
خاص- هل يقع الأميركيّون في فخّ “الحزب”؟
عندما يلوّح الموفد الأميركي توم برّاك بترك لبنان لمصيره، يغرق في الأزمات، ويتخلّف عن ركب الازدهار، فإلى من يعتقد أنّه يتوجّه بتهديداته؟
إذا كان بذلك يحذّر لبنان الرسمي رئاسةً وحكومة، فليس في اليد حيلة. فالدولة قرّرت أنّها لن تواجه “حزب الله” في موضوع السلاح، بل ستحاوره بالحُسنى. ومهما كبُرت الضغوط على لبنان، وازدادت المخاوف من اهتراء هذا البلد، فلن يتغيّر شيء من هذه القناعة التي كوّنتها السلطة، على ما يبدو، منذ اليوم الأوّل لوصولها إلى الحكم، مخالفةً بذلك الوعود الرنّانة التي أُغدقت على اللبنانيين، ومكتفيةً برفع شعار حصريّة السلاح، ولكن من دون أيّ آليّة تنفيذية.
أمّا إذا كان التهديد موجّهاً إلى “حزب الله”، فهو، كما هو واضح، لا يهتمّ كثيراً بازدهار البلد وتقدّمه، ولا بقيام دولة حقيقية مبنيّة على المؤسّسات وحكم القانون. ربّما، على العكس من ذلك، قد يكون مستفيداً من الفوضى والانهيار، ليعزّز مكانته هو على حساب الدولة، وليتمكّن من التعافي من جديد، ولو أخذ الأمر بعض الوقت.
فعلى من تقرأ مزاميرك يا برّاك؟ هذه المزامير التي قرأها قبلك موفدون كثر، وعلى رأسهم الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان، الذي حذّر من زوال لبنان، وقال إنّ هذا البلد يغرق كسفينة “التايتانيك” من دون موسيقى. وعلى رغم ذلك، لم يتغيّر أيّ أمر في أداء المسؤولين اللبنانيين أو في أداء “الحزب”.
وبما أنّ الأميركيين يبدون حريصين جدّاً على عدم بقاء أيّ سلاح خارج الشرعية اللبنانية، فإنّ تحذيرات برّاك لوحدها، عبر وضع اللبنانيين أمام مسؤوليّاتهم، لن تنفع. حتّى أنّ “الإغراء” بالسماح لأموال إعادة الإعمار بالتدفّق، لن يكون كافياً ليقبل “الحزب” بمبادلتها بالسلاح، الذي هو جوهر وجوده.
في أيّ حال، حرص توم برّاك قبيل مغادرته لبنان، على توضيح تصريحه الذي أدلى به من القصر الجمهوري، والذي قرأه كثيرون على غير مقصده، وهو أنّ واشنطن لا تريد أن ترى أيّ سلاح غير شرعي في جنوب الليطاني، كما على كلّ الأراضي اللبنانية، وأنّها لا يمكن أن تضمن ما قد تقوم به إسرائيل، في حال عدم التجاوب مع الورقة الأميركية، التي تنصّ على سحب الأسلحة وإجراء الإصلاحات المالية كافّة ومكافحة الفساد. وقد أكّد المتحدّث باسم الخارجية الأميركية بدوره أنّ واشنطن “لا تريد أن ترى حزب الله أو أيّ تنظيم إرهابي آخر في لبنان قد استعاد قدرته على ارتكاب أعمال العنف، أو أن يهدّد أمن لبنان وإسرائيل”.
والخطوة الأولى التي قامت بها الإدارة الأميركية في هذا المجال، هي إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للاستمرار في عمليّاتها ضدّ لبنان، من غارات على مواقع لـ “الحزب” ومخازن أسلحة، أوالاستمرار في استهداف قياديين في “الحزب”. ولكن، الأخطر أنّ واشنطن قد تكون غير ممانعة، إذا ما أرادت إسرائيل العودة إلى الحرب الواسعة في لبنان، أو تنفيذ اجتياح برّي محدّد، أو أكثر اتّساعاً، بهدف تفكيك بنية “الحزب”. وهو ما فعلته إسرائيل بالتحديد، عندما أعلنت، بالتزامن مع انتهاء زيارة برّاك للبنان، أنّها تنفّذ عمليّة برّية محدودة، قامت خلالها بتفجير مخازن أسلحة وتدمير بنى تحتية. وعليه، فهي أصبحت عمليّاً مطلقة اليد في لبنان، تفعل ما تريده لضمان عدم عودة “الحزب” إلى التسلّح أو الحصول على تمويل جديد.
وبالطبع، فإنّ هذا الموضوع بُحث في الزيارة المهمّة جدّاً التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض، والتي استمرّت أيّاماً عدّة، واتُّخذت فيها قرارات على مستوى الشرق الأوسط، تتعلّق خصوصاً بإيران وغزّة. وتؤكّد مصادر صحافية في واشنطن، أنّ نتائج الاجتماعات المكثّفة التي عُقدت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو، ستظهر تباعاً، فيما تُحاط القرارات التي تمّ الاتّفاق عليها بالسرّية، ولكنّ عنوانها هو التنسيق التامّ بين البلدين.
تقول المصادر إنّ أمام لبنان نافذة صغيرة متبقّية من الآن وحتّى أسابيع قليلة. فواشنطن تحاول أن تفتح حواراً مباشراً بينها وبين “الحزب”، علّها تتمكّن من إقناعه، ترهيباً أو ترغيباً، بالقبول بجدولة تسليم سلاحه، في مقابل حصوله على أموال إعادة الإعمار، والأهمّ على مكانة سياسية في التركيبة اللبنانية، يحتفظ بها كبديل عن تسليم سلاحه، ويتجنّب في الوقت عينه ضربة إسرائيلية كبيرة، ربّما تشمل دخولاً برّياً أو عمليّات كوماندوس في مناطق أبعد من الليطاني.