الجولان بديل لبنان في خطط العبور

الجولان بديل لبنان في خطط العبور

الكاتب: انطوان فرح | المصدر: نداء الوطن
14 تموز 2025

في اكثر من محطة، أشار الموفد الأميركي توم براك إلى أن دول المنطقة اتخذت مسار السلام، وأن على اللبنانيين أنفسهم أن يقرروا ما اذا كانوا سيواكبون هذا التوجّه، أم أنهم سيبقون في الخلف. وفي أكثر من مناسبة تحدث براك بوضوح تام عن انضمام سوريا إلى هذا المسار. ولكنه ذهب أبعد من ذلك، في أحد أحاديثه الصحافية، عندما أشار إلى احتمال تعرّض لبنان لخطر وجودي، موضحًا أن هذا الخطر يكمن في احتمال ضمّ لبنان إلى سوريا!

ما قد يكون أخطر من كلام براك، هو ما يجري في الكواليس الدولية والإقليمية، من تحضيرات على الأرض توحي بأن لبنان قد يُترك لمصيره، إذا لم يستفد من اللحظة التاريخية المتاحة اليوم. هذه التحضيرات تشمل دراسات تركّز على إمكانية فتح معابر التعاون الاقتصادي بين سوريا وإسرائيل بشكل مباشر، وتحييد لبنان عن لعب دور الوسيط أو الممر الإلزامي. والحديث هنا لا يقتصر على إلغاء دور الوساطة التقنية، سواء من خلال المرافئ أو القطاع المالي والعقاري والتجاري، بل يمتد إلى التخلي عن الجغرافيا اللبنانية التي تقف في الوسط (ساحلًا) بين سوريا واسرائيل.

هناك دراسات تُستكمل في الخارج، لتحديد الجدوى الاقتصادية من فتح طريق مباشر بين الساحلين الإسرائيلي والسوري من خلال المرور في الجولان. ورغم أن المسافة التي تفصل بين مرفأ حيفا ومرفأ اللاذقية، على سبيل المثال، أطول قليلًا عبر الجولان، (320 كلم) منها عبر الساحل اللبناني (240 كلم)، إلا أن الدراسات تُظهر أن الفترة الزمنية التي قد تحتاجها الشاحنات للعبور على طريق حيفا – القنيطرة – صيدنايا – اللاذقية، هي أقصر من الفترة التي تحتاجها الشاحنات للمرور عبر الناقورة – بيروت – طرابلس – اللاذقية.

ومن خلال الأعمال التي تجرى في مرفأي طرطوس واللاذقية، يتضح بما لا يقبل الشك، أن هذين المرفأين سيكونان جاهزين للعب دور إقليمي مكمل للدور الذي سيقوم به مرفأ حيفا في خلال سنة أو سنتين على الأكثر، ولو أن أعمال التوسعة والتأهيل قد تمتد لخمس سنوات مقبلة. ويتم التركيز على تعميق مراسي السفن في المرفأين ليصبحا قادرين على استقبال السفن التجارية العملاقة، وهذا الأمر ليس متاحًا حاليًا، في حين أن عمق الأرصفة في مرفأ بيروت سمحت له في السابق بلعب دور همزة الوصل في إعادة الشحن البحري والربط بين آسيا وأوروبا.

كما يجري التداول في إمكانية إعادة إحياء خط سكة الحديد الذي تربط بين حيفا ودمشق عبر درعا. هذا الخط تم استخدامه في زمن الانتدابين الفرنسي والبريطاني.

كل هذه الجهود للربط المباشر بين سوريا وإسرائيل، في حال إحلال السلام بين الدولتين، تؤكد أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يتضمّن خريطة طريق واضحة للتعاون والربط الاقتصادي بين دول المنطقة والعالم. وسيؤدي هذا الربط، في حال حصوله، إلى ضمّ سوريا إلى الممر الهندي (IMEC) الذي يربط الشرق الأوسط بأوروبا ويضم كلًا من: السعودية، الإمارات، الأردن وإسرائيل. وقد تصبح سوريا الدولة الخامسة في اللائحة، من خلال تأدية دور مُكمّل للدور الذي سيتولاه مرفأ حيفا في هذا الممر الاقتصادي الحيوي.

في الخلاصة، إذا نجا لبنان من قطوع “العودة إلى بلاد الشام”، كما أسماها براك، فانه قد لا ينجو من البقاء على هامش العصر الجديد. إلا إذا هبط الوحي على المسؤولين اللبنانيين في الأيام القليلة المقبلة، وحسموا أمرهم، وقاموا بما يمليه عليهم واجبهم الوطني، لتثبيت دور لبنان في شرق أوسط جديد ترتسم معالمه اليوم في مطابخ القرار الدولي.