية التي أفضت إلى حرب تموز وعلى غرار إعلان حرب إسناد غزة. وتلفت الأوساط إلى القطبة المخفية في هذا الكلام، وهي أن عدم وجود أطماع بالأرض اللبنانية، يعني عمليًا أن الهجمات والغارات على لبنان، كما الدخول موقتًا إلى بعض المناطق والأراضي، هي أمور لا تعبر عن أطماع بلبنان، ولا سيما أن الهم الأساسي لإسرائيل هو حماية الجليل بالدرجة الأولى، والأراضي الإسرائيلية بمجملها بالدرجة الثانية، وهو ما توفره وضعية سلمية سواء سميت هدنة أو سلامًا في مرحلة لاحقة.

وفي ما خص مسألة حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، فإن ثمة تمايزًا بين نظرة كل من “حزب الله” والسلطة اللبنانية والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. فـ “حزب الله” يطرح التخلي عن أسلحة ثقيلة معينة على أن يكون القسم الباقي في عهدة الدولة نظريًا ويخضع قرار استعماله للتنسيق بين “الحزب” والدولة، إلا إذا اقتضت تطورات معينة غير ذلك. وهذا الطرح يعكس وجهة النظر الإيرانية، إذ تسعى طهران إلى استغلاله كمادة تفاوضية مع الأميركيين.

أما الدولة اللبنانية، فتعتبر أنه لا بد من حصر السلاح بيدها تدريجًا ووفق تفاهمات مع “الحزب” تلحظ الوقت الكافي وآلية تجيّر قدرة المقاومة لمصلحة الدولة.

وفي ما خص الموقف الأميركي، فالجواب يتبلور أكثر بعد قراءة الجواب اللبناني الرسمي مليًّا في واشنطن، لكن الأكيد أن المطلوب حصر السلاح بالدولة اللبنانية كليًا وضمانات بسيطرة رسمية ثابتة عليه بما يمنع أي تعرض لإسرائيل تحت أي مبرر.

وبالنسبة لموقف إسرائيل، فهمّها الأساسي حماية أراضيها بدءاً بالجليل، وحظر كل سلاح ثقيل لدى “الحزب” سواء كان صواريخ على أنواعها، أو مسيّرات أو مدفعية، وضبط مختلف المخازن ذات الصلة، بينما يتم وضع رقابة على الأسلحة المتوسطة ولو بقيت بيد “حزب الله” مع الأسلحة الخفيفة، لأنها لا تشكل خطرًا استراتيجيًا على إسرائيل.

وفي مطلق الأحوال، إن حصر السلاح بالمفهوم المنطقي، هو منع أي سلاح ثقيل أو حتى سلاح متوسط من الوجود خارج إطار الشرعية، لا سيما وأن “حزب الله” يملك ترسانة هائلة من الأسلحة المتوسطة يمكنه استعمالها بكثافة في الداخل، من خلال الأساليب الميليشياوية المعروفة.

يبقى أن مسؤولية عدم انضمام لبنان إلى ركب التغيير في الإقليم، تقع من الزاوية الأميركية على السلطة اللبنانية بشكل أساسي، وهي مسؤولية وإن بدت مستقلة أو منفصلة شكلًا، فإنها ترتبط عضويًا بمسألة استعادة السيادة الكاملة للدولة وحصرية السلاح، لأنه لا يمكن أن ينضم لبنان إلى عصر السلام الأميركي، ودولته تعاني وجود شريك مضارب على سيادتها، أو استمرار حالة الاهتراء والفساد في الإدارات والمؤسسات على اختلافها.