“الحزب” يتأهّب ولبنان في عين العاصفة الأميركية

“الحزب” يتأهّب ولبنان في عين العاصفة الأميركية

الكاتب: طارق أبو زينب | المصدر: نداء الوطن
15 تموز 2025

أنهت قيادة “حزب الله” خلال الأسابيع الماضية تنفيذ خطة تنظيمية داخلية تهدف إلى إعادة بناء بنيتها العسكرية والأمنية عبر دمج وحدات جهادية وتنفيذية في وحدات موحّدة متشابهة في المهام، ضمن إعادة هيكلة شاملة تتزامن مع تطورات ميدانية وضغوط مالية متصاعدة .

وبحسب مصادر مطلعة تحدثت إلى “نداء الوطن”، تأتي هذه الخطوة كرد فعل مباشر على التحديات الجسيمة التي يواجهها “الحزب” في المرحلة الراهنة، حيث يسعى إلى ترشيد النفقات وتوحيد الجهود اللوجستية والتنظيمية بما يتناسب مع حجم المتغيرات المحلية والإقليمية، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها.

دمج الوحدات ومأسسة العمل

تشمل عملية الدمج وحدات متعددة منها فرق التجهيز والدعم اللوجستي، الإنشاءات المدنية، المؤسسات المالية والثقافية، إضافة إلى مؤسسات صحية وتربوية ورعائية، وكذلك فرق العمل في مجال الزراعة. ويعكس هذا التوجه رغبة في تعزيز التنظيم الداخلي لـ “الحزب” بطريقة أكثر انضباطًا وتكاملًا .

وبحسب المصادر نفسها، يتمثل التحول الأبرز في سعي “الحزب” لإعادة بناء شبكته الداخلية على أسس أكثر مرونة، تمكنه من مواجهة الضغوط سواء في الجنوب أو في الداخل اللبناني .

بين التكيّف والاستمرار بالعقيدة

تشير أوساط مقربة من “الحزب” إلى أن الهيكلية الجديدة تشكل استعدادًا ضمنيًا لتكيّف سياسي وعسكري أكبر في ظل تصاعد الضغط الدولي، من دون التنازل عن الثوابت العقائدية أو موقع “الحزب” في محور المقاومة. ويبدو أن “الحزب” يسعى للحفاظ على تماسكه الداخلي وقدرته على التكيف الاستراتيجي من دون تقديم تنازلات مكشوفة.

تحرك دولي متصاعد لملاحقة “الحزب”

على الصعيد الدولي، تصاعدت التحركات الرامية إلى محاصرة أنشطة “حزب الله”، وتمثل ذلك في انعقاد الاجتماع الرابع عشر لمجموعة تنسيق إنفاذ القانون، المختصة بمكافحة أنشطة “الحزب” غير المشروعة. نُظم الاجتماع بتنسيق بين وزارتي الخارجية والعدل الأميركيتين، وبمشاركة الشرطة الأوروبية، وحضر ممثلون عن أجهزة أمنية وخبراء ماليون ومدعون عامون من نحو 30 دولة في الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية وأفريقيا وأوروبا وآسيا.

ووفق بيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، ناقش المشاركون قدرة “حزب الله” على تنفيذ عمليات قاتلة حول العالم رغم الضربات التي تلقاها في العام الماضي، مؤكدين أن “الحزب” لا يزال يشكل تهديدًا أمنيًا خطيرًا، ويواصل تعزيز وجوده الخارجي وقدرته على شن هجمات مفاجئة في عدة مناطق.

المأزق المالي ومحاولات التوسع

ركز الاجتماع على الوضع المالي المتدهور لـ “الحزب”، مع تحذيرات من احتمال سعيه لتوسيع أنشطة التمويل وشراء المعدات في أفريقيا والنصف الغربي من الكرة الأرضية، في محاولة للالتفاف على أزماته الخانقة.

وشددت الدول المشاركة على أهمية الإجراءات الأخيرة التي تهدف إلى الحد من قدرة “الحزب” على استغلال الشبكات المالية والتجارية، مؤكدة أن التنسيق الدولي سيستمر لتطويق تحركاته العابرة للحدود.

زيارة براك تتعثّر: لا تقدم في الملفات والرد اللبناني مراوغ

في ظل الزخم الدولي المتزايد حول الملف اللبناني، كشفت مصادر خاصة مقربة من وزارة الخارجية الأميركية لصحيفة “نداء الوطن” أن زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص، توم براك، إلى بيروت لم تسفر عن أي تقدم ملموس في القضايا الجوهرية، وعلى رأسها ملف سلاح “حزب الله” والميليشيات والفصائل الفلسطينية.

وأوضحت المصادر أن ورقة المقترحات التي حملها براك لم تُعرض على مجلس الوزراء اللبناني ولم تُناقش مع أي من أعضائه، بل اقتصرت تداولاتها على الرؤساء الثلاثة فقط، في خطوة اعتبرتها واشنطن محاولة للتهرب من الالتزام بموقف رسمي معلن.

ووصف الموقف اللبناني بأنه “ضبابي ومراوغ”، ما عزز لدى الإدارة الأميركية الانطباع بأن القرار السيادي اللبناني لا يزال محكومًا برقابة مشددة، وسط غياب خطة إصلاحية أو نية جدية للدخول في مفاوضات فعالة.

وحذرت المصادر من أن الرهان اللبناني على عامل الوقت أو التغيرات الإقليمية لن يؤدي إلا إلى زيادة الضغوط الدولية على الدولة اللبنانية.

في ختام المشهد الراهن، تتقلص الخيارات أمام لبنان بينما تستمر الدولة في غيبوبتها. وفي الوقت الذي يسرّع فيه “حزب الله” إعادة هيكلة بنيته الداخلية تحسّبًا للأسوأ، تتصاعد الضغوط الدولية من كل الجهات.

يبقى السؤال المصيري مطروحًا: هل ما نشهده هو تراجع تكتيكي متقن من “الحزب” أم تحضير لمرحلة هجومية وانفجار قادم؟ والأهم، هل يملك لبنان الإرادة السياسية والقدرة الفعلية لتنفيذ القرار 1701 والالتزام بنزع السلاح غير الشرعي كما تعهد في البيان الوزاري وخطاب القسم؟ أم ستظل المراوغة هي الغالبة وسط تصعيد إسرائيلي يومي وضغوط دولية متصاعدة وتحولات إقليمية متسارعة؟