
هذا ما كشفته الخارجية الاميركية نيابة عن براك!
لم يكن ثابتا مما سبق وتلا زيارة براك من تسريبات سوى الحديث عن مهلة جديدة يترجم فيها أهل الحكم تعهداتهم في موقفهم الموحد من إقترحات براك. وعليه فقد انطلقت التحضيرات لجلسة وزارية خاصة بالسلاح غير الشرعي
منذ أن غادر الموفد الرئاسي الأميركي توماس برّاك بيروت، لم يظهر سوى في اللقاء الذي جمعه بالرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق. وبقيت الساحة مفتوحة للتسريبات عن حصيلة زيارتيه. وفيما عمّت التسريبات اللبنانية بما حملته من محاولات الاستثمار الداخلي، توقفت المراجع الديبلوماسية أمام تصريحات الناطق باسم خارجيته، التي ألقت الضوء على نتائج الزيارة. وبعد الجوجلة تبين أنّ هناك مهلة إضافية نالها المسؤولون اللبنانيون لترجمة تعهداتهم بحصر السلاح بالقوى الشرعية وبرمجة العملية. وهذه بعض المؤشرات.
بعد 36 ساعة أمضاها في بيروت وساعات قليلة على مغادرته يوم الثلاثاء الماضي، ظهر برّاك مع الرئيس السوري احمد الشرع في دمشق، قبل أن يرعى اجتماعاً جمعهما بقائد “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، وذلك بعد 4 أشهر من توقيع اتفاق ثنائي بين السلطات السورية و”قسد” في شباط الماضي لم يكتمل تنفيذه بعد. وهو ما فسّرته مراجع ديبلوماسية بأنّ ما رعته الولايات المتحدة الأميركية بطريقة غير مباشرة وحضورها المباشر في تلك الفترة لا يجب أن يبقى حبراً على ورق وان أقل واجباتها رعاية هذا الاتفاق والوصول به إلى النتيجة الحتمية التي تمنّاها برّاك من ضمن الاستراتيجية الأميركية التي تتحدث عن سوريا الموحّدة، وانّ ما جرى التفاهم عليه من أولى الخطوات المطلوبة. محمّلًا المسؤولية إلى الاكراد الذين تباطأوا بتنفيذ الخطوات المطلوبة.
وانطلاقاً من هذه المعادلة، حرص برّاك على الإشارة إلى ضرورة الإسراع في التفاهمات التي تمّ التوصل إليها بين رأس السلطة الجديدة في سوريا التي تحتاج إلى من يرعى خطواتها الاولى لتعزيز سلطتها على ما هو متوافر من الأراضي السورية حتى اليوم، وبين إحدى أقوى القوات الداخلية في سوريا التي تمتلك قدرات عسكرية وسياسية تشكّل ضماناً لأي اتفاق يصون وحدة الأراضي السورية والإسراع في خطوات توحيد السلطة. وهي مهمّة عبّر برّاك عن جزء منها من خلال تشديده على أهل السلطة في لبنان للإسراع في ترتيب علاقته مع سوريا، وإنهاء أي مظهر يعوق التعاون بينهما، بدءاً من مسألة الحدود وصولاً إلى الترتيبات العسكرية الضامنة لها ومنع قيام أي حركة يمكن أن تحيي اي وجود من حلفاء النظام السابق، ومنع نقل الأسلحة المخزنة فيها سواء إلى لبنان او العراق، عدا عن القرار بقطع أي تواصل عبر الخط السابق الذي كان يربط طهران ببغداد ودمشق حتى الضاحية الجنوبية لبيروت.
وطالما أنّ الحديث في هذا اللقاء قد تناول الجانب السوري من مهمّة برّاك قبل ضمّ ملف لبنان إليها، لم يغب الوضع اللبناني عن المناقشات. فكانت له حصة في العلاقات الواجب قيامها بين الدولتين والإسراع في تفعيل اللجنة العسكرية التي تضمّ وزيري الدفاع والقيادات العسكرية، كما على المستوى الديبلوماسي، فكان اتفاق على تعجيل زيارة وزير الخارجية السوري اسعد الشيباني للبنان، وهي المؤجلة من حزيران الماضي، بعد أن كان موعدها المبدئي في الثلث الأخير منه، وقد حالت ظروف قاهرة دونها ومنها الزيارات الخارجية التي قام بها الشرع يرافقه الشيباني فيها.
على هذه الخلفيات رصدت مراجع ديبلوماسية وسياسية من خلال قراءتها لبيانات المتحدثين باسم وزارة الخارجية، ووجدت فيها ترجمة عملية لما انتهت اليه زيارة برّاك لبيروت ودمشق، بعدما ألقت الضوء على العناوين التي جمعتها الأوراق اللبنانية الثلاث التي سُلّمت إلى برّاك، وهي تلك التي سلّمه اياها رئيس الجمهورية باسم المسؤولين اللبنانيين قبل أن يُفاجأ بورقة مشتركة باسم “الثنائي الشيعي” وثالثها الورقة التي قدّمها قائد الجيش بناءً على طلب الجانب الأميركي، وهي تحدّد حاجات الجيش لإتمام مهمته في الجنوب وما يمكن القيام به لدعم خطواته وتوفير المستلزمات العسكرية والتقنية التي يحتاجها.
وانطلاقاً من هذه التفاصيل، قرأت المراجع عينها الموقف الأميركي لبرّاك وإدارته، بالإشادة التي عبّر عنها المتحدث باسم الخارجية بما قامت به القوات المسلحة اللبنانية وما أحرزته من تقدّم في نزع سلاح “حزب الله” في الجنوب، مشيراً إلى الحاجة لمزيد من العمل في هذا الإطار، وملمحاً الى “الحاجة لأن تقوم الدولة اللبنانية بالمزيد لإزالة الأسلحة والبنى التحتية التابعة لـ”حزب الله” والجهات غير الحكومية في كل أنحاء البلاد”. كذلك لفت إلى “أنّ الإصلاحات الأمنية وحدها لا تكفي في لبنان، فإقرار إصلاحات اقتصادية وقضائية حاسمة لضمان استقراره الماليّ واستعادة ثقة المجتمع الدوليّ، وعلى البرلمان التحرك لإقرار قانون اعادة هيكلة المصارف وتشريع استقلالية القضاء”.
وإلى من فسّر كلام برّاك بالفصل للمرّة الاولى بين وجه “حزب الله” العسكري والوجه “السياسي” الداخلي، وكأنّه اعتراف بالحزب ووجوده، ذهب البعض إلى التلميح بإمكان عقد صفقة ثنائية بين بلاده والحزب مباشرة أو عبر “الثنائي الشيعي” من خارج مؤسسات الدولة، من خلال الورقة المنفصلة باسمه عن ورقة الدولة اللبنانية. فكان بيان الناطقة باسم الخارجية الأميركية واضحاً بقولها “لا نريد أن نرى “حزب الله” أو أي جماعة أخرى في لبنان تستعيد قدرتها على ارتكاب أعمال عنف وتهديد الأمن في لبنان أو إسرائيل”، وانّ “موقفنا لم يتغيّر من “حزب الله”، فهو منظمة مصنّفة إرهابية، ونحن لا نُفرّق بين جناحيه السياسي والعسكري”. وختمت بالقول إنّ بلادها التي تجاوزت البحث في سلاح الحزب لوحده فإنّها “لا تريد أن ترى “حزب الله” أو أي مجموعة إرهابية أخرى في لبنان تستعيد قدرتها على ارتكاب أعمال عنف وتهديد الأمن في لبنان أو في إسرائيل”.
عند هذه المفارقات يشير المراقبون إلى أنّ مهمّة برّاك انتهت إلى تحديد مهلة للبنان ليقدّم خريطة الطريق لتنفيذ التعهدات التي أكّدتها الورقة اللبنانية، من خلال الإشارة إلى قرار مجلس الوزراء بحصر قرار الحرب والسلم بالدولة، والى ما شابهها من عبارات تؤكّد انّه لن يكون هناك أي سلاح خارج شرعية الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية. فاكتفى برّاك بها ليطلب ترجمة فعلية مبرمجة للعملية من ألفها إلى يائها، وخصوصاً انّه قد سبق لرئيس الجمهورية ان اكّد انّ نهاية 2025 ستحمل ختام البحث في مصير السلاح غير الشرعي. وهو كلام مربوط بمهمّة محدّدة لا يمكن إلقاؤه على عواهنه إن لم يكن هناك توجه من هذا النوع يحكم مسيرة العهد بكل سلطاته الإجرائية والتشريعية والتنفيذية، وهو ما يريده المجتمع الدولي ومنه الأميركيون والفرنسيون والأمم المتحدة رعاة التفاهم الأخير في 27 تشرين الثاني 2024 .
ولا بدّ من التأكيد أنّ كل ما هو منتظر من اليوم، وإلى نهاية المهلة الجديدة، تختصره التحضيرات لعقد جلسة لمجلس الوزراء، تُخصص للبحث في مصير السلاح غير الشرعي وخطوات أخرى على مستوى الإصلاحات التي باشرها مجلس النواب ومعه الحكومة ومعهما السلطات القضائية.