
ملف الموقوفين السوريين: قنبلة موقوتة بين لبنان وسوريا
يبرز ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانيّة كقضية حساسة قد تُفجّر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أي لحظة. وتصدّر هذا الملف واجهة النقاشات في لبنان بعد التداول بنية الحكومة السورية اتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه لبنان تصل إلى حد إقفال المعابر الحدودية بين البلدين بسبب عدم تسليمها الموقوفين، قبل أن توضح السلطات السورية الأمر.
ومع ذلك، يحظى هذا الملف باهتمامٍ قضائيّ وسياسيّ بالغ في الداخل اللبناني، لكونه ملفًا حساسًا يحتاج إلى مسارٍ واضح قائم على التنسيق بين البلدين.
أرقام رسمية
يقبع داخل السجون اللبنانية أكثر من 2100 سجين سوريّ، بينهم 1756 سجينًا داخل السجون الرئيسية، وحوالى الـ350 أصدرت بحقهم أحكامًا مبرمة، والعدد الأكبر من باقي السجناء لم يتم محاكمتهم منذ سنوات طويلة وفقًا لمصادر أمنية لـ”المدن”. الموقوفون السوريين يشكلون حوالى 30 بالمئة من عدد السجناء في لبنان. ومن ضمنهم، مئات السجناء بتهم الارهاب، والانتماء لتنظيمات جهادية وفصائل مسلحة، وشن هجمات على الجيش اللبناني. ومع سقوط نظام بشار الأسد، فُتح النقاش مجدّدًا بين لبنان وسوريا لكنه لم يصل لأي خطوة متقدمة.
يشرح مصدر قضائي لـ”المدن” “وجود اتفاق قضائي بين البلدين منذ العام 1951، ذكر في مضمونه شروط تسليم السجناء وهي أن يكون التسليم فرديًا وليس جماعيًا، ويتطلب ذلك تقديم طلب رسميّ لكل سجين من النائب العام السوري للنائب العام اللبناني، وأن يكون المطلوب تسليمه مُلاحقًا في سوريا، ويحق للقضاء اللبناني أن يمتنع عن التسليم إذا كانت الجريمة ذات طابع سياسيّ أو ارتكبت على الأراضي اللبنانية”.
في السياق، أفاد مصدر قضائي آخر لـ”المدن” إلى “أن لجنة التنسيق المُشتركة بين البلدين حُلّت بعد سقوط نظام بشار الأسد وحاول القضاء اللبناني التواصل معهم عدة مرات لكنه أبلغ بعدم تعيين أي لجنة بديلة وأن مقرهم الرسمي أقفل، ومنذ ذلك الوقت لم يتم التواصل مع أي أحدٍ في هذا الملف”. وأضاف المصدر نفسه إلى أنه بحسب القوانين، “لا يمكن تسليم جميع الموقوفين لسوريا، بل يجب مُتابعة ملف كل سجين بشكل منفرد، بسبب اختلاف الجرائم، مضيفًا إلى وجود حاجة لحصول القضاء اللبناني على ضمانة بأن يستكمل السجين محكوميته في سوريا في حال لم ينهها داخل السجون اللبنانية، مشيرًا إلى أن الأمور ليست واضحة ويجب إعادة ترتيبها وتوضيحها مع الجانب سوريا بشكل مفصّل، خصوصًا بعد سقوط نظام الأسد، وما تبعه من تغيير في بعض القوانين والإجراءات الإدارية والقضائية في سوريا”.
اقتراح رجّي
في المقابل، نفى وزير الخارجية والمغتربين اللبناني يوسف رجّي، اليوم الجمعة 11 تموز تلقي أي إشعار رسمي بزيارة نظيره السوري أسعد الشيباني إلى بيروت، مؤكدًا أن وزارة الخارجية اللبنانية لم تتسلم أي مذكرة سورية لا عبر القنوات الدبلوماسية المباشرة ولا من خلال اللجنة المشتركة.
ووفقًا لمعلومات “المدن” فإن وزارة الخارجية اللبنانيّة لم تتبلّغ رسميًا من الدولة السورية نية الرئيس أحمد الشرع بتصعيد الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على لبنان بسبب هذا الملف. وحسب المصادر فإن رجي سبق أن اقترح تخطي الإجراءات الإدارية والقضائية التي تحتاج لوقت طويل لترتبيها بين لبنان وسوريا، وأن يباشر القضاء اللبناني بتجهيز لائحة مفصلة حول السجناء السوريين وتهمهم والأحكام الصادرة بحقهم، وفرز كل الأسماء لتسريع حلّ هذا الملف وتسليم سوريا كل سجين تنطبق عليه شروط الاسترداد، لكن لم ينفذ هذا الأمر.
وعلى الرغم من نفي دمشق للمعلومات المتداولة، لكن يبدو مُلحًا معالجة هذا الملف لأسباب كثيرة وأبرزها لتخفيف الاكتظاظ داخل السجون اللبنانية، إلا أن هذه القضية تأخذ مسارًا سياسيًا دقيقًا، خصوصًا في ظل وجود سجناء جرى توقيفهم بسبب انتماءهم إلى الجيش السوري الحر الذي شكله منشقون عن الجيش السوري السابق وقاتلوا بشار الأسد. وبعضهم شنّ هجمات على عناصر في الجيش اللبناني خلال معارك سابقة، وهؤلاء تحديدًا، لا يمكن للقضاء اللبناني تسليمهم. ومع إعادة طرح هذا الملف، تبقى بعض التساؤلات عالقة: هل تتأثر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في حال تأخر البت به؟ أم سنشهد على اتفاقٍ سياسيّ قريب ينهي هذا الملف المزمن والشائك؟