
خاص- الخناق يشتدّ على “الحزب” ولبنان: السلاح أو الحرب
التهديدات الواضحة التي يطلقها الموفد الأميركي توم برّاك في شكل تصاعدي، حرّكت دوائر القرار لدى “حزب الله”، الذي يدرس جدّياً واقعيّة المخاطر المحيطة به من الجنوب والشرق والشمال. وهو يحاول قياس السلبيّات والإيجابيّات بين قراري الاحتفاظ بالسلاح أو تسليمه إلى الدولة. وعلى رغم أنّ إيران توعز إلى “الحزب” بالتشدّد، ليكون لديها ورقة تستخدمها في المفاوضات المحتملة مع الولايات المتّحدة، فإنّ المخاطر الجديدة التي أشار إليها برّاك، في حال عدم التخلّي عن السلاح، ستصيب “الحزب” هذه المرّة، وليس فقط الدولة اللبنانية.
لم يكتفِ الموفد الأميركي بالتلويح بأنّ لبنان سيُترك لمصيره، وسيتخلّف عن ركب الازدهار الآتي إلى الشرق الأوسط، بل أثار نقطة مهمّة، حين قال إنّ “قوى إقليمية ستسيطر على لبنان، في حال لم تنجح حكومته في التغلب على إشكاليّة سلاح الحزب، وأنّ هذا البلد سيواجه عندها تهديداً وجودياً. وإذا لم يتحرّك، سيعود إلى بلاد الشام من جديد”. ثمّ أضاف في تصريح آخر، أنّ “الخوف من نزع سلاح “حزب الله” ومنع الحكومة اللبنانية من ذلك هو الذي قد يؤدّي إلى حرب أهلية”.
قد تكون الشعارات التي أطلقها اللبنانيون ردّاً على كلام برّاك جميلة. ولكن على هؤلاء عدم الاكتفاء بالكلام، بل العمل بجدّية لمنع لبنان من “العودة إلى بلاد الشام وإلى الحرب الأهليّة”. فالاحتمالات التي تحدّث عنها برّاك ليست خيالاً، بل هي واقع يمكن أن يحدث فعلاً. وإذا كانت رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة متردّدتين في موضوع نزع السلاح، خوفاً من اندلاع حرب أهليّة، فهل إبقاء السلاح يحمي لبنان من هذه الحرب أو من حروب أخرى، في ظلّ المعطيات الدولية والإقليمية الحالية؟
لم يعد الخطر الإسرائيلي هو الوحيد الذي يهدّد لبنان، والذي يمكن أن يتطوّر إلى حرب مدمّرة من جديد. ولكن هناك التهديد الآتي من الشمال والشرق. فسوريا اليوم تغيّرت كثيراً. و”حزب الله” الذي كان حليف النظام الساقط، صار “عدوّاً” للنظام الحالي، ما يُبقي الجمر تحت الرماد بين الجانبين.
وقد شهدت المناطق الحدودية اشتباكات مرّات عدّة منذ وصول السلطة الجديدة إلى دمشق. وتتّهم الحكومة السورية “الحزب” بأنّ له يداً في الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة الساحل، كما في لعب أدوار أمنية داخل سوريا. لذا، فهي تعتبر أنّ لبنان إذا لم يتمكّن من حلّ مشكلة السلاح، فإنّ “الحزب” الموجود في مناطق حدودية واسعة معها، سيشكّل عنصر تهديد لها. وفي المقابل، فإنّ الكلام الكثير هذه الأيّام في لبنان عن خلايا إرهابية عادت للتحرّك وبدعم سوري، يجعل حصول احتكاك بين الجانبين أمراً وارداً. وفي حال تطوّر هذا الاحتكاك، فقد يطالب الرئيس السوري أحمد الشرع باتّفاقات أمنية على غرار الاتّفاقات مع النظّام السابق. وليس من المستبعد أن توكِل واشنطن، تحت هذه الذريعة، إلى سوريا من جديد الإمساك بالأمن في لبنان، والقضاء على “حزب الله”، ما دامت الحكومة اللبنانية عاجزة عن التعامل مع ملفّ السلاح بنفسها.
وهذه الحالة، إن وقعت، قد تتطوّر إلى ما يشبه الحرب الأهلية، في ما إذا أبدت فئات لبنانية، سنّية مثلاً، تعاطفاً مع دمشق. وربّما يعيد التاريخ نفسه، ولكن مع استبدال الحلفاء والخصوم هذه المرّة.
وثمّة من يرى داخل “الحزب” أنّ المصلحة تقضي الآن بالتسليم للدولة اللبنانية، بدلاً من التعرّض لعواقب وخيمة. وهؤلاء باتوا يعتقدون أنّ من الصعب مواجهة الضغط الأميركي، الذي بلغ أوجه مع تهديدات برّاك للبنان بالعودة إلى بلاد الشام وبالحرب الأهلية. وتفيد معلومات من واشنطن أنّ الإدارة الأميركية عازمة على الانتهاء من موضوع السلاح غير الشرعي في لبنان، وأنّها مستعدّة لاستعمال كلّ وسائل الضغط المؤلمة لتحقيق ذلك، وأنّ الموفد برّاك لا يمزح في تهديداته.
والدليل إلى ذلك أنّ ورقة الردّ الأميركية وصلت بالأمس إلى لبنان، وقد تضمّنت إصراراً على وضع جدول زمني لتسليم السلاح الثقيل والمتوسّط، حدّه الأقصى نهاية العام الحالي. وهي تريد أن تتسلّم هذا الجدول خلال الزيارة القريبة للموفد الأميركي لبيروت. وإذا امتنع لبنان عن تحديد المهل لسحب السلاح، فإنّ العواقب ستكون مباشرة وقريبة جدّاً.