
بعد سوريا… هل يوقّع لبنان سلاماً مع إسرائيل؟
من المؤكّد أنّ الساحتين السياسيّة والشعبيّة ليستا جاهزتين بعد لهكذا اتفاق، فالتركيز اليوم على مسألة تسليم السلاح الذي سيكون باباً للانفراج والاستقرار، وعودة الدولة الى فرض هيبتها وسلطتها. لكنّ البحث في مسألة العلاقة مع إسرائيل، سواء عبر إحياء اتفاقيّة الهدنة أو التطبيع أو غيرهما من الصيغ، هو ضرورة وفيه مصلحة للبنان.. مسألة السلاح أولويّة. قضيّة السلام حاجة.
لم يعد السلام بين سوريا وإسرائيل بعيداً. هو واحدٌ من الأهداف التي ساهمت في إيصال أحمد الشرع إلى الرئاسة. حصلت لقاءات بعيدة عن الأضواء بين الجانبين، وستحصل لقاءات أخرى، إلى أن يتكلّل المشهد برؤية الشرع وبنيامين نتنياهو معاً في ضيافة دونالد ترامب في البيت الأبيض. مشهدٌ سيضمن للرئيس الأميركي فوزه بجائزة نوبل للسلام.
عندما قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إرسال اللبناني الجذور توم باراك، مع صلاحيّات استثنائية، إلى الشرق الأوسط، كانت مهمّته العلنيّة تصحيح مسار العلاقات التركيّة – الأميركيّة الدائمة التوتّر. لكنّ الهدف الآخر غير المُعلن قد يكون المساهمة في صناعة اتّفاق سلام سوريّ – إسرائيليّ يُطبَخ على نار هادئة بعد سقوط نظام الأسد.
بدأ حراك باراك لتنفيذ الخطّة منذ اليوم الأوّل لتسلّمه مهامّه، من خلال رسائله الانفتاحية إلى القيادة السوريّة الجديدة ورئيسها، وزيارته لدمشق ولقاءاته هناك. لكنّ مصافحة ترامب – الشرع في الرياض كانت الخطوة المؤثّرة في دفع القناعة الأميركيّة الجديدة إلى ضرورة مساعدة سوريا على الخروج من أزماتها.
تختبر واشنطن نفسها من جديد في مسألة صناعة اتّفاق سلام، عبر التواصل مع الجانب السوري، ومن بعده، على الأرجح، اللبناني.
سيكون باراك مفتاح واشنطن في الملفّ السوري وجسرها للتواصل مع القيادة السوريّة الجديدة، والساعي إلى بلوغ هدف ترامب في سلامٍ حقيقيّ يطوي صفحة الصراع العربي الإسرائيلي الطويل.
خطّة واشنطن هي إنهاء حالة الحرب بين إسرائيل وسوريا، وتفعيل ترتيبات سياسية وأمنيّة حدوديّة مرتبطة بحلّ موضوع الجولان وانسحاب القوّات الإسرائيلية من الأراضي السوريّة، مقابل ضمانات وتعهّدات أمنيّة وسياسية واقتصادية يتمّ الترتيب لها على مراحل.
واللافت وجود تحوُّل لافت في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فالإدارة الأميركية الجديدة تتطلّع لتحويل الساحة السورية إلى فرصة تهدئة إقليمية، ومجال لعقد صفقات سياسية واقتصادية تُشرك جهات متعدّدة. ويفسّر ذلك تراجع الضربات الإسرائيلية في سوريا، ما يؤدّي إلى سدّ الفجوة بين تل أبيب وأنقرة، ثمّ التقريب بين دمشق وتل أبيب.
وستواجه حكومة الشرع، بالتأكيد، صعوبات وتحدّيات كبيرة في محاولة إقناع الشعب السوري الرافض لأن يكون موضوع السلام مع إسرائيل بين أولويّاته، على حساب ملفّاتٍ سياسيّة ودستوريّة واقتصاديّة واجتماعيّة ينتظرها الداخل السوري. وأبعدُ ما يمكن طرحُه وقبولُه اليوم هو وثيقة وقف إطلاق نار وتعهّدات متبادلة بتبنّي مسار الحوار نحو السلام الدائم بين البلدين.
يقودنا ما سبق كلّه إلى طرح سؤالٍ سيفرض نفسه، عاجلاً أم آجلاً، في الداخل اللبناني: هل سيوقّع لبنان اتفاقاً مع إسرائيل، ومتى وكيف؟
من المؤكّد أنّ الساحتين السياسيّة والشعبيّة ليستا جاهزتين بعد لهكذا اتفاق، فالتركيز اليوم على مسألة تسليم السلاح الذي سيكون باباً للانفراج والاستقرار، وعودة الدولة إلى فرض هيبتها وسلطتها.
لكنّ البحث في مسألة العلاقة مع إسرائيل، سواء عبر إحياء اتفاقيّة الهدنة أو التطبيع أو غيرهما من الصيغ، هو ضرورة وفيه مصلحة للبنان الذي يجب ألا يكون خارج خريطة الشرق الأوسط الجديد، كي لا يدفع الثمن في المستقبل كما دفع أثماناً في الماضي.
مسألة السلاح أولويّة. قضيّة السلام حاجة.