الهبّة اللاهبة في سوريا تلفح لبنان… فهل يتجنّب «سوء التقدير»؟

الهبّة اللاهبة في سوريا تلفح لبنان… فهل يتجنّب «سوء التقدير»؟

المصدر: الراي الكويتية
17 تموز 2025
– التغوّل الإسرائيلي حيال سوريا يؤشر لِما قد ينتظر لبنان في حال لم يأخذ بخريطة الطريق الأميركية
– مخاوف في لبنان من أن «ما ينطبق على دمشق ينسحب على بيروت»
– ممانعة «حزب الله» تسليم السلاح مردّها إلى الخشية من فقدان «الميزة التفاضلية» بقوة سلاحه من دون القدرة على انتزاع ضمانات
– سلام: الحكومة تتواصل مع الدول المانحة وتحديداً بلدان الخليج الشقيقة للاستحصال على حاجة كهرباء لبنان من مادتي الفيول والغاز أويل لبضعة أشهر

تَرَدَّدَ بقوةٍ في بيروت دويُّ التطوراتِ الدراماتيكيةِ في سوريا والتي ارتسم بُعدان بالغيْ الخطورة لها شكّلا واقعياً وَجْهَيْن متوازييْن لحدَثٍ ما فوق عادي ترتبط به بلاد الأرز بحُكم «الأوعية المتصلة»

الجيو – سياسية والتي كانت أكثر ترجماتها وضوحاً لاحت حين «زَلَزَلَتْ» نتائجُ حرب لبنان الثالثة الأرضَ تحت أقدام نظام بشار الأسد.

فـ «كرة النار» التي أشعلتْها اسرائيل في سوريا وصولاً إلى قلب دمشق، أزاحتْ العدساتِ عن الملف اللبناني و«ألغامه الموقوتة» بفعل تَوَهُّجِها الكبير وانهماك موفد واشنطن الخاص إلى دمشق وبيروت وسفيرها لدى أنقرة توماس براك بمحاولاتِ تبريد «برميل البارود» السوري قبل أن ينفجر في شكلٍ يَخرج عن كل سيطرة.

وفي الوقت نفسه، بدت الهبّةُ اللاهبةُ في سوريا بمثابة مرآةٍ لِما قد يَنتظر لبنان في حال لم يأخذ بالجدية المطلوبة دفترَ الشروط الأميركي – الاسرائيلي بإزاء الإطار المطلوب لسحْب سلاح «حزب الله» وكفّ خطره عن تل أبيب، وأساء تقديرَ ما هو على المحكّ إذا أَمْعَنَ في لعبة شراء الوقت.

وفي رأي أوساط مطلعة أن لبنان يُفترض أن يكون «تَحَسَّسَ رأسه»، وهو يرصد المعاني العميقة لتغوّل اسرائيل في هجماتٍ ضد أهداف لنظام الرئيس أحمد الشرع، «تحت لافتةٍ» ظاهرية عنوانها إسناد السويداء فيما جوهرها أن ترسّم بالآلة العسكرية منطقة عازلة في جنوب سورية لطالما تحدّث عنها بنيامين نتنياهو.

وفي حين كانت الضرباتُ «الموجعة» لسورية تُسابِق اتصالاتٍ تَقَدَّمَتْها الولايات المتحدة لوقف «الأيام القتالية» التي لوّحت بها اسرائيل ولإنهاء الأحداث الدامية في السويداء على قاعدة حل مستدام، تم التعاطي مع إعلاء تل أبيب الخيار العسكري تجاه نظام الشرع بوصْفه «توقيعاً بالنار» على أولوياتها الاستراتيجية «التي لا رجوع عنها».

وفي الإطار، اعتبرت الأوساطُ أن ما أقدمت عليه اسرائيل أمس، ومن خلف ظَهْر أول خيوطٍ لمسارٍ مفترَض في اتجاه التطبيع مع سوريا الجديدة، يشكّل «نموذجاً» لِما يمكن أن يواجهه لبنان الذي لم يتلمّس بعد طريقاً واضحاً لإيجاد صيغة لسلاحِ «حزب الله» توفّق بين استعجال واشنطن وتل أبيب سحْبه وفق جدول زمني «خط النهاية» فيه قبل آخر السنة، وبين استئخار الحزب هذا المسار واسترهانه لمقتضياتِ الملف الإيراني من جهة كما اعتباراتٍ تتصل بالواقع اللبناني وموقع المكوّن الشيعي فيه «ما بعد السلاح» من ناحية أخرى.

ولفتت إلى أنّ سلوكَ اسرائيل تجاه سوريا وإظهار أنيابها العسكرية بوجه النظام الجديد فيها بخلفيةِ رؤيتها والخطوط الحمر التي وضعتْها حيال أمنها الاستراتيجي، يعني في شكل لا لبس فيه أن ما يَنطبق على دمشق مرشّح لأن ينسحب على بيروت إذا أدارتْ الظهرَ للفرصة الأخيرة التي يشكّلها مقترح واشنطن في ما خص سلاح «حزب الله» والذي دخل مرحلةً مفصلية في ضوء انهماك «بلاد الأرز» في درس الردّ الأميركي الذي بات في عهدة المسؤولين اللبنانيين على الجواب الذي كانوا حمّلوه إلى براك.

في المقابل، رأتْ الأوساطُ المطلعة أنّ تَمَدُّد «اليد العليا» لاسرائيل في اتجاه سوريا قد يجعل «حزب الله» يتشدّد أكثر في التمسّك بسلاحه الذي يَعتبر أنه ما زال يشكّل خطّ دفاعٍ عنه بوجه «ضربة قاضية» من تل أبيب كما في مواجهةِ أي «استضعافٍ» داخلي له وللمكوّن الشيعي، معتبرةً أن من الصعوبة بمكان افتراض أن الحزب سيسلّم بالهزيمة الاستراتيجية وفي الوقت نفسه بفقدانِ «الميزة التفاضلية» التي كان يَمنحه إياها سلاحه في اللعبة الداخلية وتالياً بأن يَخسر كل شيء معاً، ومن دون «ضمانات تعويضية» وربما في النظام.

وفي حين كانت اللجنة المكلفة من رؤساء الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري، تواصل بحث مضمون الردّ الأميركي على ردّ بيروت على ورقة براك، تكرّست الخطوط العريضة لملاحظات واشنطن والتي جرى تداوُلها في اليومين الماضيين، حيث تم أمس كشف أبرز بنودها والتي تنطلق من اعتبار الورقة اللبنانية منطلقاً جيداً للعمل على أساسه.

الملاحظات الأميركية

وبحسب موقع «أساس»، فإن الملاحظات الأميركية تضمّنت ترحيباً بالجهود التي قامت بها السلطة اللبنانية، تحديداً في الساعات الأخيرة، وإضافة بند السلاح وحصره في يد الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وطالبتْ في بندها الثاني بوضع جدول زمني واضح ومكتوب خطياً وفيه آلية لتطبيق حصر السلاح بدءا بجنوب الليطاني، ووصولاً إلى شماله، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية.

كما اشتملت ورقة الردّ الأميركي على «ان وضع الجدول الزمني يفترض أن يكون سريعاً في الأسابيع المقبلة، على ان يطلق تباعاً، ويحصر السلاح بيد الدولة قبل انتهاء هذا العام».

ونصت على «مراقبة دولية مباشرة لتنفيذ تطبيق الآلية الموضوعة خطوة بخطوة، زمنياً وعملياً، مع توثيق كل عمل الجيش اللبناني لجهة دخوله إلى المستودعات والمراكز التابعة للحزب، مع تصوير السلاح الموجود فيها».

كما نصّت على الحصول على اعتراف صريح وعلني ومباشر من دون أي مواربة من حزب الله بموافقته على آلية حصر سلاحه في يد الدولة على كل الأراضي اللبنانية، أكان ذلك من خلال موافقة وزرائه بالحكومة على اقرار ذلك بنداً في مجلس الوزراء، أو عبر موقف علني من كتلة «الوفاء للمقاومة» او من الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم.

مُساءلة الحكومة

وكان سلام أطلّ على هذه العناوين في الردّ الذي قام به على مداخلات النواب التي استمرّت يومين تحت قبة البرلمان في إطار جلسات مساءلة حكومته التي جدّد النواب الثقة المرموقة بها (بعدما طرَحها رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل) فنالت 69 صوتاً مقابل 9 لا ثقة و4 امتنعوا صوّتوا بالامتناع.

وأكد سلام، الذي كانت حكومته نالت ثقة البرلمان قبل نحو 5 أشهر، «أن السعي إلى الوفاء بتعهداتنا على صعيد تحقيق السيادة واستعادة الثقة وإحقاق حقوق المواطنين، المودعين منهم بصفة خاصة، تحوط به الضغوط والنوازع المتضاربة في كل صوب»، وقال «لكننا، ومهما يكن من أمر، نُجدد أمامكم التزامنا وإصرارنا على الإصلاح والإنقاذ. كما اننا لن نوفر جهداً لحشد الدعم العربي والدولي لتأمين الانسحاب الاسرائيلي الكامل من أراضينا ولوضع حد للاعتداءات الإسرائيلية المتمادية التي شهد لبنان فصلاً دموياً منها يوم الثلاثاء».

وشدد على «أن ما جاء في خطاب القسَم والبيان الوزاري ليس مجرد إعلان نيات. إنه التزام بل قرار لا لبس فيه ولا رجعة عنه، وبسط سيادة الدولة على أراضيها كافة وبقواها الذاتية وحصر السلاح وقرار الحرب والسلم بيدها واحترام القرارات الدولية، ولاسيما القرار 1701 وترتيبات وقف الأعمال العدائية الذي أقرته الحكومة الماضية في نوفمبر الماضي، هي مسؤوليات متلازمة تحقق الصالح اللبناني العام، وتستعيد السيادة، وثقة اللبنانيين والأشقاء والأصدقاء في العالم».

وأضاف: «كلكم يعرف أن الجيش اللبناني أنجز الكثير من حيث بسط سيادة الدولة على أراضيها جنوب الليطاني، وأذكّركم أن ترتبيات وقف العمليات العدائية تنصّ على«البدء» من جنوب الليطاني. ولا يعوق استكمال ذلك إلا الاحتلال الإسرائيلي للتلال الخمس وغيرها من أراض لبنانية. ولذلك فإن الحكومة مصرّة على احترام وقف العمليات العدائية الإسرائيلية والانسحاب من الأراضي التي تحتلها. وهي مصرة، بالتلازم مع هذه المسؤولية الوطنية، على مواصلة العمل من أجل بسط سيادة الدولة على المناطق اللبنانية شمال الليطاني كما في جنوبه. وهي تعي أن من شأن هذا السعي أن يتم على مراحل، وهي تتطلع الى تحقيق أهدافه في مدى زمني غير بعيد».

وأكد «ان الحكومة ستعمد بعد نضوج المداولات الجارية حالياً، إلى اتخاذ موقف واضح في القضية إياها وتضع الخطة التنفيذية الملائمة»، مشيراً إلى أن مجلس الوزراء يمثل السلطة التنفيذية في البلاد، وله القرار وحده في أي قرارات إجرائية.

وفي ملف الكهرباء، لفت سلام الى أن هناك ثلاثة مسارات نتقدم عليها بالتوازي، كاشفاً أنه «في المدى القصير وفي ظل القدرة الإنتاجية المحدودة بسبب عدم إنشاء المعامل خلال العقود الماضية بما يلبي حاجة البلاد، قررت الحكومة التوقف عن مراكمة الدين لشراء الفيول والتواصل مع الدول المانحة وتحديداً دول الخليج الشقيقة بغية الاستحصال على حاجة كهرباء لبنان من مادتي الفيول والغاز أويل لبضعة أشهر بالتزامن مع إزالة التعديات عن شبكة كهرباء لبنان بهدف تأمين زيادة ملحوظة بالتغذية».

لبنان يدين الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا

دان الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون، بأشدّ العبارات «الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، والتي بلغت (أمس) العاصمة دمشق ومقرات حكومية»، معتبراً أنها تُشكّل انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة عربية شقيقة وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وأكد عون أنّ استمرار هذه الاعتداءات «يُعرّض أمن المنطقة واستقرارها لمزيد من التوتر والتصعيد»، مُعرباً عن «تضامن لبنان الكامل مع الجمهورية العربية السورية شعباً ودولةً»، مجدداً دعوته المجتمع الدولي «لتحمّل مسؤولياته والضغط بكل الوسائل وفي المحافل كافةً، لوقف الاعتداءات المتكررة، واحترام سيادة الدولة ووحدة أراضيها».

وكان عون شدد على حرص لبنان على وحدة سوريا، وسلمها الأهلي، وسلامة أرضها وشعبها بكل أطيافه.

بدوره، استنكر رئيس الحكومة نواف سلام «الضربات الإسرائيلية التي استهدفت دمشق، بما في ذلك وزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي، في خرقٍ صارخٍ لسيادة سوريا وانتهاكٍ لأبسط قواعد القانون الدولي».

وقال: «لا يمكن القبول بمنطق الاستباحة، ولا بمنطق الرسائل بالنار. وعلى المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته في وضع حدٍّ لهذه الاعتداءات».