
نص الورقة الأميركية: خطة للسلاح خلال أسابيع والجيش مُقصر
يواصل لبنان مناقشة الورقة الأميركية الجديدة التي تسلّمها عبر موفد السفارة الأميركية، الذي جال على الرؤساء الثلاثة لتسليم الرد، مستبقًا وصول الموفد الأميركي توم باراك إلى لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة. وإلى حين وصوله، عيّنت الإدارة الأميركية المستشار السياسي في السفارة الأميركية في بيروت، جيمس أوميليا، لمتابعة تفاصيل الرد، والبحث مع اللجنة الممثلة للرؤساء الثلاثة بشأن المقترحات قيد الدرس.
لن يكون من السهل على لبنان الالتزام بما هو مطلوب منه أميركيًا من خطوات لا تقتصر على مسألة السلاح وتسليمه، بل تتعداها إلى خطوات أعمق وربما أكثر أهمية، تتصل بحزب الله وماليته وحرمة التعامل المالي معه.
وإذا كان قد أعلن عبر مصرفه المركزي حظر التعامل مع مؤسسة القرض الحسن التابعة لحزب الله، أو أي مؤسسة مالية غير مرخصة، فإن هناك خطوات أخرى أكثر صعوبة، سواء من جهة دور الجيش اللبناني، أو المهل الزمنية، أو الإصلاحات المالية والمصرفية المطلوبة.
تفاصيل الورقة الأميركية
أما فحوى الورقة الأميركية، من عنوانها إلى تفاصيلها، فيتمحور حول التزام لبنان ببرنامج زمني “واضح” لسحب السلاح، مقسم إلى مراحل تبدأ من جنوب نهر الليطاني شمالاً، ثم في بيروت وضواحيها، وصولًا إلى سائر المناطق.
في ما يتعلق بالجيش اللبناني، فقد طُلب منه إعداد خطة تقنية لتسليم السلاح، ما يعني أن المطلوب من الجيش أن يكون شريكًا عمليًا في هذه العملية، مع اعتبار أن ما قام به حتى اليوم غير كافٍ، ويجب عليه العمل بوتيرة أسرع.
وبحسب الورقة الأميركية، فإن المهلة الزمنية الممنوحة للبنان لإنهاء ملف تسليم السلاح هي شهر كانون الأول المقبل. لكن، خلال أسابيع قليلة، يجب أن يكون قد أعدّ الخطة التفصيلية لتطبيق سحب السلاح، كما يُفترض أن يتوصّل إلى توافق داخلي حول هذه الخطة خلال الفترة نفسها، تمهيدًا لتنفيذها قبل نهاية العام.
تتضمن الورقة الأميركية طلب وضع مراحل عملية لسحب السلاح، تبدأ باستكمال سحبه من جنوب الليطاني وشماله، تليها مرحلة بيروت وضواحيها، ثم منطقة البقاع. وتشدّد على ضرورة تسليم الصواريخ الثقيلة والدقيقة والبعيدة المدى، والطائرات المسيّرة، وتفكيك مواقع تخزينها وتصنيعها وتركيبها. وبعد التخلص من هذا النوع من السلاح، يبدأ العمل على حصر السلاح المتوسط في يد الدولة.
كما تطرقت الورقة إلى ملف السلاح الفلسطيني، وطالبت لبنان بالعمل على سحبه من المخيمات الفلسطينية، بدءًا من مخيمات جنوب الليطاني، لا سيما البص، الرشيدية، والبرج الشمالي.
شروط الإصلاحات
في الشق الإصلاحي، نصّت الورقة على ضرورة الإسراع بإقرار الإصلاحات، لا سيما المالية والمصرفية، وتشريع قانون إعادة هيكلة المصارف، ووقف التعامل مع مؤسسة القرض الحسن وإغلاقها، إضافة إلى مكافحة شركات الصرافة المتورطة في تبييض الأموال لصالح حزب الله.
خلال تسليم وفد السفارة الورقة للرؤساء الثلاثة، استمعوا إلى وجهة النظر الأميركية بشأن المطالب، وتحديدًا الجدول الزمني المطلوب احترامه. ويجري كل ذلك تحت وطأة التهديد باستمرار العدوان الإسرائيلي واحتلال عدد من المواقع.
إلا أن اللافت في الورقة الأميركية هو غياب أي ذكر لما هو مطلوب من إسرائيل، أو ما الذي يمكن أن يجنيه لبنان في حال التزامه بما طُلب منه، حيث لم تلتزم الولايات المتحدة بتقديم أي ضمانات تُلزم إسرائيل باتخاذ خطوات مقابلة.
أسئلة مشروعة
تطرح هذه المقترحات الأميركية جملة من الأسئلة المشروعة، أبرزها: هل باستطاعة لبنان فعليًا تحديد جدول زمني لسحب السلاح، سواء سلاح حزب الله أو السلاح الفلسطيني، في ظل تعقيد هذا الملف وحساسيته؟ وقد أثبتت تجربة سحب السلاح الفلسطيني سابقًا أنه مرتبط بمعادلات دولية، إلا إذا كان المطلوب سحبه بالقوة، ما قد يدفع الجيش اللبناني للدخول في حرب جديدة داخل المخيمات.
أما من جهة سلاح حزب الله، فإن الدولة اللبنانية تُصر على معالجة هذا الملف بالحوار والتفاهم، تفاديًا لحرب أهلية، وهو ما ورد في الورقة اللبنانية التي سلّمها لبنان إلى الموفد الأميركي. بناءً على هذه الورقة، صرّح باراك في مقابلاته الأخيرة بأن معالجة السلاح بالقوة تعرّض لبنان للهلاك.
بتسلّمه هذه الورقة، دخل لبنان سباقًا مع الزمن، ويُفترض باللجنة الثلاثية أن تُنهي ملاحظاتها بسرعة، لتُعيدها إلى السفارة وتناقشها مع باراك فور وصوله. لكن ما يبقى غامضًا هو: ما الشروط المفروضة أميركياً على إسرائيل مقابل التزامات لبنان؟ وهل حصل باراك على ضوء أخضر إسرائيلي بشأن ما يمكن أن تقدمه إسرائيل؟ وماذا إذا اعتبر لبنان أن المهلة غير كافية؟ هل ستستمر إسرائيل في انتهاكاتها؟
وفي الداخل، ما سيكون رد حزب الله، الرافض مطلقًا لأي نقاش بسلاحه قبل انسحاب إسرائيل الكامل ووقف العدوان؟ وهل يقبل بالخوض في هذا الملف وسط ما يجري في سوريا؟ أم أن هذه الشروط تُفرض على وقع التهديد الإسرائيلي المباشر، من الجنوب والبقاع، مع الغارات المكثفة الأخيرة كرسالة واضحة؟ لغم الورقة الأميركية يضع لبنان أمام امتحان صعب ما ينذر بخطر كبير قادم.